في مطلع أيلول، استبشر المواطنون خيرا مع التحرك العاجل لللسلطة السياسية من اجل ايجاد الحلول للاوضاع الاقتصادية.

بين ضغط ​المجتمع الدولي​ الذي لايترك مناسبة الا ويحذر فيها من مصير ​لبنان​ الغارق بالديون ، ومن التعبير عن عدم ثقته باجراء الاصلاحات المطلوبة بحيث سمع ما سمع المسؤولون مؤخراعلى لسان المبعوث الفرنسي بيار دوكان، المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر""بان لبنان دولة غير قابلة للاصلاح ، والاموال لن تتحرك الا في حال وضعت الاصلاحات التي تتحدث عنها الحكومة"برزت الورقة التي تتضمن "مقترحات اجراءات اصلاحية اولية لمواجهة ​الأزمة الاقتصادية​ "، أعدتها مجموعة خبراء اجتمعت برئاسة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

ودعت الورقة إلى البت بحسابات الدولة النهائية المحددة في القانون، واعداد ​موازنة​ عام 2020 واقرارها ضمن المهل الدستورية والقانونية، مع تخفيض العجز فيها الى نسبة 6،5 %، واعتماد نسبة 15% كضريبة على القيمة المضافة على السلع المعتبرة من الكماليات، ووضع حد أدنى وحد اقصى لأسعار ​البنزين​، وإعادة النظر بتخمين الاملاك العمومية البحرية واتخاذ الاجراءات القانونية لتحصيل اموالها.

كما دعت الورقة الى اقرار خطة مستدامة لإدارة النفايات الصلبة، ونظام نقل عام متطور وواسع الاستخدام، ونظام تقاعد وحماية اجتماعية لجميع اللبنانيين العاملين في لبنان، ونظام التغطية الصحية الشاملة.

ولعل ابرز ما تتضمنته الورقة العمل على تقليص حجم الدين العام، من خلال اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) ضمن مناقصات تتسم بالشفافية، ودفاتر شروط تضمن حقوق الدولة والمنافسة المشروعة ومصلحة المواطنين، وتشركة مؤسسات عامة ذات طابع تجاري، وهيئات غير استراتيجية، تمهيدا لطرح نسبة من أسهمها للجمهور، لا تقل عن 35%، مع تحديد سقف 1%، من هذه الاسهم لكل مكتتب.

ووضع سياسة إسكانية، تقوم على مبدأ الحق بالسكن، ولا تقتصر على تشجيع التملك.

وكان مؤكدا ان هذه الورقة التي التف حولها الاقطاب السياسيون خلال اللقاء الاقتصادي في بعبدا بعدما شارك فيهاممثلوهم في اعدادها وهم الخبراء الاقتصاديون الدكاترة : غازي وزني، روي بدارو، مازن سويد، شربل قرداحي وسليم فضل الله ان تلقى الموافقة المبدئية مع التحفظ على اقرار بعض الضرائب التي يرى فيها البعض انها لن تمّيز بين فقيري ومتوسطي الحال وبين الميسورين من اللبنانيين.

جميع الافكار رائعة وتطبيقها يساهم في زيادة فرص تحقيق إصلاح مالي ناجح وابعد من ذلك إعادة بناء الثقة والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي.

عامل الثقة مهزوز بين المواطن والمسؤول. والمرحلة لم تعد مرتبطة باطلاق الشعارات بل بحاجة ملحة الى اجراءات . اجراءات فورية انقاذية تخرج الاقتصاد من النفق الطويل المتعثّر الذي تم ادخاله اليه.

يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن ​لبنان​ أمام مهلة قصيرة ليثبت قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية.

وفي الواقع، ان المجتمع الدولي ووكالات التصنيف تمهل ولكنها لا تهمل .وما تسرّبه من تحذيرات فيه كثير من الجدية قبل دق ناقوس الخطر.

آخر الدواء الكي. ما هي ابرز الضرائب التي تضمنتها ورقة مقترحات بعبدا ؟ وما هي النتائج المرجوة منها؟

وزني

الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني الذي شارك في اعداد بنود ورقة المقترحات يقول "للاقتصاد" طلب منا وضع هذه الاجراءات القابلة للتنفيذ بعد توصيف ​الوضع الاقتصادي​ الحالي خلال 48 ساعة فقط.

السرعة كانت لافتة في صياغة هذه الطروحات. وكان وجهة نظر رئيس الجمهورية بضرورة التمسك باتفاق بعبدا الذي جمع الاقطاب الثلاثة.

والطروحات هي كناية عن حلول عاجلة لفترة آنية وليس على المدى المتوسط للخروج من المحنة مع الاخذ بعين الاعتبار اهمية الالتزام بالتنفيذ وبضروة معالجة المشاكل التالية:

1- العجز المتصاعد في الموازنة.

2- تراجع تدفق الاموال الى لبنان.

3- مستوى ​عجز ميزان المدفوعات​.

4- العجز القائم في ​الميزان التجاري​.

5- ​النمو الاقتصادي​ المعدوم.

6- الوضع المعيشي المتردي.

ودافع وزني عن المقترحات الضريبيبة مؤكدا انها لاتطال ابدا الطبقة الفقيرة، ولا بالتالي المتوسطة.

ويشرح وزني ما يتعلق منها:

1- بالرسم على البنزين : حيث هناك حدا اقصى وحدا اقصى بما يضمن حقوق الدولة وحماية ​المستهلك​. بما معناه اذا تعدى ​سعر صفيحة البنزين​ ال 30 الف ليرة ليس هناك اي رسم ، فالدولة هي التي تتحمل الفرق وليس المستهلك . واذا كانت اقل من 25 الف ليرة تستفيد الدولة من الفرق . وقدرت الواردات من هذه الرسوم بحدود 110 مليارات ليرة سنويا.

2- اعتماد 3 معدلات للضريبة على القيمة المضافة كما يلي:

- صفر % على السلع المعفاة حاليا.

- %11 على السلع غير المعفاة والمعتبرة من الكماليات.

- %15 على السلع التي تعتبر من الكماليات على ان تحدد هذه السلع لاحقا مع امكانية زيادة النسبة بعد 3 سنوات.

والجدير ذكره، أنها ستطال السيارات، السيغار، المشروبات الروحية ، الالبسة المستوردة ذات الماركات العالمية المعروفة . والرسم على علب ​التدخين​ هي 500 ليرة على المصنعة محليا والف ليرة على المستوردة. وهي تؤمن حوالي 225 مليار ليرة سنويا.

نسبة هذه السلع هي ما بين 10% و15% من مجموع السلع الاستهلاكية لدى الطبقة الميسورة.

وهناك 60% من السلع معفاة من الضريبة على القيمة المضافة. ونسبة 35% من السلع هي أساسية.

3- زيادة الضريبة على دخل الفوائد من 10% الى 11% وجعلها دائمة. أي أن المودع الذي عنده 50 الف دولار وما فوق في المصرف سيكون عليه كلفة 3 دولارات فقط.

4- إعادة النظر بتخمين الأملاك العمومية البحرية، واتخاذ الاجراءات القانونية لتحصيل أموالها، إضافة الى إخضاع هذه الأملاك للضريبة على الأملاك المبنية.وهي تؤمن للخزينة 500 مليار ليرة بالسنة.

5- إعادة النظر بالنظام الضرببي عموما ليصبح أكثر كفاءة ومساواة، بدءا من إقرار الضريبة الموحدة التصاعدية على الدخل.وهذا سيؤمن بحدود 400 مليار ليرة سنويا.

وهي تطال مداخيل الافراد التي تفوق ال 80 الف دولار سنويا.

ويختم وزني بالقول: لقد تم تشكيل لجنة طوارىء انقاذية برئاسة رئيس الحكومة لمتابعة المقررات والبدء بالتنفيذ . وبالطبع تبقى العبرة في التنفيذ. هذه المقترحات هي بحد ذاتها رسالة الى الداخل والخارج معا.وهي تسلط الضوء على المشاكل الحقيقية الاقتصادية وتقدم لها الاجراءات الكفيلة بحلها. وتنقل للمجتمع الدولي عزم السلطة اللبنانية على ايجاد الحلول المناسبة للخروج من ​الازمة الاقتصادية​.

لقد أثبت ​الإقتصاد اللبناني​ مراراً وتكراراً قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والتعافي بسرعة من الأزمات عند توافر الاستقرار السياسي. إلاَّ أنَّ لبنان يحتاج اليوم إلى وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام الشامل. فالنمو المستدام ضروري كي يتمكن لبنان من تحسين وضعه المالي والمضي قدماً لزيادة هامش الحركة المالية العامة والحفاظ على معدل دين قابل للاحتمال وإيجاد فرص العمل للقوى العاملة ذات الكفاءة ، والاستثمار في البيئة التي تشهد عجزاً كبيراً ودعم الدمج الاجتماعي. لقد حالت السمات الصعبة التي ينفرد بها لبنان من حيث النظام السياسي الطائفي والمحيط الجيوسياسي دون نجاح الحكومات المتعاقبة في تنفيذ الإصلاحات اللازمة رغم الاتفاق على محتوى الإصلاحات الضرورية لتحفيز النمو.

قد لا تكون مهلة 6 اشهر كافية لتحقيق اصلاحات بمستوى التطلعات على الصعيد الاقتصادي والمالي والمعيشي. ولكنها فرصة للمضي في طريق الاصلاح ، وهي خطوة سليمة على طريق الألف ميل.