لاقى اجتماع بعبدا اهتماما واسعا من اللبنانيين، بعد أن وصل الوضع الاقتصادي الى مراحل صعبة للغاية، أثرت على مختلف فئات المجتمع، بأغنيائه وفقرائه، كما وصلت الى جميع القطاعات الإنتاجية؛ فميزانية الدولة تعاني، كما أن صاحب الشركة والموظف يعانيان على حد سواء، وذلك في ظل التباطؤ الحاصل في النمو، والتراجع في القدرة الشرائية، والضغط في ​السيولة النقدية​، و​الركود الاقتصادي​ الذي يخيم على البلاد،...

فقد اجتمعت الأطراف السياسية كافة، من أجل الاتفاق حول صيغة واحدة، تحظى بمظلة موحّدة. والخلاصة: إعلان حالة الطوارئ!

ولكن أن يأتي القرار متأخرا أفضل من أن لا يأتي أبدا، مع العلم أن المقررات الصادرة عن الاجتماع ليست بالجديدة والمفاجئة، خاصة وأننا اعتدنا على الوعود و"التنظير".

أما في ما يتعلق ب​موازنة​ 2020، فقد عادت التكهنات حول ما يمكن أن تحمله من أعباء إضافية على المواطن. وفي ظل التأكيد على عدم إمكانية فرض المزيد من الضرائب على الشرائح الفقيرة، ألمح رئيس الحكومة سعد الحريري الى أن الضرائب قد تأتي في وقت لاحق.

فماذا سيحصل في المرحلة المقبلة؟ هل سنشهد بالفعل على المرحلة التنفيذية للإجراءات التي تم الاتفاق عليها في اجتماع بعبدا أم ستبقى مجرد عناوين، كما اقتضت العادة؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعية، د. أنيس بو دياب، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد":

- ماذا بعد إعلان حالة الطوارئ؟ وماذا تعني الطوارئ الاقتصادية؟

الجميع يعلم أننا نعيش في ظل أزمة اقتصادية، ولجنة الطوارئ تعبر عن هذه الأزمة.

أما العامل الإيجابي اليوم، فيكمن في أن القيادات السياسية التفتت الى هذه الأزمة، واتخذت بعض الخطوات، كان أهمها اجتماع لجنة من الخبراء الاقتصاديين مع رئيس الجمهورية، وإطلاق ورقة تتضمن 49 بندا، عرضت يوم أمس على لجنة الحوار، وتبنى الحاضرون الجزء الأكبر منها.

وبالتالي فإن الخطوات الإجرائية تُتخذ من خلال لجنة الطوارئ برئاسة رئيس ​مجلس الوزراء​.

- ماذا يعني غياب ​القطاع الخاص​ والهيئات الاقتصادية عن اجتماع الأمس؟

لقد حصل خطأ بالأمس، لا يتمثل بغياب القطاع الخاص فحسب، بل أيضا في تغييب المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن كافة هذه الحوارات. وذلك على الرغم من أن هذا المجلس كان قد قدم ورقة مؤلفة من 23 بندا، أعدتها الأحزاب بدعوة منه، وقدمت في أيلول 2018 الى الرؤساء الثلاثة.

والبنود الـ23 هي فعليا جزء من الورقة التي قدمت بالأمس؛ وهذا برأيي خلل لا بد من إعادة النظر فيه.

وأعتقد أنه من واجب لجنة الطوارئ اليوم التوسع في المقررات المطروحة. وبرأيي أن الرئيس الحريري حريص على إشراك القطاع الخاص والقطاع العمالي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي من أجل حل الأزمة الحاصلة.

- برأيك، هل ستكون المقررات جدية أم مجرد كلام ووعود؟

تبقى دائما العبرة في التنفيذ، ولكن أعتقد أن هناك وعي لدى القيادات السياسية بأننا في أزمة شديدة، واذا لم نتخذ قرارت – مهما كانت صعبة وغير شعبوية – ستكون القرارات اللاحقة أصعب للخروج من الأزمة.

وسيتم اتخاذ عددا من الإجراءات ومنها الإسراع في تطبيق كافة مقررات موازنة 2019، كما ستعد قريبا موازنة 2020 وستحال الى مجلس الوزراء خلال الأيام المقبلة، وستتضمن جزء كبيرا من الورقة التي تمت مناقشتها يوم أمس في قصر بعبدا.

- حكي عن وقف التوظيف في ​القطاع العام​، ولكن في المقابل نشهد على غياب التحفيز للاستثمارات من أجل خلق فرص العمل الجديدة. برأيك، ماذا سيحصل لمعدلات ​البطالة​؟

معدلات البطالة مرتفعة للغاية وتتجاوز الـ35% لدى ​الشباب​، أما التحفيز فهو متعلق بالنمو الاقتصادي، وهذا النمو لا يتحقق إلا من خلال إشراك القطاع العام والقطاع الخاص، وتطبيق قانون الشراكة.

وهذا الأمر بحاجة الى مراسيم إجرائية بهدف تحقيقه، ويجب أن نبدأ في قطاع الكهرباء والاتصالات. ولكن للأسف ما زلنا نشهد تراجعا كبيرا في الكهرباء، مع العلم أنه منذ أربعة أشهر تم إقرار الخطة، التي تتضمن تشكيل مجلس إدارة وهيئة ناظمة. وحتى الساعة لم نسمع بأي من هذه الإجراءات. ولهذا السبب، فإن العامل الأهم يكمن في الشفافية في تطبيق الإجراءات والمقررات حتى تأخذ مجراها الطبيعي. وهذا الأمر بحاجة الى الكثير من القرارات المهمة في مجلس الوزراء ومنها التعيينات.

- ألمح الرئيس الحريري الى أن الضرائب قد تأتي لاحقا. ما رأيك بهذا الكلام؟

أي زيادة في الضرائب ستكون سلبية ولن تؤدي الى زيادة في الإيرادات، وذلك بسبب ​الانكماش​ الحاصل، وتراجع القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطن.

وأعتقد أن موضوع الضرائب الجديدة غير وارد، إلا اذا تم رفع الضريبة على القيمة المضافة (TVA) على لائحة من السلع الكمالية، وعلى الدخان (500 ليرة على الدخان المحلي، و1000 ليرة على الدخان الأجنبي المستورد).

وبرأيي، يجب أن نبدأ من مكان ما، في وقف ​التهرب الضريبي​ والتهرب الجمركي من أجل زيادة إيرادات الدولة.

- من خلال المؤشرات الحالية، هل تعتقد أن موازنة 2020 ستكون بالفعل إصلاحية؟

تم التطرق في ورقة الأمس الى خطة اقتصادية لثلاث سنوات، مع الأخذ بعين الاعتبار دراسة ورقة "ماكينزي"، وبالتالي هذا ما يمكن أن يسهم في تسريع النهوض الاقتصادي.

ونحن حاليا نترقّب قدوم الموفد الفرنسي بعد أيام قليلة، من أجل البت في بعض مشاريع "سيدر"، وبالتالي اذا صدقت كل النوايا لدى القادة السياسية، أعتقد أنه من الممكن أن ننطلق بـ"سيدر"، ما يمكن أن يؤدي الى تحريك العجلة الاقتصادية.

فللأسف حتى نهاية حزيران 2019، كانت نسبة النمو صفر. كما أن بعض المؤشرات تدل على أن نسبة النمو الفعلية سجلت أقل من صفر حتى. وبالتالي فإن تحريك العجلة يبدأ بالنهوض الاقتصادي، وهذا هو العامل الأهم.