قرأ جميع المهتمون تصنيف وكالاتي الائتمان العالميتين "​فيتش​" و"​ستاندرد اند بورز​" في الاسبوع الفائت . واصبحت المسألة في الماضي بعدما شغلت الاعلام وكل المعنيين ، وغدا يوم آخر واستحقاق جديد.

لقد نجح المسؤولون في اقناع اللبنانيين ان الجهود والاتصالات التي اجروها سمحت باعطاء فرصة 6 اشهر للبنان من قبل وكالة "ستاندرد اند بورز"التي قررت على إبقاء تصنيف ​الدولة اللبنانية​ على ما هوB-مع نظرة سلبية خلافاً للتهويلات والتحليلات.

وبلّغت الوكالة وزير المالية أن قرارها مستنداً على نقطتين اساسيتين:

1- بدء الإصلاحات الهيكلية في المالية العامة في موازنة ٢٠١٩ والتي ستستكمل بإصلاحات جديدة في موازنة ٢٠٢٠ وخصوصا في ​الجمارك​ والمشتريات ونظام التقاعد و​التهرب الضريبي​ وقطاع ​الكهرباء​، مما سيخفض ​عجز الموازنة​ برأيها تدريجياً إلى 4،8% من الناتج القومي في العام ٢٠٢٢.

2- تتوقع الشركة إستمرار ​مصرف لبنان​ في القدرة على الدفاع عن الليرة من خلال احتياطه. أكدت الشركة أيضاً ضرورة تنفيذ الإصلاحات المرجوة بوتيرة سريعة وخلق الجو السياسي المناسب لتحريك العجلة الإقتصادية حسب ما جاء في بيان المالية .

الا انه وفق ​مصادر مصرفية​، فان صدور تصنيف هذه الوكالات لا يراعي اي ضغوطات تمارس عليها ، وبالتالي اي مسايرة ، لأن منهجية عملها تمنع اي تدخل في عملها . وما نقل عن ان المساعي اللبنانية نجحت في الابقاء على مستوى التصنيف فيه الكثير من المبالغة ينتهي بما وصلت اليه "خبرية جحا "الذي ​صدق​ بالنهاية ما اخترعه من قصة لا اساس لها.

يعتبر تصنيف وكالات الائتمان المعيار من أجل إنشاء وتطوير ورعاية العلاقة الاستثمارية بين الدول و​المصارف​ والشركات المالية أو التجارية.

ولكن ماذا بعد سينتظر لبنان بعد التصنيف ؟ ماذا سيكون موقف صندوق النقد الذي لم يصدر تقريرا مفصلا بعد هذا العام؟

غبريل

كبير الإقتصاديين و رئيس مديريةالابحاث والدراسات الاقتصادية في "مجموعة بنك بيبلوس" د. ​​نسيب غبريل  يعتبر انه اليوم يجدر بنا مراقبة التصعيد الميداني على الارض .

ومن المضحك لا بل المعيب الايحاء ان " ستاندرد اند بورز" ارجأت اصدار تصنيفها بسبب الضغوطات والمراسلات التي وجهت اليها.

ويقول "للاقتصاد" القول ان هذه الوكالات تأثرت بالتدخلات السياسية هو غير صحيح ، لأن هذه الوكالات لديها منهجية محددة لتقييم ​التصنيف الائتماني​ لأي بلد او لشركة او حتى لمصرف. وهي تعتمد على عوامل عديدة منها المخاطر السياسية، ​الوضع الاقتصادي​، وضع المالية العامة، الوضع المصرفي، وضع المديونية، الشفافية، اضافةً الى الحوكمة والادارة الرشيدة، كما وانهم يقومون بزيارات دورية الى البلد للاطلاع عن كثب على كل العوامل المذكورة.

وكشف غبريل انه من المرتقب ان يصدر ​صندوق النقد الدولي​ تقريره المفصّل عن الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان قبل نهاية العام، علما" ان هذا يحدث بعد توافق مع السلطات اللبنانية على المضمون،وبعد تواصل مع المسؤولين. وعادة لا يكون الاختلاف على مضمون التقرير ككل ولكن على بعض المقاطع او حتى بعض العبارات التي يطلب منه تعديلها. وقد صدر بيان عن بعثة الصندوق في آذار الفائت بعد زيارتها للبنان ولقاء المسؤولين والمعنيين، ما يشكل تمهيدا" للتقرير الذي سيكون مفصلا" والذي سيتطرق بالعمق الى مواضيع محددة.

ويرى غبريل انه بمطلق الاحوال، لا يمكن انتظار ما سيصدر عن هذه المراجع، ولكن يجب مواجهة التحديات المتعددة. وكالات التصنيف هذه وجهت رسالة الى المسؤولين اللبنانيين.

ومن المعلوم انه قبل اصدار وكالة "فيتش" تصنيفها الاخير، حيث خفضت فيه تصنيف الدولة اللبنانية مرتبة واحدة من B- إلى CCC، زار فريق من قبلها لبنان قبل شهر وعاين عن كثب الاوضاع. وقبل اصدار "ستاندرد اند بورز" تقييمها بأسابيعكان هناك "اجتماع عبر الهاتف"بين المحلّلين في الوكالة مع كل من وزارة المال ومصرف لبنان، وذلك عوضا" عن زيارة لبنان. والجديرذكره انه في العام 2008 ، خفضت "ستاندرد أند بورز" تصنيفها للبنان الى CCC وبعد 6 اشهر عادت و رفعت هذا التصنيف مجددا" الى مستواه السابق. عند التخفيض اخذت بعين الاعتبار الوضع السياسي والشلل الحكومي الذي كان سائدا في تلك المرحلة، الى جانب طبعا ​الوضع المالي​ والاقتصادي والمصرفي ضمن منهجية متطورة وعلمية.وعادت ورفعت التصنيف مجددا" بعد ستة أشهر.

إن السلطات اللبنانية هي التي طلبت منذ اكثر من عشرين سنة من وكالات التصنيف الثلاثة تصنيف لبنان الائتماني، خصوصًا أن لبنان يصدر سندات ​يورو بوند​ بشكل مستمرّ منذ اكثر من عشرين سنة، و تصنيف الوكالات يساعد على استقطاب مؤسسات وصناديق استثمارية اجنبية على شراء قسم من هذه الاصدارات. ومنذ ذلك الوقت تصدر الوكالات تقييمها لتصنيف لبنان الائتماني كل ستة اشهر، و هذا ما حدث مؤخرا" و جاء في سياق دوري و روتيني لم يكن يستحق كل هذا الضجيج الإعلامي و انتهازه سياسيا".

ويقول، كان امام الوكالتين4 خيارات:

- الابقاء على التصنيف الائتماني الحالي عند B- مع نظرة مستقبلية سلبية.

- الابقاء على التصنيف الائتماني الحالي عند B- وتعديل نظرتها المستقبلية من سلبية الى مستقرة.

- رفع التصنيف الائتماني للبنان من B- الى B

- خفض التصنيف الائتماني من B- الى CCC

ويقول : للاسف هناك عدم المام كاف بآلية عمل هذه الوكالات. لبنان كان في مستوى ستة درجات دون المستوى الاستثماري وبعد تقييم " فيتش" اصبح سبع درجات دون المستوى الاستثماري. اذا"، و بالرغم من سلبية تخفيض التصنيف، فإن تصنيف لبنان لم يهبط خمسة او ستة درجات او تحوّل من تصنيف بمستوى استثماري الى ما دونالمستوى الاستثماري.

و يضيف : من الافضل استبدال التهنئة الذاتية للمسؤولين علىما سمي"ارجاء صدورالتصنيف"او ما قيل عن "فترة سماح من ستة اشهر" بنهج مختلفاذ ان ليست هذه الطريقة التي تتعاطى بها الوكالات، لابل من الواجب التصدي للتحديات بطريقة مختلفة. الطريقة الأفضل للتعاطي مع وكالات التصنيف وإقناعها برفع التصنيف الائتماني للبنانهي بالعمل الدؤوب والجدّي على ​تقليص العجز​ في الموازنة العامة وتخفيض حاجات الدولة للاستدانة واتخاذ إجراءات لتحفيز ​النمو الاقتصادي​ وتشجيع تدفق ​رؤوس الأموال​ و​الاستثمارات​. وهذا ما ينادي به ​القطاع المصرفي​ اللبناني منذ سنين عديدة.وإذا رأت وكالات التصنيف منحى مستمرّ في هذا الاتجاه، وتقلّص نسبة ​عجز الموازنة العامة​ الى ​الناتج المحلي​ وتراجع نسبة ​الدين العام​ الى الناتج المحلي بشكل مستمرّ، فإن الوكالات ستغيّر أولًا نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني للبنان من "سلبي" الى "مستقرّ" ومن بعد ذلك من "مستقرّ" الى "إيجابي". وفي وقت لاحق سترفع التصنيف الائتماني للبنان من مستوياته الحالية، وسيتبع هذا القرار رفع التصنيف الائتماني للمصارف التجارية الى نفس مستوى التصنيف السيادي الجديد. لذلك، بدل الكلام عن مقاضاة إحدى الوكالات أو محاولة اقناع وكالة ما بتأجيل تقييمها، يجب إثبات جدية ومصداقية المسؤولين بتطبيق الإصلاحات البنيوية من خلال إجراءات ملموسة تؤدي الى نتائج واضحة."

و اذا كانت السلطة التنفيذية جديةفعليها وضع خريطة مفصلة وجدول زمني واضح يهدف الى رفع مستوى تصنيف لبنان الائتماني الى BBB- أي الى ادنى درجة في المستوى الاستثماريللتصنيف.

ولإعطاء فكرة عن التحدي الذي يواجه المسؤولين في هذا السياق ، فان"ستاندرد اند بورز" تصنف 9 بلدان عند BBB- . ومتوقع ان يبلغ معدل عجز موازنة هذه البلدان1،2 % من الناتج المحلي و معدل صافي الدين العام 38% من الناتج المحليفي 2019.بينما يتوقع ان تبلغنسبة العجز 9،75% من الناتج المحلي وصافي الدين العام 127% من الناتج المحلي في لبنانفي 2019.

واحدى الاجراءات الملّحة تخفيض العجز. اول رسالة وجهتها تلك الوكالات الى السلطات اللبنانية طالت موازنة 2019 واعتبرتها غير كافية وغير مقنعة.

ومن المعلوم ان وكالة " فيتش" أخذت بعين الاعتبار ليس فقط الارقام بل مستوى الشفافية ، الادارة الرشيدة والحوكمة ، والقدرة على ​مكافحة الفساد​ وتطبيق القوانين . جميعها امور مهمة في تقرير " فيتش" لم يلحظها الكثيرون ممن تحدثوا عن التقييم.

والرسالة الاخرى لوكالات التصنيف و هو انه لايمكن للدولة الاستمراربالاعتماد الكليّ على الجهاز المصرفي لتغطية عجزها و هو الذي تحمّل لفترة طويلة عبء وكلفة الاستقرار النقدي و المالي والاجتماعي والاقتصادي . لقد حان الوقت لان تتحمل الطبقة السياسية جزءا من مسؤليتها من خلال تخفيض حاجات الدولة من الاقتراض والاستدانة بعد تخفيض النفقات بشكل جدي و جذري في موازنة 2020.

وفي ما يتعلق بصندوق النقد ، فقد نصح فريق عمله السلطات اللبنانية بوضع خطة متوسطة الأجل تأخذ بعين الاعتبار تخفيض العجز ولجم ارتفاع نسبة الدين العام قياسا الى الناتج المحلي.

ولا يغيب عن بالنا ان هذه الوكالات عندها شكوك في تحقيق الاصلاحات. اذا ليس عندها فترة سماح بل تقييم كل ستة اشهر لتصنيف لبنان الائتماني.

تحدي المصارف والمسؤوليات الكبيرة

ولكن كيف ستواكب المصارف نتائج هذا التصنيف وما هي تداعياته على عملها؟

يعتبر غبريل ان القطاع المصرفي مستهدف بالضرائب العشوائية منذ عام 2018 مع ارتفاع الضريبة على الفائدة و اقرار الازدواج الضريبي . وللاسف المسؤولون يطلقون النار على اقدامهم. منذ اكثر من 25 سنة ، يقف القطاع المصرفي متحملا مسؤولية الاستقرار النقدي والاجتماعي والمالي. وهذا القطاع يساهم بنسبة 60% من ايرادات الخزينة من الضريبة الارباح و33% من ايرادات الضريبة عن الاموال المنقولة و20 % في ايرادات الدولة من الضريبة عن الرواتب والاجور. و لكن حسب الاحصاءات الوطنية ، مساهمة المصارف تشكل 9% من الناتج المحلي . وهذه الأرقام تؤكد ان القطاع المصرفي ملتزم بتسديد جميع الضرائب المتوجبة عليه و يناشد السلطات الى مكافحة التهرب الضريبي المستشري في قطاعات اخرى.

ويرى ان اخضاعها لقانون الازدواج الضريبي رفع النسبة الحقيقية للضريبة على أرباح المصارف الى 40% من ارباحها وزيادة الضريبة على الفوائد مجددا" من 7% الى 10% في موازنة ال2019 سيرفع الضريبة على أرباح المصارف الى 55%. ولا ننسى ان ارباح المصارف تعزز استقرار المالية العامة سيما وانها تدعم الدولة في دفع استحقاقاتها .

منذ عام 1990 والمصارف تعيد ضخ نسبة 60% من ارباحها في رأسمالها لتعزيزه في مواجهة التحديات والتطورات . كان الهدف الاساسي وما يزال الحفاظ على الملاءة و​السيولة​ ومواجهة التحديات الطارئة.

وبعد صدور التصنيف للبنان تترقب المصارف اليوم بدورها تصنيف "ستاندرد أند بورز" الذي يؤكد التصنيف السابق وتخفيض"فيتش".

أن وكالات التصنيف الدولية تمنح ​المصارف اللبنانية​ التصنيف الائتماني ذاته، الذي تمنحه للدولة اللبنانية وللدّين العام، أي أن تصنيف المصارف لا يمكن أن يتعدّى التصنيف السيادي للبنان.

تقبل المصارف اللبنانية تقييم وكالات التصنيف لها وتتعامل معها باحتراف وبواقعية؛ لأنها تعلم مدى الارتباط الوثيق بين تصنيفها وبين التصنيف السيادي للبنان، بغض النظر عن موافقتها أو عدم موافقتها على تقييد تصنيف المصارف بسقف التصنيف السيادي للبنان، وبغض النظر عن اعتقادها أن على وكالات التصنيف إعادة النظر بمعايير تصنيف المصارف اللبنانية، ومنحها تصنيفات أعلى من التصنيف السياديّ.

يتفهم مصرف لبنان وضع المصارف وهي مستعدة لاي احتمال . ولا خوف بالتالي على اموال المودعين الناس.

وتتصدر المصارف لائحة المطالبين من الدولة بتخفيض حاجتها للاستدانة . ومن المعلوم ،انه عندما بدأت الضغوطات على القطاع للاكتتاب بإصدار سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1% من خارج مشروع قانون موازنة 2019 كان جوابه واضحا وهو فلتطبق السلطات الاصلاحات الموعودة والضرورية قبل . المصارف تفضّل تمويل المشاريع الاستثمارية للقطاع الخاصبدل ​اقراض​ الدولة وقد بلغت تسليفات المصارف للقطاع الخاص 56 مليار دولار.

اخيرا ، لا بد من الاشارة ال ان المسؤولين في ​الكونغرس الاميركي​ اثنوا على أهمية ​القطاع المصرفي اللبناني​ كونه يشكِّل مع الجيش اللبناني عنصرَيْ استقرار البلد، ومن الضروري المحافظة عليهما مع تقديم كل الدعم اللازم على هذا الصعيد. وكرّر الرسميّون الإشادة بدور القطاع المصرفي الرائد لجهة حُسنْ احترامه للقواعد المصرفية العالمية، ومنها بخاصة تلك المتعلّقة بمكافحة ​تبييض الأموال​ و​تمويل الإرهاب​.

و بالتأكيد ، لايمكن لاحد تجاهل ما قامت به المصارف من تمويل للاقتصاد يشقيه العام و الخاص. ‏ ‎

يبقى القطاع المصرفي هو الدعامة الحقيقية للاقتصاد اللبناني، وهو يمثل خط المناعة الأول عن النظام النقدي والمالي في الاقتصاد اللبناني. من هنا، فان اي تشويه له ولأدائه يعتبر صفعة قوية للاقصاد الذ ي تم استنفاد كل طاقاته.