انتهى كابوس حادثة قبرشمون في الاسبوع الثاني من آب ليتأجّج كابوس من نوع آخر يتعلق بتصنيف المؤسسات الدولية للبنان المرتقب في 23 آب اي الاسبوع المقبل اذا لم يحصل ما في الحسبان ، باعتبار ان ثمة من يهمس الى محاولات جارية على ارفع المستويات لتأخير التقرير.

قد يكون ما كتب قد كتب . وقد يكون الترقب سّيد المرحلة بانتظار الاستقرار السياسي وانتظام الامور بعد غياب حكومي دام 40 يوما.

يقول حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة :" أن الأموال لا تزال موجودة في لبنان، ولا خوف على ​السيولة​، وإن خفّت في بعض الأوقات، لكن في الوقت عينه علينا أن نمنح الإقتصاد عامل الثقة والإستقرار كي ينهض مجدداً، فيطمئن المستثمرون على أموالهم، وتدور العجلة الإقتصادية وينتعش ​القطاع الخاص​ الذي يعاني ضغوطاً إقتصادية لا نجهلها. علماً أن إصلاح ​الكهرباء​ والتنقيب عن ​الغاز​ والنفط  سيفرضان تحسناً ملحوظاً في الإقتصاد اللبناني، وفي التخفيف من ​عجز الموازنة​ ورفع النمو. "

ويطمئن الى إن موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية هي من الأكبر، مقارنة بموجودات البنوك المركزية في المنطقة، وهذا مدعاة فخر للبنان ولمصرف لبنان المركزي.

ويعتبر انّ قرار وكالات التصنيف الائتمانية يعود لها وحدها، "لكنني لا أرى منطقياً انه يجب خفض تصنيف لبنان، لانّ ملاءة الحكومة ليست على المحكّ بل هي مؤمّنة، وقد سدّدنا كافة الفوائد المتوجبة خصوصاً بالعملات الاجنبية بالاضافة الى أصل الدين."

وطمأن سلامة الى تلبية احتياجات الدولة المالية وتأمين مستحقاتها الداخلية والخارجية، لافتاً الى انّ سياسة مصرف لبنان النقدية هي دعم استقرار سعر صرف الليرة، دعم سلامة ​القطاع المصرفي​ ودعم ملاءة الدولة.

وحول امكانية حصول لبنان على ثقة ​المجتمع الدولي​، يشدّد على انّ الاهمّ ان يحصل لبنان أوّلا على ثقة اللبنانيين في لبنان والخارج. وقال: "من المؤكّد انّ نوايا المجتمع الدولي تجاه لبنان جيّدة، وانا اعلم انهم يريدون الاستقرار في لبنان. أما الضغط الذي يمارسونه في بعض الاحيان على لبنان، فهو للحفاظ على مصلحة البلاد في المستقبل، وحثها على التحكّم بعجزها، خصوصاً العجز في ​القطاع العام​ ."

احتمال خفض تصنيف لبنان من قبل وكالة تصنيف "​ستاندر اند بورز​" ، بعد وكالة "​موديز​" صار أمراً وارداً جداً.

بحسب تعريفات "ستاندر أند بورز"،  تخفيض التصنيف يعني الانتقال من درجة هشاشة تجاه عدم السداد مع وجود قدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية إلى هشاشة أكثر تجاه عدم السداد مع انعدام القدرة على تغطية الالتزامات المالية في ظل ظروف اقتصادية ومالية معينة.

ووفق رأي بعض الخبراء ، في حال خفض تصنيف لبنان من قبل "ستاندر أند بورز" أو من قبل شركتي تصنيف، فإنه بات يترتّب على ​المصارف​ أن تزيد أموالها الخاصة إلى المستويات المحدّدة من مصرف لبنان لنسب الملاءة المالية. فخفض التصنيف مرتبط بمستوى المخاطر على توظيفات المصارف.

ولكن يبقى الاهم كيف ستنعكس تصنيفات المؤسسات الدولية على حركة النمو في المرحلة القادمة ؟

زمكحل

رئيس تجمّع رجال وسيّدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور ​فؤاد زمكحل​ يعتبر انه لا يجب التهويل ابدا بما سيصدر عن مؤسسات التصنيف الدولية . لاشك ان المشكلة الاقتصادية كبيرة في لبنان . و​التراجع الاقتصادي​ ليس حدث اليوم وانما مستمر منذ سنوات .

ويقول زمكحل " للاقتصاد" : كان واضحا انه يجب اجراء اصلاحات جذرية تتجلى نتائجها في الارقام . من هنا ، فان عملية  اعادة التصنيف تجري بعد انقضاء كل مرحلة، سيما وانه من واجبات هذه المؤسسات مراقبة الدول لمدى التزامها بالتوصيات والتصحيح المطلوب ، من خلال  الارقام الاقتصادية التي تحققها . واليوم مع التراجع الكبير اصبح مؤكدا ان يأتي التصنيف متدنيا. وهو بدوره سينعكس على :

1 - ارتفاع ​معدلات الفائدة​ .  ومن المعروف ان مستوى التصنيف يرتبط  عادة بمعدلات الفائدة؛ فالتصنيف الأدنى يعني فائدة أعلى، لأن مخاطر الدين تصبح أكبر. ولكن لا ننسى ان الفوائد ارتفعت من قبل ولا اظن انها ستواصل الصعود اكثر من ذلك .

2 - تزايد مخاوف المستثمرين في  الخارج لأي عملية استثمار جديدة  في لبنان، والامتناع عن ضخ السيولة في اي مشاريع  انتاجية في ظل الاوضاع الحالية والمخاطر .

3 - ارتفاع خدمة ​الدين العام​ التي  باتت تشكل اليوم ثلث ​الموازنة العامة​. وهذا سينعكس على ال​استثمارات​ الخارجية وعلى عملية شراء اليوروبوندز.

باختصار، ستترجم التداعيات زيادة على كلفة الدين، مروراً برفع الفوائد وازدياد المخاطر، وصولاً الى التدابير التي ستتخذها المصارف والمتمثلة بلجوئها الى المؤونات.

وفي ما يتعلق بالنمو ، يقول زمكحل: نحن نعرف انه مرتبط بالاستثمارات الداخلية والخارجية، وليس بالتصنيف . ومع تعذّر دخول اي استثمارات، وارتفاع المخاطر السيادية  سجل ّ النمو  تراجعا لافتا. لقد لمسنا كيف غابت الاستثمارات مع توالي الازمات الداخلية والاقليمية ، وتراجع مستوى الصرف عند العائلات حيث ان ​البطالة​ تجاوزت ال 25% عند القوى العاملة .

ويتابع زمكحل : لقد افهمنا ان موازنة 2019 هي موازنة تقشفية ولكن توصيفها الحقيقي يميل الى كونها موازنة ضرائبية بامتياز على الشركات والمواطنين . فهي لا تخلق الوظائف ، ولا تشجّع على الاستثمار باي بند من بنودها. والمضحك  فيها ما قيل عنها انها لحماية تصنيف لبنان وللمساعدة في تأمين اموال "سيدر" . وهنا ، لا بد من التوضيح ان تأمين اموال "سيدر" لا يتطلب التئام حكومة او احزاب ، وانما يتطلب تحضير مشاريع . فحتى تاريخه ، ليس هناك اي مشروع تم اعداده بهدف تمويله من مخصصات "سيدر" علما،  ان مسألة تمويل مشاريع "سيدر" ستكون على مراحل متتالية. المجتمع الدولي سيراقب المردود من تطبيق الموازنة والنتائج التي لن نلمسها  قبل اقله 6أشهر من اقرارها. لقد لاحظنا كيف ان الاصلاحات التي نصت عليها توصيات مؤتمرات ​باريس​ (1) و (2) و(3) لم تنجز.

وعن تحرّك مصرف لبنان بواسطة المصارف لدعم المؤسسات ومنعها من الافلاس وصرف العمال، يقول زمكحل  : ما من شك ان ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ يعمل لحماية الليرة والاقتصاد . ولكنه لا يستطيع تحقيق المعجزات. فهناك الكثير من المصارف يعمل اليوم على اعادة جدولة ديون المؤسسات المهددة بالافلاس والاقفال ؛ فالمصارف محكومة بمواكبة ​الوضع المالي​ لهذه الشركات. الازمة كبيرة في موضوع السيولة .  لقد وصل دين القطاع الخاص في لبنان الى 57 مليار دولار اي 110% من ​الناتج المحلي​ .اما الدين بين الشركات الخاصة فيناهز ال 10 وال 15 مليار دولار اي 30% من الناتج المحلي. 

وبالنسبة لابرز العناوين الواجب تضمينها في اي خطة طوارىء اقتصادية لتلقف تداعيات التدهور الاقتصادي والمعيشي والمالي والنهوض بالمؤسسات يقول : لقد تقدمنا بسلسلة اقتراحات كتجمع لرجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم واهمها: 

- تأمين ​القروض المدعومة​ لتشجيع اندماج الشركات بين بعضها وفتح رأسمال، خصوصا وانه من الصعب جداً في ظل الظروف الراهنة إكمال المسيرة . فالحاجة الى صناديق استثمارية داعمة لفائدة القروض المخصصة لبيع الحصص هي ضرورية.

- تأمين السيولة عبر السندات المكفولة من قبل مصرف لبنان والمصارف .

- تأمين القروض من ​كفالات​ (3) لاستقطاب السيولة المطلوبة ​للشركات المتوسطة​ .

ويكون قسم كبير للاموال التشغيلية وليس فقط الاستثمارية.

ويصف الدكتور زمكحل ​الوضع الاقتصادي​ بالمرّوع . فالحكومة لم تجتمع منذ 40 يوما . متسائلا عن الصورة  التي يتم نقلها الى المجتمع الدولي !؟

ويختم : اموال " سيدر" وهم . و​البترول​ وهم . اتحدث بالحد الادنى من الانسانية . لا يوجد رؤية اقتصادية اليوم للأسف. الوضع صعب بدون شك . وفي المقابل، القطاع خاص يدافع عن وجوده . الكل من موقعه  لن يستسلم .

انقسام المشهد 

في مطلق الاحوال ، المشهد الحالي في لبنان يظهر ان الحكام في واد الخلافات السياسية والكيدية، والمواطنون الى جانب  قطاع الاعمال الذي يؤمن الرافعة الحقيقية للنهوض بالاقتصاد في واد آخر يدق ناقوس السرعة للانقاذ مع او بعيدا عن تقارير وكالات التصنيف الدولية التي لا يجوز التهويل بها لفرض الضرائب وانما للذهاب فورا الى وقف الهدر والتهرب الضريبي  والقضاء على ​الفساد​ .