في الوقت الذي يبحث فيه الاقتصاد ​اليابان​ي عن سبل لتعزيز وضعه الإقتصادي المتدهور، لا يوجد سياسة أكثر فعالية لرفعه من الوعود بتمكين ​المرأة​.

لا يوجد أي بارقة أمل تنذر بالتوصل الى تلك اللحظة المحورية التي يتم الاحتفال فيها بالمساواة في ​طوكيو​، بسبب نظام الذكورية المتطرفة السائد، وكان هذا السبب الرئيس في انتشار موجات من الحماس على منصة التواصل الإجتماعي "​تويتر​"، إثر سماح ​الخطوط الجوية اليابانية​ لمضيفاتها بارتداء السراويل خلال ​الرحلات​.

ويفسّر ذلك أيضاً، لماذا يحتفل المراقبون بال​انتخابات​ كمحرّك جندري. فقد ترشح 28% من ​النساء​ لخوض مسابقات ​مجلس الشيوخ​، وفازت 28 امرأة من أصل 104 بمقعد برلماني، أي ما يقارب 27% من النساء اللواتي يتنافسن على الانتخابات. وتعتبر هذه النتيجة جيدة، لكنها تتطابق مع نتائج الانتخابات عام 2016.

لا تزال نسبة النساء اليابانيات في القيادة أقل بكثير من الهدف البالغ 30% الذي حدده رئيس الوزراء ​شينزو آبي​، بعد توليه منصبه عام 2012، وهذا المقياس يبشر بخير أقل بالنسبة لنهوض المرأة. إضافة إلى ذلك، يرفض آبي الذي تعهد بجعل النساء يلمعن في المجال الحكومي وقطاع الأعمال، تكليفهن بالوظائف العليا في الحكومة.

وفي هذا السياق تشير الخبيرة الاستراتيجية في تعزيز المساواة بين الجنسين من "​غولدمان ساكس​"، كاثي متسوي، في حديثها مع مؤلفة كتاب "Lean In" شيريل ساندبرغ، إلى أن اليابان تعاني من مشكلة نموذجية، حيث لا يوجد أي شركة في مؤشر "نيكي 225"، تديرها مديرة تنفيذية يابانية. وجميع شعارات آبي التي تربط بين نهوض المرأة والتنمية الاقتصادية تسقط في الوقت الذي يتم التفكير فيه بأن أحد أعضاء ​مجلس الوزراء​ البالغ عددهم 19 هو امرأة.

وما يزيد من حدة الأمر، أن ساتسوكي كاتاياما، لم يتم تكليفها بحقيبة تتمتع، مع كل الإحترام، بسلطة حقيقية، فوزير الدولة للشؤون الجندرية والإنعاش الإقليمي، لا يميل إلى الحصول على العديد من العناوين الرئيسية. ولمعالجة عجز نموذج طوكيو، يمكن لآبي أن يرشح اسم امرأة لإدارة وزارة المالية، أو الشؤون الخارجية، أو العمل كرئيس وزراء.

للأسف، يعتزم آبي حسب قوله التمسك بمعظم الرجال ذوي الياقات البيضاء، الذين يشغلون حاليا مناصب عليا، ويسجلون القليل من الانجازات الحقيقية التي يمكن إظهارها. وعلى الرغم من ذلك، تتفاقم مشكلة جنسانية تبلغ قيمتها 750 مليار دولار، في الوقت الذي تضيّق الحرب التجارية على ​النمو الاقتصادي​. ويقدِّر هذا الرقم التكلفة التي تتكبدها اليابان سنويا بسبب عدم المساواة بين الجنسين (تقدر "غولدمان ساكس" زيادة بنسبة 15٪ في الاقتصاد البالغ 5 تريليونات دولار في حال منافسة الرجل والمرأة على الوظائف).

مع العلم ان الإنتخابات الأخيرة التي حصلت مؤخرا في تموز الجاري، تمحورت حول المكانة الذي تطمح اليابان أن تكون عليها بعد عقدين من الآن. لكنها ألقت الضوء في الحقيقة على مشكلتين يعود تاريخهما إلى ما قبل 20 سنة، لم تقم طوكيو بمعالجتهما بعد.

تكمن المشكلة الأولى في ال​انكماش​، حيث يدّعي آبي، الذي يتمسك حزبه بالسلطة، أن الجهود الإصلاحية تتقدم بشكل جيد، تماما كما هو الحال مع محافظ ​بنك اليابان​، هاروهيكو كورودا. وفي 22 تموز، أي بعد يوم واحد من فوز الحزب الديمقراطي الليبرالي، ادعى كورودا أن الاقتصاد لم يعد في حالة انكماش.

وتحتمل هذه التصريحات النقاش، حيث ارتفع التضخم على الأقل خلال عامين، في حين هبطت ​الأجور​ للشهر الخامس على التوالي. وبعد 20 عاما من خفض بنك اليابان معدل الفائدة الى الصفر، وسبع سنوات من سياسات آبي، يمكن الاعتقاد أن طوكيو ستحقق مكاسب أكبر في أسعار الاستهلاك من 0.6% في حزيران.

كان عام 1999، عاما محوريا لديناميات النوع الاجتماعي. وفي السنة ذاتها، التي ​ذهب​ فيها بنك اليابان الى الصفر، بدأت ماتسوي بنشر تقارير سنوية في "غولدمان ساكس" عن الارتباط بين نهوض المرأة والتنمية الاقتصادية. والحجة الرئيسية التي قدمتها منذ ذلك الحين، هي أن ​الناتج المحلي​ الإجمالي الياباني، سيرتفع بنسبة 15٪، إذا كانت مشاركة النساء بالعمل تنافس مشاركة الرجال ، أو حوالي 80٪ (النساء أقل بقليل من 70٪).

إن اضافة هذا الكمّ الى ​الاقتصاد الياباني​ البالغ 5 تريليونات دولار، سيعزز الإنتاج السنوي بما يعادل إجمالي الناتج المحلي في ​سنغافورة​ و​ماليزيا​ و​أوزبكستان​، إذا أصبحت طوكيو فقط جادة في الاستفادة بشكل أفضل من نصف سكانها.

رغم الكلام الكبير الذي أطلقه آبي، لا تزال السلطة الذكورية قوية عنادا. وبعد كل هذا، واجهت اليابان لحظة هدوء شديدة تجاه التحركات المناهضة للتحرش والاعتداء الجنسي. فعلى الصعيد المجتمعي، تبقى النساء اللواتي يلقين باللوم على الضحية أقل عرضة لاتهام الرجال الأقوياء بالتحرش الجنسي، ولا تريد وسائل الاعلام عموما الذهاب الى هناك. وكانت هناك أيضا جهود لتطهير الأشياء باستخدام وسوم محلية مثل #WeToo و #WithYou، التي تدعم النساء أكثر من إظهار الرجال الذين يسيئون التصرف، وإلقاء اللوم عليهم.

هذا وتستحوذ حركة #KuToo اليابانية التي تهدف الى مساعدة النساء في مكان العمل، غالبا على معظم العناوين. ويكمن الهدف من استخدام كلمة #Kutsu، التي تعني باليابانية ال​أحذية​، واللعب عليها، الى حث وزارة العمل على إيقاف ممارسات الشركات التي تجبر النساء على ارتداء أحذية ​الكعب العالي​.

وتعاني اليابان الى جانب مشكلة القدوة، من السياسيين الذكور الأكثر عرضة لحماقات، والقابعين في العصور الوسطى. المعرض الأول هو ​تارو آسو​، نائب آبي ووزير المالية في حكومته. وبالنسبة للصحافيين الذين يحبون رؤية السياسيين وهم يقمعونهم ، فإن آسو، البالغ من العمر 78 عامًا، هو الهدية المثلى التي تحافظ على العطاء.

في أيار عام 2018، أثار تاسو ​احتجاجات​ عندما قلل من شأن تهم التحرش الجنسي، ضد نائب لوزارة المالية، كان قد أجبر على التنحي. وزعم آسو حينها، إن تهم التحرش ليست نفس تهم القتل أو الاعتداء الجنسي، وبينما هو يجادل كان حليفه قد تمت محاصرته.

لم يفعل آبي الكثير لتغيير الممارسات في مجال النوع الاجتماعي، حتى آثر التمسك بآسو. وفي الواقع، فقدت طوكيو مكانة في مؤشر المساواة بين الجنسين السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، حيث أصبحت الآن في المرتبة 110، بعدما كانت في المرتبة 98 حين تولى آبي القيادة. وقبل انتخابات الأخيرة، تراجعت اليابان عن غامبيا وناورو في عدد الإناث في البرلمان، واحتلت المرتبة 164 مقابل 122 في العام 2012.

لقد حان الوقت لأن يكون آبي جادًا في تمكين النصف الآخر من الـ126 مليون شخص في بلاده، حيث تؤكد جميع الأبحاث من "غولدمان ساكس" إلى "ماكينزي"، إلى "​صندوق النقد الدولي​"، أن الدول التي تستخدم أفضل المواهب النسائية هي أكثر حيوية وابتكارا وإنتاجية. وفي حالة اليابان، ستكون البلاد أغنى بـ750 مليار دولار كل عام.