مازال تعطيل الحكومة مستمراً وسط تصعيد سياسي كبير على خلفية حادثة قبرشمون – البساتين في الجبل وإصرار فريق سياسي على إحالة الملف إلى المجلس العدلي، مقابل رفض تام لهذا الطرح من الفريق السياسي الأخر. وأتت الحادثة الأخير أمام منزل وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لتزيد الطين بلّة، ولترفع من وتيرة التصريحات والتصعيد السياسي.

وفي حين ينتظر ​لبنان​ إستحقاقات كثيرة بعد إقرار موازنة 2019، على رأسها الإنطلاق بورشة الإصلاح، والبدء بالتجهيز لمشاريع "سيدر"، وإطلاق العمل على موازنة 2020 لتقديمها ضمن المهل الدستورية .. يأتي تعطيل الحكومة ليؤجل كافة هذه الملفات إلى أجل غير مسمّى.

ولا يكسر سلبية هذا المشهد سوى الحركة السياحية الجيدة التي تشهدها معظم المناطق، على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى حركة أفضل بكثير.

فما هو إنعكاس تعطيل الحكومة في الوقت الراهن على الوضع الإقتصادي بشكل عام ؟ وكيف سينعكس ذلك على نظرة وكالات التصنيف الإئتمانية والمؤسسات الدولية التي تترقب الوضع اللبناني ؟ ماذا عن موازنة 2020 ؟ وما هي الإصلاحات الإضافية التي قد تتضمنها ؟ وها موسم الصيف على قدر التوقعات ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها، الخبير الإقتصادي د. كامل وزنة​، في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

برأيك كيف سينعكس تعطيل الحكومة المستمر منذ حادثة الجبل على الوضع الإقتصادي بشكل عام ؟

البلد اليوم لا يحتمل أبداً المزيد من التعطيل، وهذه الحكومة كان شعارها الأساسي هو "العودة إلى العمل"، لذلك يجب أن لا يتوقف العمل بإعتبار أن عداد المديونية لم يتوقف. كما أن الإستحقاقات الدولية داهمة، ومؤسسات التصنيف الإئتمانية هي بإنتظار الأرقام الصادرة عن الإقتصاد اللبناني وعن المالية اللبنانية، ولبنان بحاجة إلى إستكمال عملية الإصلاح الإقتصادي، وبالأخص أن ما تضمنته موازنة العام 2019، سوف يستكمل بمزيد من الإصلاحات في موازنة 2020.

هناك خلاف سياسي موجود في البلد لا يخفى على احد، ولكن الاجدى ان يكون هناك موقف واضح وقيادي يلحظ مسار الخطر الإقتصادي والمالي. فـ "الدول حتى في حالات الحروب، تجتمع وتقرّر"، ونحن اليوم أمام جدل قانوني بعد حادثة الجبل، ولكن الامن مستتب. لذلك لا أجد أي داعي لتوقيف البلد والمؤسسات في الوقت الذي نحتاج فيه إلى قرارات مصيرية تنقذ لبنان.

وفي لبنان يحصل العديد من الحوادث الأمنية التي تؤدي إلى سقوط ضحايا، وعلى الرغم من أن مشكلة الجبل لها معايير وحيثيات مختلفة، إلا ان هذا لا يعني أننا لدينا الحق في إغلاق الحكومة والمؤسسات الحكومية، وأن لا تجتمع أركان الدولة. علينا ببساطة توكيل المؤسسات الأمنية لحل هذه المشكلة وفقا للقوانين، والإنصراف نحو العمل الجدي فيما يخص الملفات الإقتصادية والإجتماعية كي لا نقع في أزمة كبيرة، خاصة وأن تقرير ​صندوق النقد​ وتقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني تحدثت بوضوح عن عدد كبير من الإجراءات والإصلاحات التي لم تُنجز حتى الان.

هل ترى أن موازنة 2019 تحتوي فعلا على "روح إصلاحية" كما قيل ؟ وما هي الإصلاحات التي يجب أن تتضمنها موازنة 2020؟

بغض النظر عما تضمنته موازنة العام 2019، البلد بحاجة إلى رؤية إقتصادية تشير بوضوح إلى النقاط التي يجب أن نعمل عليها للبدء فعليا بعلامات التغيير في هيكلية الإقتصاد اللبناني. فالجميع اليوم يتفق على أن المعالجة الإقتصادية الحقيقية والصحيحة لا تتم من خلال خفض النفقات في أماكن معينة، أو تقليص الرواتب في إدارات معينة او ترشيد الإنفاق في اماكن أخرى .. فهناك قرارات جذرية يجب أن تتخذ لإعادة بناء هيكلية الإقتصاد بطريقة مختلفة.

فعلى سبيل المثال، هل وجدنا مخرجاً أو حلا مستداماً لأزمة السكن في لبنان ؟ هل وجدنا طريقة لتقليص هذا التفاوت الطبقي الكبير وسيطرة 1% من السكان على 50% من الثروة ؟ هل عالجنا الوضع الإستثماري والفوائد المرتفعة ؟ هل عملنا على وضع خطة لتطوير المناطق الريفية وإرساء الإنماء المتوازن بين المناطق ؟ ... كل هذه مواضيع أساسية لم يتم البحث فيها حتى الان.

ففي لبنان هناك مشكلة مثلا بتركيبة البلد الجغرافية، حيث ان 60% من سكان لبنان يسكنون على مساحة لا تشكل أكثر من 12% من مساحة البلد ككل، وبالتالي فإن العمل مثلا على مشروع لمد شبكة طرقات ومواصلات بالتعاون مع بعض الدول وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، كفيل بحل الكثير من المشاكل الأساسية. فتأمين مثلاً أوتوستراد أو قطار سريع من بيروت إلى كل من الشمال والجنوب والبقاع، سيدفع إلى خروج مئات الآلاف من بيروت وضواحيها للسكن في المحافظات الأخرى، حيث ستنخفض تكلفة السكن على هؤلاء بنسبة تصل إلى 65% تقريباً (سعر الشقة في ضواحي بيروت والمناطق القريبة منها 150 ألف دولار بينما في الجنوب والبقاع والشمال مازالت معدل الأسعار حوالي الـ 50 ألف دولار) وبذلك نحل جزء كبير من مشكلة السكن، ونخفف من زحمة السير الخانقة التي تكلف لبنان بحسب أرقام العام 2015 أكثر من ملياري دولار سنوياً.

هناك نقاط أخرى يمكن العمل عليها، مثل القطاع الطبي، فكم من لبناني اليوم خارج التغطية الصحية ؟ ماذا عن أزمة المدارس الإبتدائية التي تحتاج إلى معالجة جوهرية ؟ وماذا فعلنا على المستوى البيئي ؟ حتى الان لا قرار بمعالجة النفايات. ماذا عن الضمان الإجتماعي والأمن الإجتماعي وتأمين إدخار لكل مواطن موجود داخل أو خارج الضمان ؟ ... كل هذه ملفات ترتبط بالإقتصاد، وهذه الامور هي جزء من بناء دولة قوية تفكّر بكيفية توفير "الأمن الإجتماعي"، فالأمن الإجتماعي لم يُطرح في موازنة 2019، في حين أن أهم شيء في الإقتصاد الثابت والمستدام هو "الأمن الإجتماعي".

بعيدا عن ​الموازنة​ .. كيف تقيم الحركة السياحية في البلاد هذا الصيف ؟ وهل إرتقت برأيك إلى مستوى التوقعات؟

علينا ان ننتظر الأرقام، ولكن بدون شك أن العمل السياسي في لبنان له تأثير سلبي على السياحة، فتعطيل الحكومة اليوم يؤثر سلباً على القطاع السياحي وعلى ثقة السائح بلبنان، ونتمنى ان لا يقرأ السائح في الإعلام أخبارنا المخزية.

ولكن رغم ذلك هناك خطوة إيجابية إتخذتها السعودية عبر رفع الحظر عن مواطنيها، وكانت الإمارات تدرس هذه الخطوة أيضا، ونتمنى أن تسير على خطى السعودية في هذا الموضوع. فلبنان كان ولايزال مكان أمن، ويتمتع به السائح العربي عموما والخليجي خصوصاً بمكانة كبيرة. ونحن رفعنا شعاراً بأن لبنان هو بلد لكل السياح العرب، وهذا ما تعمل عليه الحكومة اللبنانية اليوم.

التوقعات إيجابية، والأرقام المتداولة تشير إلى وصول 15000 شخص يوميا إلى مطار بيروت، وهذا رقم جيد. ولكن علينا إنتظار الأرقام الرسمية مع نهاية الموسم لنتمكن من تقييمه بشكل دقيق.