نسمع كثيراً عن أسماء ​لبنان​ية نجحت، ولكننا لا نسمع قصتهم بالكامل ولا نعرف العوامل التي ساهمت في نجاحهم، شخصيتنا اليوم تتحدث عن رجل لبناني يحب مشاركة "المعرفة" مع الآخرين لأنه يعتبر أن أساس النجاح "جماعي" ويتكون بتبادل الخبرات والآراء.

فهو لا يعرف الأنانية فيما يتعلق بما يسمى بـ"وصفة النجاح" ، علماً أنه لا يوجد "وصفة" واحدة ولكن بالطبع هناك عوامل مشتركة وقواعد متينة لبناء أساس ناجح..

ولنتعرف أكثر على هذه الشخصية كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسس "AH Financial Consultancy "، "Forex Space" ومؤسس قمة " Ecolearn Summit" بنسختيه 2018 و2019 عبدالله حرفوش الذي شاركنا أبرز محطات حياته المهنية.

كيف تختصر مسيرتك الأكاديمية وصولاً إلى تأسيس شركتك الخاصة؟

درست في الجامعة اليسوعية في كلية العلوم الإقتصادية، وحصلت على شهادة الماجستير في ​الأسواق المالية​ و​المصارف​. تزامنت دراستي مع عملي في أحد المصارف، ومن بعدها إنتقلت إلى مصرف آخر حتى قررت أن أؤسس شركتي الخاصة وذلك بعد أن إكتشفت وجود نقص في الثقافة المالية والإستثمارية في مجتمعتنا وحاجتنا لنشر هذه الثقافة .

كيف حولت مشروعك من فكرة إلى مؤسسة؟

خلال وظيفتي السابقة كنت أقوم بشكل حرّ بإستطلاعات لأتعلم أكثر عن سلوكيات الأفراد الشرائية والإستثمارية، عندها لاحظت أن عدد لا يستهان به من الأشخاص لا يُدرك قيمة إيراداته ومصروفاته بشكل دقيق مما قد يحرمه بطبيعة الحال من فرصة إدارة موارده بشكل فعّال.

عندها تبلورت الفكرة أكثر وتأكدت من ضرورة نشر هذا النوع من الوعي بين الأفراد، وأسست "AH Financial Consultancy " التي إنطلقت كمبادرة فردية تقدم ورش تدريبية في هذا المجال تحت إسم "Cash Flow Factory".

برأيي الإنسان لا يختلف عن أي مؤسسة تقوم بإعداد ميزانياتها، فهو عبارة عن شركة مصغرة لها إيراداتها ومصروفاتها فلماذا لا ندير أنفسنا كما ندير شركاتنا لنتأكد من إنتاجيتنا؟

ويؤسفني أن هذا الموضوع لا يحظى بالإهتمام اللازم من قبل المؤسسات التعليمية رغم أن أي إختصاص في نهاية المطاف بحاجة لإدارة مالية، كما انها مهارة على كل طفل ان يكتسبها منذ الصغر.

إن إدارة الأموال بشكل مدروس فعلياً ينقذ حياة الأفراد، فكم من شخص إنتحر بسبب إفلاسه؟ لذا لا يمكننا أن نغفل عن ذكر العواقب الإجتماعية التي قد تنتج عن العوامل الإقتصادية، وهنا لا نقصد على صعيد الدولة، فهل نحن أشخاص نعتني بأنفسنا جيداً وندرس إيراداتنا ونحتسب خطواتنا قبل أن نقوم بإلقاء اللوم على العوامل الخارجية؟

ما هي الخدمات التي تقدمها "AH Financial Consultancy "؟

بالإضافة إلى شق الإستشارت أطلقت "AH Financial Consultancy " ندوة بعنوان "Increase your Financial Education" وغيرها من الندوات بالإضافة إلى الورش التدريبية التي نقوم بها دروياً لتبادل الخبرات والنصائحتحت مظلة "Cash Flow Factory".

مع الوقت لاحظنا انه حان الوقت للقيام بإحصاءات ولكن بطريقة مختلفة، فعوضاً عن إحتساب قيمة المداخيل والمصاريف وتحليلها بدأنا بتقديم ورشات تدريبية نشرح فيها عن سُبل زيادة الدخل وبهذه الطريقة نسعى للتعمق أكثر في الثقافة المالية للأفراد لتدخل تدريجياً فيما بعد ضمن حياتهم اليومية.

بعد فترة لاحظنا إقبال أكبر على هذا النوع من التدريبات، رغم أننا كنا نتعرض دورياً لموجة من الأراء السلبية التي تقتضي بأنه لا يوجد أمل من اللبناني فكما يُقال:" نحن شعب نحب الصرف"، ولكني أعتبر أن وجود وعي إقتصادي ومالي أمر مهم جداً بالنسبة للبناني بشكل خاص، الذي يصفونه بـ"المبذّر"، وهذا لأنه بحاجة لأن يزيد مدخوله من جهة وأن يكتسب مهارة إدارته بشكل دقيق من جهة ثانية كي لا يُعاني في نهاية المطاف.. فنحن نساهم في تصحيح سلوكيات مالية غير صحية لتصبح من الثوابت فيما بعد.

هل لك أن تشرح لنا أكثر عن المرحلة الإنتقالية بين تركك لوظيفتك الثابتة وتأسيسك لمشروعك الخاص؟

بعد تأسيس "AH Financial Consultancy " بفترة زمنية قررت أن أتخلى عن وظيفتي في المصرف، بعد أن تأكدت من هذه الخطوة بشكل مدروس. وهنا أود أن أشدد على ضرورة تعلم مهارة "دراسة وإحتساب المخاطر" في ظلّ التشجيع العشوائي للشباب لترك وظائفهم وتأسيس مشاريعهم الخاصة بشكل فوري. لا شك أن كل منا يطمح ويسعى لتحقيق حلمه الريادي ولكن هذا الأمر لا يتم بشكل إعتباطي، فالوصول إلى الهدف هو عبارة عن مسيرة مدروسة من الخيارات والتضحيات والخبرات المتراكمة.

نسمع اليوم تشجعيات عشوائية تطمئن الشباب بأنهم بعد عام من تخليهم عن وظائفهم سيبدأ مشروعهم بالإنتاج والربح، ولكن كيف لنا أن نعممّ هذه التطمينات ونتبعها كقاعدة ثابتة؟ فقد يتطلب الأمر مدة زمنية أطول، وكلما طالت المدة، كلما زاد التوتر وتراجعت قدرة الشخص على التصرف بدقة وتروي نظراً لسيطرة عامل الخوف عليه.

بالعودة إلى تجربتي الخاصة، كنت أداوم بشكل يومي في المصرف وأقوم خلال فترة بعد الظهر بالعمل على مشروعي الخاص وكنت أقدّم تدريبات بشكل مجاني في الوقت نفسه.

بعدها بفترة بدأت بالتطور أكثر ولاحظت بعد عدة أشهر أن الإيرادات الصادرة عن عملي الحرّ كانت أفضل من الوظيفة الثابتة مقارنة بعدد ساعات العمل، وهنا قررت أن أتخلى عن وظيفتي الثابتة.

هل لك أن تشاركنا الهدف الأساسي من تنظيم " Ecolearn Summit" بنسختيه 2018 و2019؟

في العام 2018 أطلقنا "Ecolearn Summit" برعاية وزير الإقتصاد السابق رائد خوري.

وتهدف القمة إلى نشر الوعي على أهمية نشر الثقافة المالية والإستثمارية. وإعتبرنا هذه القمة كمقدمة للقمة التي قمنا بها في العام التالي (2019) برعاية برعاية وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​، ومشاركة 5 متحدثين عالمين وخبراء في مجالات مالية وتطويرية، وإتخذت هذه القمة التي إستمرت لمدة 3 أيام طابعاً عالميا وليس محليا فقط.

جمعت القمة جميع الأفراد والمصارف التي كانت قد بدأت أيضاً بإكتشاف ضرورة تعليم الثقافة المالية، فمن جهة نقوم بتعريف الحضور على المهارات التي يسعون لتقديمها، ومن جهة آخرى نغني هذا المجال من خلال تغطية متطلبات السوق التي لم تُلبى أو تكتشف بعد من خلال التدريبات التي نقدمها.

وإكتشفت هنا جاجة السوق إلى توسيع قُطر هذه المعرفة على نطاق جغرافي أوسع ليشمل فئات أكثر تشكّل مع الوقت "community" لتصبح مع الوقت هذه الندوة مرجع للحلول والثقافة المالية والإستثمارية.

قمة الحلول المالية "EcoLearn Summit 2019" تم تقسيمها على النحو التالي، إذ خُصص اليوم الأول للخبراء في الشؤون المالية والإقتصادية وذلك بهدف مناقشة الوضع في لبنان ونظرة عن المشاكل والحلول المقترحة للمستقبل. اليوم الثاني خُصّص لدور المرأة في عالم الأعمال والجزء الثاني من اليوم كان عن الثقافة المالية وتحويل النظريات التي تُلقن في الجامعات إلى مهارات وخبرات. و تم تخصيص اليوم الأخير للحلول على صعيد السوق المالي، ​ريادة الأعمال​، وعدة قطاعات اخرى.

من أين إنطلقت فكرة تأسيسك لشركة "Forex Space" بمفهومها الفريد؟

بعد تنظيمنا لقمة "EcoLearn Summit 2018" أسست شركة "Forex Space" بعد أن لاحظت وجود حاجة لفهم سوق البورصة الذي يحظى في لبنان بإنطباع سيء في عقول البعض، إذ يعتبر البعض أن الأسواق المالية هي مجال خطر، هذا الإنطباع الوحيد الذي يعرفونه عنه وذلك لعدم وجود معرفة جيدة لهذا القطاع، مع العلم أن عامل الخطورة موجود في أي مجال وسواء كان عقاريا، ماليا أو غيره.

تعتبر فكرة "Forex Space " فريدة من نوعها لأنها تشكل مركز رئيسي " Hub " يجمع المتابعيين للبورصة ويسمح لهم بالمناقشة والإستفادة من خبرة بعضهم البعض في مكان واحد.

نسعى الآن إلى توسيع هذه المجموعة من الأفراد التي تتشارك في نفس الإهتمامات والتطلعات المهنية، من خلال موقعنا الإلكتروني وذلك لتشمل شريحة أكبر من الأشخاص المهتمة في هذا المجال حول العالم وعسى ان نسهم في بناء مشاريع مشتركة بين اللبنانيين والأجانب من خلال هذه المنصة.

كيف ترتب العوامل التالية من حيث الأولوية للنجاح في عالم الأعمال: الخبرة، رأس المال وعقلية التعامل مع الأحداث والأفكار "Mindset"؟

برأيي العقلية تأتي أولاً، لأنها كفيلة بإختيار الفرص وإدراكها. على الإنسان أن يصنف أولوياته وعلى أساسها ينطلق لإكتساب الخبرات والشهادات.

فعلى سبيل المثال لدينا في لبنان فكرة يوردها الأهل للأبناء لا تسمح لهم بالبدء في عمل ما كمتدربة دون أجر، لا بل يفضلون البقاء في المنزل عن المباشرة في تعلم خبرات عملية تطبق على أرض الواقع، رغم أن الطالب الجامعي يدفع مبالغ لا يستهان بها ليكتسب شهادة جامعية ومعلومات نظرية. برأيي الشاب الذي يطمح لتأسيس حياة مهنية ناجحة عليه أن يسعى لإكتساب الخبرة أينما كانت، وعندما يتمكن من إثبات مهاراته وقدراته يمكن أن أضمن له بأن الشركة ستتمسك به حينها.

ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب من خلال تجربتك الخاصة؟

أنصح الشباب الذين يعزمون الآن على إختيار تخصصاتهم الجامعية بأن يدرسوا إتجاهات سوق العمل بعد 5 أعوام، وأن يتخذوا قراراتهم على هذا الأساس.

واقول لهم أدرسوا خطواتكم جيداً مهنياً وأكاديمياً وإسعوا لجني أكبر قدر ممكن من الخبرات فأنا عملت لمدة 3 أعوام مجاناً بهدف إكتساب الخبرة.

وأخيراً أقول لهم بما أنهم يعيشون في أجواء لبنانية، أي بمعنى آخر سيسمعون العديد من العبارات المتشائمة عن الأوضاع الإقتصادية والسياسية وغيرها، أنصحم بالإهتمام بأنفسهم عن طريق تطوير مهاراتهم يومياً وأقول لهم عندما يقرروا تأسيس مشاريعهم الخاصة: " لا تركزوا على المشكلة إبحثوا عن الحلّ! هذه هي الطريقة الوحيدة للإستمرار والنمو."