بعد مرور أسبوع على إقرار ال​موازنة​، لا زالت حالة الترقب تسود الساحتين السياسية والإقتصادية في لبنان، حيث مضى على عدم انعقاد ​مجلس الوزراء​ نحو ثلاثة أسابيع. ويأتي هذا الترقب في فترة من المفترض أن تكون هي الأنشط لبدء العمل من أجل هدف شكّكت كافة الجهات الدولية بالقدرة على تحقيقه، ألا وهو "خفض العجز الى 7.6%".

وبالرغم من حالة الإنتظار، إلا أن رئيس ​جمعية مصارف لبنان​ سليم صفير توقع تعافي الودائع في ​البنوك اللبنانية​ من هبوط سجلته في الأشهر الخمسة الأولى من 2019 مع عودة تفاؤل العملاء بعد إقرار ​الموازنة​. ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الإقتصاديين ومدير وحدة الدراسات في بنك "بيبلوس" د. ​​نسيب غبريل:

هل تتوقع تعافي الودائع في البنوك اللبنانية بعد إقرار الموازنة؟

تعافي الودائع موضوع يتعلّق بالثقة وبالخطوات التي تتخذها السلطات على هذا الصعيد، ليس فقط تجاه فئة المودع المحلي لأن ثقته موجودة أصلاً والدليل على ذلك ودائع القطاع الخاص التي تبلغ 171 مليار دولار في ​المصارف​ بالرغم من خروج بعض الودائع في الخمسة أشهر الأولى من العام ، أو بالأحرى خلال شهرين من العام: الأول (كانون الثاني) والخامس (أيار).

الودائع في ​القطاع المصرفي​ أثبتت أنها صلبة ولا تتأثر بالتطورات اليومية، ولكن لتعزيزها وزيادتها، على السلطات أن تتخذ خطوات تقنع المغترب اللبناني. أحد الإجراءات غير المقنعة للمغترب كان بند رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 إلى 10%، حيث أصدرت الجمعية الثقافية اللبنانية في العالم بياناً رأت فيه أن هذا البند معاقبة للمغتربين الذي اختاروا إيداع أموالهم في ​المصارف اللبنانية​، وهم أصلاً يدفعون ضرائب بمستوى مرتفع في البلدان التي يقيمون فيها. اليوم، يعتبر المغتربون أن هناك ازدواج ضريبي على دخلهم، حيث يدفعون ضريبة في بلد الإقامة وضريبة على مدخراتهم في بلدهم الأم قامت السلطات بمضاعفتها من 5 إلى 10% في أقل من سنتين.

هناك أمر أساسي في موضوع الودائع أيضاً يجب النظر اليه، في لبنان منذ العام 2004 وحتى اليوم لم نشهد خروج للودائع إلا خمس مرات وبشكلٍ طفيف أيضاً. القضية هنا ليست خروج الودائع، بل أن ​القطاع المصرفي اللبناني​ هو المصدر الوحيد لتمويل الإقتصاد. لذلك، دائماً ما نرى ضغط على المصارف لاستقطاب المزيد من الودائع من الخارج. أما في البلدان الأخرى، فهناك العديد من المصادر كالبورصة وأسواق السندات وصناديق الإستثمار التي تستثمر في رؤوس أموال الشركات الخاصة والمملوكة عائلياً، أما نحن فليس لدينا كل ذلك. المسؤولية لا يجب ان تكون ملقاة بكاملها على كاهل القطاع المصرفي، على السلطات أن تتحمّل جزءاً من المسؤولية.

أكد صفير هذا الأسبوع أن البنوك اللبنانية ستتخذ خطوات لدعم الاقتصاد في الأشهر الأربعة إلى السبعة المقبلة، ماذا ستكون أبرز هذه الخطوات برأيك؟

منذ 25 عامًا والقطاع المصرفي يتحمّل مسؤولية الإستقرار النقدي واستقرار المالية العامة (بالرغم من الإختلالات فيها) والإستقرار الإقتصادي وبالتالي الإجتماعي، بالإضافة الى تمويل القطاع الخاص، و​القطاع العام​، ودعم قدرات "​مصرف لبنان​".

تمويل المصارف للقطاع الخاص أعلى من تمويله للقطاع العام (العجز بالموازنة)، حيث يبلغ حجم ​التسليفات​ للقطاع الخاص 56 مليار و300 مليون دولار تتوزّع على كافة القطاعات الإنتاجية، مقابل 33 مليار دولار تحملها المصارف كسندات خزينة.

وبالأرقام، توزيع التسليفات على القطاعات الإنتاجية يأتي على الشكل التالي:

الزراعة: 831 مليون و500 ألف دولار

الصناعة: 7 مليار و300 مليون دولار

المقاولات​ والبناء: 10 مليار و700 مليون دولار

التجارة والخدمات: 23 مليار دولار

القروض الشخصية: 21 مليار دولار

الوساطة المالية: 3 مليار دولار

أما ما يجب القيام به من خطوات لدعم الإقتصاد في المرحلة المقبلة، فإن هذا سؤال يجب أن نتوجّه به للمسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية لأن الحركة الإقتصادية تتعلق بالكلفة التشغيلية على الإقتصاد وتخفيض هذه الكلفة هو ما يؤدي لتحفيز الإقتصاد ويزيد ثقة الشركات ما يدفعهم لتوسيع أعمالهم فيرتفع طلبهم على القروض المصرفية.

هل تتوقع أي خفض لأسعار الفائدة في الفترة المقبلة؟

أسعار الفائدة تتعلّق مباشرةً بإجراءات تخفيض العجز في الموازنة، أي بالإرادة الجدّية في خفض هذا العجز على مدى يتراوح بين 3 و5 سنوات. السوق هو الذي يقرّر خفض الفوائد، الأمر لا يحصل بـ"فرمان" من "مصرف لبنان" أو بموجب قرار من "​المصارف التجارية​"، وبالتالي، إذا جرى تحفيز للإقتصاد وارتفاع لنسبة النمو فإن نسبة عجز الموازنة الى ​الناتج المحلي​ ستشهد تحسّناً (أي أنها ستنخفض) وستنخفض معها حاجة الدولة للإستدانة، النتيجة: انخفاض الفوائد.

هل ترى أن خفض العجز الى 7.6% أمراً ممكن تطبيقه، خاصّةً وأنه لم يتبقّى سوى خمسة اشهر من العام؟

بالنظر الى أداء المالية العامة في الأربعة أشهر الأولى من العام، نلحظ تراجع النفقات بنسبة 15% وانخفاض العجز بنسبة 28% وهذا أمر جيد لتحقيق النسبة المستهدفة للعام 2019. تطبيق بنود الموازنة سيؤدي الى تخفيض العجز، لأن الموازنة تعتمد على الضرائب، والضرائب من أكثر الأمور التي يأخذ المسؤولون في لبنان تنفيذها بجدية كبيرة، لكن الخطوات الأخرى هي التي نريد التأكد من جدية تنفيذها، كوقف التوظيف في القطاع العام مثلاً.

نعم لم يتبقّى سوى خمسة أشهر، ولكن إذا تمّ تطبيق إجراءات الموازنة يمكن الوصول الى مستهدف العجز. مع الإشارة الى أن هذه الموازنة ليست تقشّفية حيث اعتمدت على الضرائب وليس على تخفيض النفقات. تخفيض النفقات بملياري دولار لا يجعل من الموازنة موازنة تقشفية.