بعد أشهر من التأخير والانتظار، وأيام من الدراسات والاقتراحات، وساعات من المناقشات والتجاذبات البرلمانية، أقرت موازنة 2019!

ورغم إيجابية هذا الحدث "بالشكل"، يبقى "المضمون" حذرا وشبه سلبي، اذ أن التجربة المحلية مع الموازنات غير مطمئنة، خاصة من جهة الأرقام المتعلقة بالنفقات وإيرادات، وبخفض العجز.

لكن الأنظار تتجه اليوم الى ما بعد هذه ​الموازنة​؛ فماذا سيحلّ بأموال "سيدر"؟ هل ستنجح الحكومة في الوصول الى نسبة عجز تلامس الـ7.5%؟ وما هو مصير موازنة 2020؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر، في هذه المقابلة الخاصة مع موقع "الاقتصاد":

- كيف تقيم موازنة 2019 التي تم إقرارها الأسبوع الماضي؟ وهل هناك "روح إصلاحية" في هذه الموازنة كما يقال أم أنها ستكون شكلية؟

لا شك في أن موازنة 2019 جاءت دون التحديات المطلوبة، كما أنها تفتقد الى الإصلاحات الهيكلية؛ وهذا الواقع يعترف به الجميع.

ومن جهة أخرى، ترتكز هذه الموازنة على فرضيات تدل على إفراط في التفاؤل؛ اذ ما زالت المقاربة القديمة والتقليدية تهيمن على طريقة معالجة هذا الموضوع.

فالنفقات المرتفعة ما زالت موجودة، وذلك في ظل غياب الإجراءات الجدية والجهود الكافية من أجل حصرها. وبالتالي فإن مشكلتنا الأساسية تكمن في حجم النفقات التي تشكل 35% من الاقتصاد المحلي. ومن هنا، بدلا من الاهتمام بكيفية تقليص هذه النفقات بشكل جذري، وليس بطريقة "رفع عتب"، فكر المسؤولون في كيفية فرض الضرائب الجديدة من أجل تغطية النفقات التي لم يقم أحد بأي مجهود كاف من أجل لجمها وتقليصها؛ وهنا تكمن المشكلة بحد ذاتها.

أضف الى ذلك، أن النقطة الأبرز تتمثل في النتائج المتأتية عن زيادة الضرائب، اذ أن هذا النوع من الإجراءات يؤثر بشكل مباشر على المواطن، ومن شأنه أن يحدّ من قدرته الشرائية من جهة، وأن يؤدي الى امتناع الدولة عن تحقيق الإيرادات الإضافية المرجوة، من جهة أخرى.

أما بالنسبة الى أرقام 2019 التي صدرت الى حد اليوم، فنلاحظ أن العائدات الحكومية قد تراجعت بنسبة 3.5% خلال أول أربعة أشهر من عام 2019، كما تراجعت العائدات الضريبية بنسبة 16%، مع العلم أن الموازنة السابقة زادت الضريبة على القيمة المضافة الى 11%. لكن النتيجة تمثلت في انخفاض ​الايرادات​.

فهناك مثل فرنسي يقول: "trop de taxes tue la taxe"، أي أنه عندما تكون الاقتطاعات الضريبية الإجبارية في حدود مرتفعة، كل ضغط ضريبي إضافي يسبب تراجعا في المداخيل. وبالتالي لا يمكن زيادة الضرائب خلال فترات ​الركود​، لأننا سوف نخفض بذلك الإيرادات.

- هل موازنة 2019 ستكون مرضية للمجتمع الدولي لكي يباشر في تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر"؟

موازنة 2019 بالنسبة الى ​المجتمع الدولي​ تتوقف على موضوع أساسي يكمن في إصلاح قطاع الكهرباء؛ ما يعد بمثابة حجر الأساس بالنسبة الى الدول المانحة.

وبالتالي يجب المباشرة في تنفيذ هذه الخطة بطريقة ترضي المجتمع الدولي – أي من خلال تأسيس هيئة ناظمة، ومجلس إدارة لشركة ​كهرباء لبنان​، وإدخال قطاع المنافسة بالفعل وليس بطريقة شكلية، من أجل تعزيز المنافسة والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ولا بد من الاشارة الى أن بعض الجهات الدولية أشارت الى الإفراط في التفاؤل، وذلك لأن الحكومة تعتقد أنها سترتفع منذ العام الأول نسبة النمو، الى معدلات غير مؤكدة، في حين أن النمو سيكون بالتأكيد شبه غائب. وانطلاقا من هذا الواقع، لا يمكن توقع تحقيق عائدات كبيرة.

- هل ستتمكن الحكومة من الوصول الى العجز المستهدف خاصة أن حوالي 7 أشهر قد مرت على السنة، كما أن تجربة موازنة 2018 غيرمشجعة، بعدما تخطينا النفقات وارتفع العجز لمستويات قياسية؟

لا أعتقد أن الحكومة ستتمكن من الوصول الى النسبة المتوقعة من العجز، فاذا وصلت نسبة العجز المقدرة الى 4.5 مليار دولار، سيبلغ حينها ​الناتج المحلي​ حدود الـ6 مليار دولار؛ وهنا تكمن الصعوبة الأكبر.

- ألم يكن هناك خيارات أفضل أمام الحكومة لتأمين إيرادات جديدة لخزينة الدولة؟ خاصة أنه لم يتم التوجه نحو الأملاك البحرية و​قطاع الإتصالات​ وغيرها من القطاعات الأخرى؟

الخيارات تتمثل في خطة طويلة الأمد تلتزم جديا في تقليص حجم النفقات الحكومية، وخفض عدد العاملين في ​القطاع العام​؛ وهنا نتكلم عن العدد الذي يشكل مشكلة أكبر من التقديمات والرواتب، ولهذا السبب يجب الالتزام بعدم توظيف المزيد من الأشخاص في الإدارات العامة لفترة خمس سنوات على الأقل.

وعندما يتم تطبيق هذه الخطة، ستصل ​المصارف​ والقطاع التمويلي الى تخفيض كلفة الدين، وإزالة مشكلة الكهرباء بشكل نهائي عن كاهل الدولة.

ومن هنا، يجب تحقيق شراكة حقيقية وفعلية بين القطاعين العام والخاص، في مجالات أساسية مثل المرفأ، والاتصالات، والكهرباء، و​السياحة​، وغيرها... وبالتالي يجب أن يلعب ​القطاع الخاص​ دوره من أجل إشراك وتخصيص قسم من القطاعات المختلفة، بشكل جزئي أو كلي.

- هناك نية للمباشرة في دراسة موازنة 2020 من أجل تقديمها ضمن المهل الدستورية. ما الذي يضمن أن تكون موازنة 2020 أفضل من موازنة 2019 مع بقاء الاخلافات السياسية الحالية قائمة داخل الحكومة؟

اذا أصرت الأطراف السياسية على اتباع المقاربة ذاتها - والتي تتبعها منذ عشر سنوات والى حد اليوم - أي فرض الضرائب من أجل تغطية النفقات، فلن تتغير الأوضاع.

فالطرق والخيارات ذاتها ستعطي حتما النتائج ذاتها، ومن هنا، يجب التغيير في المقاربة وفي طريقة الإدارة.