سقط بند فرض الرسم الجمركي على البضائع المستوردة الذي تضمنه مشروع ​موازنة​ 2019 على طاولة نقاش لجنة المال و​الموازنة​. واذ يعتبره البعض خطوة لصالح التجارة على حساب الصناعة يطمئن البعض الآخر الى ما وعد به رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بايجاد ​آلية​ جديدة واستبداله برسم حسب نوعية السلعة، سيما ان هناك التزامات اخذها على عاتقه، بالنسبة لرفض ​الاتحاد الأوروبي​ فرض هذه الرسوم على منتوجاته .

في المرحلة الاخيرة ، برزت إلى العلن أصوات كثيرة تُندّد باقرار هذا البند بحجّة أنّ هذا الرسم سيرفع الأسعار فيما ان المراقبين الذين يرصدون مؤشّر أسعار الإستهلاك لاحظوا ارتفاعها بعد بدء مرحلة التطبيق الكامل لمعاهدة ​التبادل التجاري​ بين لبنان والإتحاد الأوروبي في 2015.

ودفع الى ابعاد هذا البند بعض الصناعيين الذين اقتنعوا ان لا نية لتحويل قسم من الإيرادات التي يؤمّنها هذا الرسم لدعم القطاع الصناعي.

لماذا لم يتم الاتفاق على رسم ال2% الذي هلل له لدى طرحه معظم النواب والكتل النيابية ؟

وما هو البديل الذي قد يكتب له التنفيذ والذي يحمي الصناعة الوطنية ويعزز الاقتصاد ؟

بكداش

نائب رئيس جمعية الصناعيين ​زياد بكداش​ يقول " للاقتصاد" ان الرئيس الحريري قد وعدنا بايجاد آلية بديلة تحمي الصناعة اللبنانية وتفيد الاقتصاد دون الحاق الضرر بالقطا ع التجاري.

والمضحك ان المجتمعين في لجنة المال والموازنة الذين رفضوا بند الرسم 2% كانوا ضمن الكتل النيابية التي وافقت عليه بالامس القريب.

وفي الواقع ، ان الرئيس الحريري طلب من الوزراء المعنيين ايجاد آلية لتحديد الرسوم الواجب فرضها على السلع المستوردة دون المس بالاتفاقيات التجارية الموقعة مع بعض البلدان التي يستورد منها لبنان.

ويكشف بكداش ان الاقتراح الحالي يقضي بوضع رسم نسبته 3% على المواد الاستهلاكية الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة ووالتي هي غير اساسية . و بمعنى آخر ، قد يكون الاتجاه الى رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة الى حوالي 15%.

ولكن عندما قدم اقتراح الرسم ال 2% على البضائع المستوردة وضع مبلغ ما بين 400 الى 500 مليار ليرة كنتيجة واردات يؤمنها للخزينة لسد العجز!

وهنا ، يشير بكداش الى ان الوعود كانت بتوزيع نسبة 35% من عائدات هذا الرسم بين الزراعة والصناعة وقطاع السكن ، علما ان هذا الامر لم يكن مؤكدا .

ويعتبر بكداش ان ضبط آلية منع التهريب الى لبنان هي الكفيلة بتحقيق المداخيل اللازمة الى الخزينة ، لافتا الى ما يتم تسجيله في هذا السياق من تفلت وفق وزير المال يقدر ب 60 % من ​الاقتصاد اللبناني​ غير الشرعي والمؤسسات غير الشرعية التي تمرر البضائع وفق الخط العسكري . ويبدو ان البعض من الشركات عنده امتيازات خاصة .

ويعتبر ان الموضوع بحاجة الى قرار سياسي، بالاضافة الى آلية فعالة تضبط عمليات ​التهرب الضريبي​ وتقفل الممرات غير الشرعية التي تنساب عبرها السلع الى السوق اللبناني والمرصود منها اليوم هو بحدود ال 137 .

ما بين الرسم والرسم قرار ام فرار !

يستورد لبنان ما قيمته 20 مليار دولار من البضائع والسلع سنويا ، اي هناك 20 مليار دولار تخرج من لبنان سنويًا، وتضعف ​الميزان التجاري​، وبالتالي، تؤثر على تصنيفه الائتماني مع العلم ان توصيات ​البنك الدولي​ تركز على اهمية دعم الصناعة كعامل اساسي في تحسين الاقتصاد .

والجميع مقتنع ان بعض الاتفاقات التجارية مع الخارج لم يعد صالحا ومناسبا للاقتصاد المأزوم ، خصوصا ما يتعلق منه بإتفاق التيسير العربي .

يرى رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب ​نعمة افرام​ ان "فرض رسم 3% على البضائع المستوردة يدخل للخزينة 500 مليون دولار ويساهم في التخفيف من الاستيراد".

ومن المعلوم ان وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش قدم لمجلس الوزراء في اول جلسة له لمناقشة مشروع قانون الموازنة مطالعة شملت عدة إجراءات لتحفيز الاقتصاد ورفع ​الايرادات​.

ومن أبرز الإقتراحات تطبيق رسم مؤقت بنسبة 3% على مدى ثلاث سنوات، يشمل جميع مستوردات لبنان ما عدا المواد الأولية والآلات التي تستخدم في الإنتاج المحلي، على أن يخصص جزء من هذه الإيرادات لتنفيذ برامج تحفيزية للقطاعات الإنتاجية لتمكينها من منافسة السلع المستوردة عند إزالة هذا الرسم، مؤكداً ان هذا الرسم يمكن تطبيقه ولا يخالف الإتفاقات التجارية التي وقعها لبنان. إنقسمت الاراء حول جدوى وفعالية الاجراء الذي إقترحه بطيش، فيما أتى الرد سريعا من وزير المال رافضا لما يحمله من تداعيات مباشرة على المواطنين والمستهلكين على صعيد زيادة الاسعار.

واعتبر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس ان إقتراح تطبيق رسم مؤقـّـت بنسبة 3% على مجمل المستوردات ما عدا بعض الإستثناءات تحت شعار حماية الإنتاج الوطني ليس بالحل، وان السبيل لتخفيض ​العجز التجاري​ هو من خلال تحفيز الصناعات على التصدير وإزالة كل العوائق التى تقف أمامها، في حين أن الحمائية الجمركية تؤدّي في كل أنحاء العالم الى تكبيل إنسيابية التبادل التجاري، والى إضعاف الإقتصاد الوطني، وتفاقم العجز التجاري، كما في ​الولايات المتحدة​ مثلاً حيث إرتفع العجز بنسبة 12% في العام المنصرم، بالرغم من تعريفات جمركية إستثنائية.

كما يعتبر التجار ان الرسم المقطوع المقترح لا يميـّـز بين سلعة وأخرى فضلاً عن أنه يقوّض الرأسمال التشغيلي للتجار، وينعكس هذا الرسم، بحكم آلية التضاعف، إرتفاعا كبيرا ومؤذيا للأسعار الإستهلاكية.

معضلة خلق إيرادات من الرسم الجمركي معقدة بدون شك . وفي المعلومات ان ثمة اقتراح على أن يزاد الرسم بمعدل يتراوح بين 2% و7% تبعاً لنوع السلع باستثناء السلع الأساسية.

ويبدو هنا ان لوائح هذه السلع متعددة المصادر !

والاتجاه الجدي هو اعتماد زيادة الرسم الجمركي على كل السلع التي تخضع للضريبة على القيمة المضافة .

ولصندوق النقد الدولي رأي في الموضوع حيث يضع من ضمن اولويات خفض العجز في الموازنة زيادة الضريبة على الدخل من الفائدة من 7% إلى 10%، وفرض ضريبة على السلع المستوردة بمعدل 2%، وتجميد ​التوظيف​ والتقاعد المبكر في ​القطاع العام​.

ويبقى السؤال ما هي الجدوى من زيادة الرسوم على السلع هل هي لزيادة ايرادات الخزينة ؟ لحماية الصناعة الوطنية ؟ لزيادة الاعباء الاستهلاكية؟ ام لتوسيع حجم الممرات والمعابر غير الشرعية اذا استمر غياب القرار السياسي الجدي بالمواجهة ؟