إنقلبت الأجواء الإيجابية التي سيطرت على البلاد خلال فترة ما بعد تشكيل الحكومة، إلى أجواء ملبدة تنذر بسلبية قادمة، بعد الاحداث المتتالية التي شهدها لبنان خلال الفترة الماضية، فعدى التأخير في إقرار الموازنة وظهور عدم قدرة الحكومة في الوصول إلى العجز المستهدف وضبط الإنفاق، إضافة إلى التحركات الشعبية رفضا لقرارات التقشف .. جاءت أحداث ​طرابلس​ الإرهابية ومن بعدها أحداث الجبل لتزيد الطين بلّة، خاصة انها حصلت في فترة حساسة نحن بأمس الحاجة فيها للتكاتف والتعاون من اجل البدء بمرحلة الإصلاح الجدية، والإستفادة من أموال "سيدر" الموعودة، والمحافظة على موسم الصيف الذي بدا واعداً بعد تحسن العلاقات مع ​دول الخليج​.

ولكن هذا الواقع دفع وكالة "​فيتش​" للتصنيف الائتماني للإعلان بأن لبنان بحاجة إلى إصلاحات مالية وهيكلية إضافية لخفض ​عجز الموازنة​ واستقرار نسبة الدين الحكومي من ​الناتج المحلي​ الإجمالي، وتلاه تقرير وكالة "​موديز​" الذي أشار إلى ان تباطؤ التدفقات الرأسمالية على لبنان وتراجع نمو الودائع يعززان من احتمال تحرك الحكومة لإتخاذ تدابير تشمل إعادة هيكلة الدين أو اجراء آخر لإدارة الالتزامات ربما يُشكّل تخلفاً عن السداد. وأخيرا تحذير بعثة ​صندوق النقد الدولي​ ل​مصرف لبنان​ من مغبة شرائه ​سندات الخزينة​ الجديدة بفوائد مخفوضة، ما سيجعل الدولة أمام أزمة تمويل، اضافة الى تصنيفات سلبية متوقعة للاقتصاد.

فما هي تأثيرات الأحداث الأخيرة في الجبل على الوضع بشكل عام خاصة مع توتر الأجواء داخل الحكومة وإرجاء الجلسات إلى أجل غير مسمّى ؟ وماذا عن تحذير صندوق النقد الأخير لمصرف لبنان ؟ وهل سيتأثر موسم الصيف بالأحداث الأخيرة وبالأجواء المشحونة ؟ وماذا عن نسب النمو المتوقعة بعد إنتهاء النصف الأول من العام؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

ما هي تأثيرات الأحداث الأخيرة في الجبل على الوضع بشكل عام خاصة مع توتر الأجواء داخل الحكومة وإرجاء الجلسات إلى أجل غير مسمّى ؟

لا شك ان أحداث الجبل الأخيرة إنعكست تأثيرا واضحا على الحكومة وعلى كافة الأفرقاء السياسيين، فأحداث الجبل برأيي هي الحدث الأهم في الفترة الأخيرة، وتفوق بأهميتها تصريحات صندوق النقد، وتقارير "موديز" و "فيتش". لأن هذا الحدث أثبت بأن الوضع في لبنان ليس مستقراً وأننا مازلنا في ظل صراعات مذهبية وطائفية، فهذا البلد ليس بلداً بكل معنى الكلمة.

كنّا نعتقد أن فترة الحرب التي إنتهت منذ 30 عاماً قد ولّت، ولكن من الواضح أن تاريخنا السيء مازال يؤثر على حاضرنا. وأمام هذا الواقع تصبح تقارير "موديز" وفيتش" ثانوية، حيث ان المشكلة أكبر من ذلك بكثير من تقرير من وكالة تصنيف إئتماني أو تحذير من مؤسسة مالية عالمية. المشكلة ان القيادات السياسية في لبنان ليست على مستوى الأزمة، وان القاعدة السياسية التي نسير عليها منذ سنوات والنظام السياسي القائم منذ "الطائف" وحتى اليوم ليس سليماً ولا يمكن ان نستمر به، فنحن بحاجة لصياغة نظام سياسي جديد مختلف تماما عن النظام القائم على سياسية "الأمن والإقتصاد بالتراضي" .. لا يمكنني الأن تحديد النظام الأفضل للبنان، لان هذا الأمر يحتاج إلى نقاش جدي وطويل، ولكن ما هو مُثبت اليوم أن الإستمرار بهذا النظام القائم لن يوصلنا إلى مكان، ولن نتمكن من بناء بلد حقيقي، ولا إقتصاد حقيقي.

ماذا عن تحذير صندوق النقد الأخير لمصرف لبنان ؟ وهل سيلتزم المركزي بهذه التحذيرات برأيك؟

تحذير صندوق النقد الدولي هو تحذير جدي وفي مكانه، ولكن هناك فرق بين التحذير وبين الواقع، حيث أن مصرف لبنان يحاول من خلال الإكتتاب بسندات الخزينة أن يعطي نفحة أوكسيجين للإقتصاد الوطني، وهو غير قادر في هذه المرحلة على وقف الإكتتاب بالسندات اللبنانية.

ولكن بنفس الوقت هذه الطريقة التي نسير بها تضع ضغوطاً كبيرة على المصرف المركزي، وليس من مصلحتنا الدفع بهذه المؤسسة نحو الإنهيار، لان إنهيارها سيعني إنهيار الهيكل على الجميع.

المشكلة إذا ليست بمصرف لبنان وبإلتزامه بالتحذيرات التي أطلقها صندوق النقد أو عدم إلتزامه، المشكلة الأساس هي في الطريقة التي تتعامل بها الدولة اللبنانية مع مشاكلها المالية، وفي تحميلها هذه المؤسسة أكبر بكثير من طاقتها، فمصرف لبنان مهمته ​السياسة النقدية​ فقط، في حين ان الدولة أدخلت هذه المؤسسة في المشاكل المالية، وحتى في المشاكل السياسية أيضاً. والخطر اليوم هو أن ينهار مصرف لبنان، لذلك لا يجب أن نحمّل هذه المؤسسة حملا يفوق قدرتها على التحمل.

هل سيتأثر موسم الصيف بالأحداث الأخيرة وبالأجواء المشحونة ؟

أعتقد أن الموسم السياحي تأثر بالاجواء المشحونة وبالأحداث الأخيرة، فمعنويات الصيف وجو الصيف إختفى.

قد لا يكون هناك إلغاء للحجوزات، ولكن أجواء الفرح في البلد إختفت، فالكل يشعر بأن بأجواء البلد القاتمة، ولا شك أن هذا الشعور إنتقل إلى السائح الأجنبي والعربي، بغض النظر عما إذا كان هناك إلغاء لبعض الحجوزات أم لا.

ماذا عن نسب النمو المتوقعة بعد إنتهاء النصف الأول من العام؟

حاكم مصرف لبنان​ صرح منذ فترة بأن نسب النمو منذ بداية العام وحتى اليوم قاربت الـ 0%، ولكن هذه النسبة سترتفع قليلا مع نهاية العام، خاصة وأن الصيف الحالي سيساهم في تحسين الوضع قليلا، فعلى الرغم من الأحداث التي حصلت، إلا أننا سنشهد على قدوم عدد من السياح والمغتربين، ونسب النمو قد تصل مع نهاية العام إلى 1%، ولكن هذه النسب لا معنى لها وهي غير كافية، ولن تقدّم أو تؤخر في حل المشكلة التي يعاني منها لبنان.