اثارت تصنيفات وكالات الائتمان الدولية للبنان استغراب الاوساط السياسية والاقتصادية والمالية ، خصوصا ان لبنان يسسد بشكل دوري كل المتوجبات عليه. ويبلغ إجمالي سندات "اليوروبوند" 31 مليار و600 مليون دولار، 51.3 بالمئة منها محمولة من قبل القطاع ال​مصر​في، 20 بالمئة من قبل ​مصرف لبنان​، و27 بالمئة من قبل الأسواق المالية العالمية، اي ان استحقاقات السندات موزعة وليست ضخمة أو كبيرة كي لا يستطيع مصرف لبنان سدادها، علماً أنّ سندات "اليوروبوند" للعام 2020 تبلغ أيضاً مليارين ونصف مليون دولار.

كما ان مصرف لبنان لديه القدرة على سداد جميع استحقاقات ​سندات الخزينة​، ​اليورو بوند​"، وثانياً إنّ "إستحقاقات "اليوروبوند" في الأسواق سنوياً ليست كبيرة، وثالثاً ان ​المصارف اللبنانية​ تكتتب بـ 51 بالمئة من سندات "اليوروبوند" ولا يوجد أيّ قلق في هذا الموضوع.

خرجت بعض الاصوات لتفسر التعاطي السلبي من قبل هذه المؤسسات الدولية المرموقة مع لبنان بالاسباب السياسية ، فلبنان الذي ينتظر الافراج عن ​قروض​ مؤتمر "سيدر" لاطلاق مشاريع البنية التحتية ، ما يعني توفر ​السيولة​ بكثرة في الاشهر الستة المقبلة ، كما وعد ​حاكم مصرف لبنان​ ، يواجه ايضا استحقاقا سياسيا اكبر يتمثل بتبني صفقة القرن المروج لها اميركيا ، وذلك بمنح لبنان ستة مليارات دولار مقابل توطين الفلسطينيين على ارضه ، وهذا ما جرى رفضه بالاجماع لبنانيا ، ما جعل مؤسسات التصنيف ، وكلها ​اميركية​ ، تعبث باقتصادنا ، وتجعله رهينة الموقف السياسي ، حسبما يقول المشككون بنوايا هذه الشركات.

الحكومة استنكرت ما صدر عن وكالة ”​موديز​“ الأخير والذي حذّر من تخلّف لبنان عن سداد ديونه ، اولا بتصريح لوزير المال ​علي حسن خليل​ ، ثم للرئيس ​سعد الحريري​ الذي تحدثت اوساطه عن امكان رفع دعوى قضائية على وكالة ”موديز“ واتهامها بإساءة سمعة لبنان وبثّ ​شائعات​ كاذبة.

ظاهرة دولية

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن التصنيفات الائتمانية وأثرها على الاقتصادات العامة للشركات والدول، في مختلف انحاء العالم ، وخصوصا مع تعليقاتها حول ​التصنيف الائتماني​ لعدد من الدول المتقدمة في أوروبا، إلى جانب خفضها لتصنيف مصر ودول في الخليج ، وقد ادى ذلك الى خسائر فادحة لحقت بالمؤشرات الاقتصادية العامة وبالأخص ​الاسواق المالية​ التي خسرت مليارات الدولارات.

وقد لاقت هذه التصنيفات في حينها اعتراضات واتهامات سياسية كثيرة من دون ان يتغير شيء في واقع عمل هذه الوكالات فبعض الخبراء يعتبرون إن ابرز أسباب تخفيض وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني للبنوك العربية مثلا، ترتكز بشكل مباشر على الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في المنطقة.

ولا يستبعد خبراء آخرون أن يكون هناك أبعاد سياسية لنتائج التصنيف الائتماني، باعتبار أن الوكالات الثلاث الكبرى اصولها لها أميركية، ومن المرجح أن السياسة الاميركية وخصوصا بما يتعلق بشؤون ​الشرق الأوسط​ وشمال ​أفريقيا​ تلعب دورا في نتائج هذه التصنيفات، مع التأكيد هذه الوكالات المستمر انتهاجها سياسة الحيادية.

فالتعريف العام لما تقوم به وكالات التصنيف الائتماني هو تقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الدين، سواء للشركات أو الحكومات، وقدرة المصدر على الوفاء بتسديد فوائد الدين والأقساط المترتبة عليه أهم مؤشر للجدارة الائتمانية التي تبنى عليها التصنيفات من قبل هذه الوكالات.

وهناك العديد من شركات التصنيف الائتماني أهمها «ستاندرد آند بورز» و»موديز» و"​فيتش​"، وكلها شركات أمريكية المنشأ.وهذه الشركات الثلاثة تهيمن على 95 في المئة من سوق التصنيف الائتماني.

تصنيف لبنان

بعيدا عن السياسة تصدر وكالات التصنيف الائتمانية تصنيفاتها لتقيس مدى قدرة حكومة أو مؤسسة ما مُقترضة على الوفاء بالتزاماتها المالية لدى الجهة المُقرضة، بحيث يعبّر التصنيف الضعيف عن احتمال عدم قدرة المدين على الوفاء بالتزاماته، فيما يشير التصنيف المرتفع إلى العكس. ويُبنى على هذه التقديرات لتسهيل أو رفع كلفة حصول الحكومات على تمويل أو قروض من الأسواق الداخلية والخارجية.

تدرس هذه الوكالات مجموعة من العوامل، مثل الوضع المؤسساتي للدولة والحوكمة ومدى توافق الناس على السلطة القائمة، ومجموعة من العوامل الكمية، مثل احتياطي الدولة من ​العملات​ الأجنبية و​عجز الموازنة​ ونسبة ​الديون​ إلى ​الناتج المحلي​ ونسبة الديون بالعملة المحلية والعملات الأجنبية.

اذا بغض النظر عن قدرة لبنان على سداد ديونه فان عوامل اخرى مؤثرة تدخل في التصنيف ، وهي للاسف سلبية في حالة لبنان.ولا شك ان موديز استندت في تحذيرها الاخير الى جملة عوامل سلبية ، منها التأخر في اقرار الموازنة ، بحيث باتت لزوم ما لا يلزم مع اقتراب العام من نهايته ، وكذلك التشكيك بقدرة الحكومة على ضبط الانفاق والحد من العجز ، بالاضافة الى ​الركود الاقتصادي​ وعدم خلق فرص عمل ، وبالعكس اقفال مؤسسات ومصانع ومحلات ، عدا الخلافات السياسية المستمرة التي تنعكس سلبا على الاوضاع الاقتصادية ، ولن يشكل موسم ​السياحة​ والاصطياف الموعود وحده رافعة للنهوض.

تصنيفات

تستعمل وكالات التصنيف رموزاً للدلالة على الجودة الائتمانية، فإذا كانت درجة المخاطر الائتمانية منخفضة، برأيها، تشير إليها بالحروف Aaa Aa ،A ،Baa بالنسبة إلى موديز، وبالرموز A ،AA ،AAA ،BBB بالنسبة إلى فيتش وستاندار أند بورز. أما إذا كانت مرتفعة، فتشير إليها بالحروف Ba ،B ،Caa ،Ca ،C بالنسبة إلى موديز، وBB ،B ،CCC ،CC ،C بالنسبة إلى وكالتي فيتش وستاندار أند بورز.

حصل لبنان على درجة B من الوكالات الثلاثة، وهي تدلّ على أن وضعه المالي متغيّر بنحو ملحوظ، إذ إنه يملك قدرة على الوفاء بالتزاماته المالية حالياً، إلا أن هناك شكوكاً مستمرّة في قدرته على سداد ديونه.

تضيف الوكالات أرقاماً أو إشارات إلى درجة التصنيف للدلالة على مستوى الجودة الائتمانية داخل كل درجة. تضيف موديز الأرقام 1 إلى المرتبة الأفضل ضمن الدرجة الواحدة و2 و3 تباعاً كلما تراجعت الجودة داخل الدرجة نفسها. أمّا فيتش وستاندار أند بورز فتستعمل علامتي (+) و (-) للدلالة على مستوى الجودة، وذلك للإشارة إلى مدى التزام الجهة المقترضة بالسداد. إن إعطاء لبنان علامة 3 من موديز و(-) من فيتش وستاندار أند بورز تعبّر عن أن التزامه السداد أمر غير مضمون بدرجة عالية.

أمّا إضافة / وحرف من A إلى D، فتعبّر عن مستوى الجودة الائتمانية خلال الفترة الطويلة التي تمتدّ من سنة إلى سنتين. حصل لبنان على (/B)، وهو دليل على وجود مخاطر ائتمانية عالية تعوق التزامه تسديد ديونه على المدى الطويل.

وتعبّر اتجاهات التصنيف (مستقرّ/ إيجابي/ سلبي/ متطوّر) عن احتمال حصول تغيير في درجة التصنيف الائتماني على المدى الطويل. توصيف اتجاه لبنان بالمستقرّ يعني أنه باقٍ ضمن التصنيف نفسه على المدى الطويل.

فاعل اساسي

بعيدا عن الآراء المتضاربة سياسيا يبقى الاشارة الى ان وكالات التصنيف الائتمانيّ تقوم بدور مهم في آليات عمل الأسواق الماليّة حول العالم، فهذه الوكالات تقيّم خطر تخلّف الدول والشركات عن دفع المترتّبات على السندات و​صكوك​ ​التأمين​ التي تصدرها. وانخفاض تصنيف سندات معيّنة يُرتّب على المدين ارتفاع مستويات الفائدة على هذه السندات.لذا فهي فاعل أساسيّ في آليّات عمل الأسواق الماليّة حول العالم. وما يجعل دور هذه الوكالات مفصليّاً أكثر هو هيمنة ثلاث وكالات على 95% من سوق التصنيف الائتمانيّ (بناءً على العائدات وعدد إصدارات التصنيفات)، وكالات «فيتش» و«ستاندارد أند بورز» و«موديز»، كما يقول لورِنس رايت في بحثه «الأسواق: وكالات التصنيف الائتمانيّ» الصادر عام 2010.

تضارب المصالح

ويضيف رايت انه على الرغم من الدور المحوريّ الذي تؤدّيه هذه الوكالات في الاقتصاد العالميّ، إلا أنّها قد تشكّل مصدر تهديد لانتظام عمل الأسواق نفسها. ويشرح أن وظيفة الوكالات الائتمانيّة تطورت عبر السنوات، ولعل اهم تغيير جوهري تمثل في الانتقال من نموذج بيع التصنيف إلى المستثمرين إلى نموذج بيعه إلى مصدِّري السندات والمنتجات الماليّة. فقد أصبحت الوكالات تتقاضى المال من الشركات مقابل تصنيفها لإصداراتها في الأسواق الماليّة، بعد أن كانت تبيع المستثمرين كتيّبات التصنيف.

وهنا خطورة تضارب المصالح فهذه الوكالات باتت تعمل لدى الشركات الكبرى ومن خلفها الدول ،ومن هذا الباب يمكن التشكيك بنوايا تصنيفات ائتمانية قد تخدم مصالح بعض الدول على حساب أخرى .