بين صفقة القرن ودراسة ال​موازنة​ العامة  التقشفية لعام 2019 ينشغل المسؤولون في تحليلات، وفي ارتقاب نتائج وتداعيات. 

برز في  موازنة العام 2019 موضوع تأجيل اعتمادات ملحوظة في قوانين برامج للعام 2019 تبلغ قيمتها 800 مليار ليرة إلى الأعوام 2020 و2021. اي ان اي إنفاق جديد محسوم بالتأجيل وليس بالصرف. وبالتأكيد هذه النفقات هي استثمارية. 

لا شك ان تسريع إقرار الموازنة بنسبة خسائر اقل جاء بناء لتوصية دولية تُمسك بمفتاح الإفراج عن اموال "سيدر" الموعودة. 

زيارة بعثة من ​صندوق النقد الدولي​ برئاسة كريس جارفيس لبيروت والتي  ستنتهي برفع تقرير حول وضع ​لبنان​ النقدي والمالي قبل منتصف تموز كان إشارة واضحة في التوقيت والتنبيه.

وبدا لافتاً حرص وفد الصندوق على  تسريع إنجاز الموازنة في أقرب وقت ، ضمن سقف العجز المقدَّر بـ 7.6 في المئة كتمهيد لتحرير الأموال التي يحتاج اليها لبنان من "سيدر"، وأيضاً تشجيعه على الحدّ من الخلافات السياسية التي تؤثّر على صورة البلاد.

الدولة حسمت امرها في موضوع النفقات الاستثمارية ولكن ماذا عن متوجباتها تجاه  الغير ؟ 

اي مستحقات ​المقاولين​ ، المستشفيات  ، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وايضاً الاستملاكات؟

قطاع المقاولات

" توقيف جميع ورش العمل في لبنان  في يوم   تحذيري في تموز 2019 ، واذا لم تستجب المراجع المعنية سيكون التوقف المفتوح  ".

 في 19 حزيران ، حددت الجمعية العمومية التي عقدت في نقابة مقاولي ​الأشغال العامة​ والبناء في لبنان، بسبب عدم تسديد الدولة المستحقات المترتبة عليها، تحركاتها التصعيدية للمرحلة المقبلة بهذا الموقف. وقررت الاتصال برئيس ​مجلس الوزراء​ سعد الحريري من أجل إبلاغه بالخطوات التصعيدية التي ستبدأ باعتصامات أمام مجلس الوزراء والوزارات المعنية وتنتهي بتظاهرات واعتصامات مفتوحة على الطرق وتوقيف العمل في كل الورش. 

واوضح رئيس النقابة  المهندس مارون الحلو معاناة  القطاع منذ بداية 2018 وما قبل، و بعض الأرقام المتوجبة على الدولة وفق التالي :

130  مليارا مصالحات فروقات ​اسعار​ مواد التمويل الداخلي PIU منذ تولي الرئيس نجيب ​ميقاتي​ وزارة الأشغال، 45 مليون دولار فروقات اسعار مزمنة، 90 مليون دولار كشوفات وزارة الاشغال، 20 مليون دولار كشوفات وزارة الطاقة. 

  300  مليون دولار، وهناك اقتراح بجدولة المبلغ على ثلاث سنوات. قام وزير المال بدفع 200 مليار ليرة عن سنة 2018 لمجلس الانماء والاعمار، وهذا غير كاف إطلاقا.

هذا المبلغ ُدفع من المقاولين الذين استدانوها من ​المصارف​ بفوائد تراوح بين 6 و 8 %، وأصبحت اليوم 12 و14 %، وما زالت الفوائد ترتفع وتتضاعف".

وقال الحلو: "هذا حق، ومن واجب الدولة تسديد ما عليها وهذه مسؤولية الحكومة مجتمعة .هذا القطاع وتفرعاته يمثل 30% من ​الناتج المحلي​، وذلك واضح بقيمة الدين المترتب عليه ويبلغ 22 مليار دولار من أصل 60 في المصارف . 6أشهر مرت دون أن يرف جفن أي مسؤول، ولم يتخذ بعد أي قرار حاسم بذلك كما قمنا بطرح المقاصة بين الضرائب والمستحقات، ولم يأت الجواب حتى الآن. لن نستكين الى حين تحقيق مطالبنا."

المستشفيات

ومعلوم أن مستحقات المستشفيات  الخاصة المتراكمة منذ عام 2012 ولغاية 31/3/2019 بلغت حوالى ألفي مليار ليرة لبنانية في وقت يبلغ العجز السنوي لوزارة الصحة 80 مليار ليرة ، علما أن المستشفيات الخاصة، واستنادا إلى الأرقام التي أعلنتها نقابتها  تؤمن فرص عمل لـ25000 موظف وأكثر من 5000 ​طبيب​ ، وهي تتعامل مع شركات تؤمن أكثر من 50000 فرصة عمل. والرساميل الموظفة في المستشفيات تتجاوز 4مليارات دولار ، كما تشكل بعملها ما نسبته 3% من الناتج المحلي.

ويلفت نقيب المستشفيات المهندس سليمان  هارون خلال التجمّع الذي نفذه العاملون في القطاع امام وزارة الصحة  إلى أن "العجز المتراكم البالغ ألفي مليار ليرة اصبح يشكل عبئا ثقيلا على كاهل المستشفيات أدى بها الى التأخر في تسديد المتوجبات عليها لمستوردي ​الادوية​ والامصال والمستلزمات الطبية الذي لجأ البعض منهم الى التوقف عن تسليم المستشفيات ما تحتاجه".

وتحدث عن "ظاهرة خطيرة تتمثل في توّقف بعض المستشفيات عن تقديم العلاجات لمرضى السرطان لانه لم يعد بامكانه شراء الادوية اللازمة لذلك.

من جهته ، وزير الصحة العامة الدكتور جميل جبق أشار الى أنه "تمت إحالة الدفعة الأولى من الأموال، وسنسعى إلى تأمين الدفعات المتبقية بالاتفاق مع الحكومة و​وزارة المالية​. فنحن نعلم أن نسبة ​البطالة​ بلغت في ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة ما يتجاوز 37% خصوصا في الأطراف، وهناك مليون  800 الف شخص يعالجون على حساب وزارة الصحة، ولولا وجود ​نقابة المستشفيات​ الخاصة لما كان باستطاعة وزارة الصحة أن تغطي علاج الناس. ونوه بأن ما من مريض يتم رفضه على باب مستشفى بل إن المستشفيات الخاصة تؤمن الأمكنة المطلوبة وتتحمل النفقات الكبيرة".

موقف الوزير جبق مطمئن الى حد ما ، ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة ".

وابعد من ذلك  قال جبق :" لبنان يعاني من واقع تقشفي في موازنته المالية ما يستدعي أن نتحمل بعضنا البعض لأننا كلنا في مركب واحد فإما نخلص جميعا ونحافظ على بلدنا أو ندخل في مشكلات جزئية وفئوية فندّ مر البلد.نحن في صدد إعداد الموازنة وأنا أسعى بكل ما أوتيت من جهد من خلال الحكومة لتأمين الأموال المستحقة للمستشفيات.

كيف ستترجم نوايا المسؤولين  بتلقف التهديدات وتسديد المتوّجبات ؟ وهل من اولويات خصوصا ان وضع الخزينة مربك الى اقصى حدود ؟ 

وزني

وفق ​الخبير الاقتصادي​ الدكتور غازي وزني الاولوية بدون شك لتسديد مستحقات المستشفيات التي يعود البعض منها الى العام 2012. واستنادا الى المعطيات  تبلغ هذه المتوجبات مليار و300مليون دولار .

والآلية الوحيدة الممكنة هي إصدار وزارة المال سندات خزينة بالليرة اللبنانية او بالعملة الصعبة ضمن امكانيات الخزينة بعد إقرار عقد النفقات ومسألة الدفع في الوزارة . ويقول "للاقتصاد" وزير المال مطلق الصلاحية دون الرجوع الى مجلس الوزراء في هذا الشأن . 

اما بالنسبة لديون المقاولين  البالغة حوالي 700 مليون دولار  فان قرار تسديدها مرتبط بما تقتضيه الظروف .

وفي موضوع متوجبات الدولة لصالح ​صندوق الضمان الاجتماعي​ فقد اقرت لجنة المال والموازنة المادة 70 من المشروع  التي اجازت للحكومة تقسيط هذه ​الديون​ على 10 سنوات، على ان تسدد القسط الاول قبل نهاية ايلول المقبل.

اخيرا ، في ما يتعلق بالاستملاكات فقد ألغيت  المادة 79 المتعلقة بها . 

يذكر انه في قضية عائدات الضمان ، تعتبر المرّة الرابعة، التي  تُقرّر فيها ​الدولة اللبنانية​ تقسيط الديون المترتبة عليها للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وهو ما لم تلتزمه في المرات الثلاث السابقة، ما ادى الى تراكم هذه الديون لتتجاوز حالياً 3 الاف مليار ليرة (نحو ملياري دولار)

في الاسبوع الفائت ، اعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن تخوفه من حالة التراجع والتدهور التي يشهدها الوضع الاقتصادي في لبنان، معتبرا أن الموضوع يتطلب من الحكومة أن تبادر، دون إبطاء، إلى إعلان حالة طوارئ للتصدي إلى هذا الوضع وبحث سبل مواجهة مخاطره.

والاسبوع المقبل،  مشروع قانون ​الموازنة العامة​ امام الهيئة العامة في البرلمان  للتصويت ويبقى ان تعطى بعدها السلطة التنفيذية الضوء الاخضر لتسيير ما تبقى من نفقات وتجنّب اي خضات.