سيطر عنوان القروض المتعثرة على اللقاء الشهري بين حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة وجمعية ​المصارف​، حيث طالبت المصارف البنك المركزي بالتساهل في تصنيف الزبائن، خاصة بعد تراجع ​التسليفات​ بقيمة 4 مليارات دولار. وبرر الحاكم هذا التراجع في التسليفات بأن الزبائن تسدّد القروض من ودائعها.

وعلى الرغم من أن سلامة طمأن خلال الإجتماع لجهة إستقرار الأسواق في لبنان، وعن قدرة مصرف لبنان على مواصلة سياسته النقدية لجهة استقرار أسعار الصرف والفوائد. لكنه أعرب عن أمله في أن يستفيد لبنان من توجه المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الحفاظ أو خفض معدلات الفوائد، ولو بطريقة غير مباشرة، أملاً أن تتحسن السيولة فتتراجع في اثرها الفوائد. كما أمل أيضا بتحسن الأوضاع مع موسم صيف، متمنيا ان نشهد إيجابيات بعد وضع ملف الكهرباء على سكّة الحلّ، وقرب بدء التنقيب على الغاز في السنة المقبلة… كل هذا يثبت أن تحسن الأوضاع مرتبط حكماً بملفات وتطورات غير مضمونة حتى الساعة، مما يطرح العديد من الأسئلة، ويبقي هامش القلق موجود في الفترة المقبلة.

فما هي تأثيرات تراجع التسليفات على الحركة الإقتصادية بشكل عام ؟ وهل التحسّن مرتبط فقط في إنخفاض الفائدة عالمياً ؟ ماذا عن التجاذبات السياسية الواضحة والتأخر في إنجاز ​الموازنة​ ؟ وهل سنتمكن من تحقيق تحسّن ملموس في ظل البطء الشديد في إتخاذ القرارات اللازمة ؟ وهل الإعتماد على صيف جيّد كافٍ لتحقيق نسب نمو مقبولة ؟ وهل فعلا سنتمكن من خفض العجز إلى 7.5% كما ورد في مشروع الموازنة؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة الأنطونية د. ​جورج نعمة​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما هي تأثيرات تراجع التسليفات على الحركة الإقتصادية بشكل عام ؟ وهل التحسّن مرتبط فقط في إنخفاض ​معدلات الفائدة​ عالمياً ؟

تراجع التسليفات يعود لأسباب عديدة، ولكن السبب الرئيسي لهذا التراجع هو إرتفاع نسب الفوائد عالميا وإنعكاسها على نسب الفوائد في السوق المحلي، إضافة إلى عدم توفر قدرة لدى المصارف المحلية للتسليف بالليرة اللبنانية، ف​المصارف التجارية​ اليوم تعطي تسليفات فقط ب​الدولار​، وبفوائد مرتفعة.

فالتسليف بالليرة له حدود معينة، والمشكلة الأكبر الموجودة اليوم هي ​إصدار سندات​ خزينة للدولة اللبنانية بقيمة 11000 مليار ليرة، فالمصارف غير قادرة على الإستجابة لهذا الإصدار، لأن المطلوب هو الإكتتاب بكمية كبيرة جدا مقابل فوائد شبه معدومة أو منخفضة. وفي ظل إقتصاد يعاني من عجز في ميزان المدفوعات تخطى الـ 5 مليارات دولار في عام 2018، وسياسة نقدية مبنية على سعر صرف ثابت وفوائد مرتفعة، لا يمكن للمصارف المخاطرة. فهي تدرك تماما أن هذين المؤشرين (تثبيت سعر الصرف، وميزان مدفوعات مكسور) يدلان على سياسية إقتصادية غير مستدامة، لذلك ترفض المصارف اليوم الإكتتاب بالسندات، وشهيتها التي كانت في السابق مرتفعة جدا، تراجعت وهبطت بشكل كبير.

كل هذه الظروف تنعكس سلبا على التسليفات، خاصة وأن مصرف لبنان أيضا فرض على المصارف التجارية نسبة معينة من التوازن بين التسليفات بالليرة وبالدولار، فعلى سبيل المثال طلب مصرف لبنان أن يتم تحويل وديعة بالدولار إلى المصرف المركزي مقابل كل قرض مدعوم بالليرة اللبنانية، والمصارف التجارية غير قادرة على الإلتزام يهذا الطلب، لانها لا تمتلك كميات كبيرة من الدولار.

أضف إلى كل ذلك أن ​المستهلك​ لم يعد يمتلك الشهية أيضا للإستدانة بالدولار مقابل فوائد مرتفعة، خاصة ان الوضع الحالي ليس سليماً.

أما بالنسبة لإنعكاس تراجع التسليفات على السوق، فهي بلا شك ستؤدي إلى إرتفاع وتيرة التباطؤ الحاصل في حركة الإستهلاك، وسط حركة إستثمار معدومة أساساً، وبالتالي سينعكس ذلك سلبا على كافة المؤشرات الماكروإقتصادية، وعلى نسب النمو.

بعد تشكيل الحكومة بعنوان "إلى العمل" .. نشهد اليوم على تجاذبات سياسية واضحة وبطء كبير في إتخاذ القرارات، فهل سنتمكن فعلا من تحقيق الأهداف المنشودة وخفض العجز ؟

بداية يجب ان نعترف بأن هذه الموازنة ليست واقعية، فمن المستحيل اليوم تخفيض العجز من 11.5% إلى 7.5%، خاصة اننا لم نقر الموازنة بعد، وحتى لو تمكنا من إقرارها هذا الشهر، فلن يكون امامنا سوى 6 أشهر لتطبيقها. ولكن بنفس الوقت موازنة العام الحالي تؤسس لموازنة العام 2020.

اما بالنسبة للتجاذبات والخلافات السياسية، فالسبب معروف، خاصة أن قرارات تخفيض النفقات وكبحها لا تكون قرارات شعبوية عادة، والقوى السياسية تحاول التهرب من المسؤولية. ولكن بنفس الوقت، هذه القوى مجتمعةً تعرف تماما بان العجز الذي إرتفع بين عامي 2017 و 2018 من 6000 إلى 9500 مليار ليرة، لا يمكن أن يستمر، ويجب إحتواءه بأسرع وقت وإلا فإننا نسير نحو الإنهيار. ولكن للأسف هناك بعض القوى السياسية التي لا ترغب في تحمل المسؤولية في بعض القرارات غير الشعبوية، لكي لا تخسر قاعدتها الشعبية.

هل تتوقع أي عرقلة أو تأخير لمشاريع "سيدر" خاصة ان هذه المشاريع مرتبطة بمدى إلتزام لبنان بوعوده بتخفيض العجز وإقرار الإصلاحات ؟

لا يمكننا ان نجزم في هذا الموضوع، خاصة ان هذه المشاريع غير مرتبطة بقرار محلي، بل بقرار سياسي دولي تأخذه الدول المانحة، ف​المجتمع الدولي​ اليوم يعرف تماما بان الموازنة المطروحة وأرقامها غير واقعية وغير حقيقية، وبالتالي فإن القرار يتعلق بالمانحين، فإذا سار المجتمع الدولي قدما في مشاريع "سيدر" - بغض النظر عن الموازنة وأرقامها – فهذا يعني أن هناك قرار بتغطية لبنان وعدم السماح للوضع الإقتصادي بالتدهور والإنهيار، لأن هناك مصلحة لهم في هذا الموضوع.

ولكن إذا ما حصل العكس قد نشهد على تاخر لمشاريع "سيدر". لذلك لا يمكن الجزم في هذا الأمر، والقرار يعود فقط للمجتمع الدولي وليس للسلطة السياسية الحاكمة.

هل تؤيد التوقعات التي تتحدث عن صيف مميز هذا العام ؟ وماذا عن نسب النمو في نهاية العام ؟

كل المؤشرات اليوم تدل على صيف واعد سيكون الأفضل منذ سنوات، وفي حال حصل هذا الأمر ولم نشهد على اي خضة أمنية أو سياسية، فإنه سيعطي دفعة جيدة للإقتصاد، ومتنفّس نحن بأمس الحاجة إليه.

ولكن الصيف الواعد والجيد لن يحل الأزمة الإقتصادية، بل يساهم فقط في التخفيف من وقعها، وفي تمديد فترة صمودنا لا أكثر.

أما بالنسبة لنسب النمو، فلا يمكننا تحديد رقم معين، ولكن موسم سياحي جيد سيساهم في رفع نسب النمو قليلا لتكون إيجابية، إلا أنها لن تتخطى في أفضل الأحوال الـ 2.5 إلى 3%.