عندما ننظر الى نشاط ​القطاع العقاري​ في ​لبنان​، سنلاحظ على الفور أنه ليس بأفضل أحواله، اذ يعدّ واحدا من القطاعات الأشد تضررا من جراء الأوضاع الصعبة، والتي تناضل في سبيل الإستمرار، وخاصة في ظل عدم التوصل الى حلول لموضوع الإسكان.

فأسعار ​العقارات​ التي ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، تتخطى مداخيل معظم فئات الشعب اللبناني، ما يحدّ من القدرة على شراء عقار ما في السوق المحلي. وبالتالي، يلجأ المواطنون بالدرجة الأولى الى ​القروض المدعومة​ - "المعلّقة" في الوقت الحاضر - ولو كانت الدفعات الشهرية المتأتية عنها "بتقصّ الضهر".

اذ لا تزال هذه المعضلة تشكل أزمة وطنية تمس آلاف اللبنانيين، وتلقي بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على حياتهم اليومية. فرغم الوعود الكثيرة، لم نشهد الى حد اليوم، على أي تحسّن في هذا الملف، وسط استمرار الجمود.

كما أن ​الموازنة​ الجديدة لم تتطرق الى الإجراءات التي من شأنها إعادة الثقة في القطاع العقاري الللبناني، وتحفيز انطلاقته، ومنها تخفيف تكاليف الضرائب وخفض رسوم التسجيل، وتأمين القروض المدعومة.

لكننا نتحلى بطبيعتنا، بروح التفاؤل، ومن هنا، لن نلتفت الى الجانب السلبي من الأزمة العقارية القائمة في البلاد، بل سنتطرق الى البحث في الحلول التي ستسهم في حلحلة هذه المشكلة. وذلك في ظل تأكيد المعنيين بأن القطاع لا يتجه الى الانهيار، بقدر ما يعاني من ركود في حركة المبيعات. ومن هنا، تم العمل على مقاربة الموضوع عبر مبادرات مختلفة، في ظل غياب الاستراتيجيات الحكومية.

فكيف يمكن وصف الحركة في الأسواق العقارية مع الاقتراب من انتهاء النصف الأول من عام 2019؟ ما هو مصير القطاع؟ وكيف يمكن تحفيز الشراء في ظل استمرار أزمة الإسكان؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع رئيس الاتحاد العقاري الدولي (FIABCI)، ونقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان"REAL" ، وليد موسى:

أشار رئيس لجنة المال والموازنة النائب ​ابراهيم كنعان​ الى أن "القروض المدعومة المخصّصة للإسكان ملحوظة في الموازنة"، فهل من الممكن أن نشهد على حلول لهذا الملف في المستقبل القريب؟

في الإجمال، من الضروري اليوم أن تعتمد الحكومة خطة إسكانية كاملة، من أجل الحصول على دعم واضح المصدر للقروض السكنية. ولكن لا نلاحظ في مشروع قانون الموازنة، وجود أي مبالغ لدعم هذه القروض، اذ أن الأموال التي حكي عنها تشكل نسبة 10% فقط من قيمة الدعم الذي كان موجودا عام 2017، ما يعني أنها غير كافية لتغطية حاجة الطلب السكني في لبنان.

وبالتالي، للأسف لا توجد أي أخبار مطمئنة حوال اقتراب الحل لأزمة الإسكان. ومن هنا، نعمل على إيجاد بعض المصادر لتأمين الدعم، ومنها تشريع طابق "الشاحط"، الموجود في الأبنية السكنية، والذي لا يسجّله المطورون. اذ يجب العمل على قوننته والسماح بتسجيله، ودعم قروض الإسكان من عائد تسجيله. بالاضافة الى زيادة الاستثمار في بيروت بمعدل بسيط، ما سيؤدي الى رفع مدخول الدولة ودعم صندوق الإسكان.

فاذا لم تكن الدولة قادرة اليوم على تقديم الدعم المباشر، يتوجب عليها، وبشكل طارئ، إيجاد مصادر أخرى لدعم القروض السكنية للطبقة محدودة الدخل، أي للقروض التي لا تتخطى الـ220 ألف دولار.

ما هي الطرق الأخرى التي من شأنها تحفيز الاستثمار في القطاع العقاري وخاصة في ما يتعلق بالشقق السكنية، في ظل استمرار أزمة الإسكان؟

نشجع على تنفيذ "الإيجار التملكي"، أي يستأجر الشخص شقة معينة على فترة ثلاث سنوات، والمبلغ الذي يدفعه خلال هذه الفترة كبدل للإيجار، يتم خصمه من سعر الشقة الذي اتفق عليه مسبقا في العقد الموقع مع صاحب العقار، ويكون بذلك قد اشترى هذه الشقة.

وعند اتخاذ خيار الشراء بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، سيتم خصم المبالغ التي دفعها، من سعر الشقة الكامل. وبهذه الطريقة، سيصبح الشخص قادرا على العيش في منزله الخاص، ويكون بدل الإيجار الشهري الذي يسدّد، بمثابة دفعات من ثمن المنزل.

وهذا الأمر يتم في الوقت الحاضر عبر اتفاق بين الطرفين، بسبب غياب التشريع، في حين أن هناك مشروع قانون للإيجار التملكي في لجنة فرعية في ​مجلس النواب​ منذ عام 2013، ونتمنى على المسوؤلين البت فيه لأنه يشجع عملية الشراء، ويحفز الرغبة لدى البائع والشاري، خاصة عندما يكون الأمر منظما بالقانون؛ فنحن بحاجة ماسة الى هذا القانون، لأنه يشكل أحد الحلول الفعالة في ظل غياب القروض السكنية المدعومة.

كيف تقيم وضع القطاع العقاري منذ بداية عام 2019 والى حد اليوم؟

القطاع العقاري بأكمله بحاجة الى المساعدة، وذلك لأنه يعاني من حالة جمود، أما العمليات العقارية المسجلة خلال عام 2019، فتحصل لسببين: إما الشراء بأسعار مغرية، وإما الحاجة (مثل الزواج).

وفي اللقاء الذي شاركنا فيه، والذي جمع ما بين القطاعين العام والخاص، توصلنا الى حوالي 30 اقتراحا، تتطرق الى جوانب عدة لها علاقة بالضرائب، والسياسة الإسكانية، واتباع نهج سكني يؤدي لتحفيز القطاع،...

ويتوجب على الدولة الأخذ بعين الاعتبار هذه المقترحات التي قمنا بإرسالها الى جميع المعنيين، وقد طالبنا بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص لوضع خطة سكنية طارئة يجب اعتمادها على المديين القريب والبعيد.

كيف ستتمكن من إفادة القطاع العقاري في لبنان بعد استلامك رئاسة الاتحاد العقاري الدولي، خاصة وأنك اللبناني الأول الذي يستلم هذا المركز؟

من خلال منصبي الجديد، سأدعو الى اجتماع لمجلس إدارة الاتحاد، الذي يتألف من 25 شخصا من دول مختلفة في العالم. وذلك لكي يزور الأعضاء لبنان، ويتعرفوا الى وضع القطاع العقاري المحلي، من أجل المساهمة في تحفيز ​الاستثمارات الخارجية​.

وبالاضافة الى ذلك، سأسعى بكل جهودي، لتقديم المساعدة في ما يتعلق بالسوق العربي. وفي حال نجاح موسم الاصطياف الحالي، وعدم حصول أي حوادث سلبية، نأمل أن نتمكن من إعادة تشجيع الاستثمار العربي في لبنان؛ فالمستثمر الخليجي يعدّ الأكثر جاذبية للعقارات في لبنان، وعميلها الأساسي.

وبالتالي سأستغل منصبي لإعادة جذب المستثمر العربي الى لبنان، ولكن المطلوب اليوم فقط تحقيق الاستقرار السياسي وعدم التراشق إعلاميا بالمواقف ضد الإخوان العرب و​الخليجيين​، لأن القطاع لم يعد قادرا على احتمال المزيد من التأجيل.

هل سيعود المستثمر العربي والخليجي الى لبنان، خاصة بعد الحديث عن عودة السياح خلال الموسم الجاري؟

أنا متفائل من المرحلة المقبلة، وذلك لأن جميع الانفراجات تبدأ من السياحة. ومن الواضح اليوم، أن ​القطاع السياحي​ بدأ يشهد على عودة السائح الأجنبي والخليجي.

وقد علمنا أن بعض السعوديين جاءوا الى لبنان خلال عطلة عيد الفطر، والبعض الآخر سيأتي خلال أشهر الصيف القادمة؛ ومن هنا، عندما يأتي السائح، ويشعر بالسعادة والارتياح، ستعود رغبته بشراء العقارات.

فنحن ننطلق مجددا اليوم من الصفر، واذا نجح موسم الاصطياف في لبنان، نتمنى أن تعود الرغبة في الاستثمار. وبالاستناد الى هذا الواقع، نأمل أن يمر الموسم على خير، دون حصول أي ضغوط أو تهديدات من أجل استعادة الثقة المفقودة ببلدنا.