يُقال إن "فرص النجاح في هذه الحياة كثيرة جداً ومتنوعة، لكن العديد من الأشخاص لا يستغلونها، لأنها تأتي في ثياب عمل شاق"، وبالتالي فإن الإنجاز هو نقطة الالتقاء بين التحضير الجيد والفرص التي تمر، والنجاح هو التعلم من الأخطاء والتجارب الفاشلة من أجل تفادي تكرارها، كما أن استغلال الفرص يعدّ أساس عالم ​ريادة​ الأعمال!

ورائد الأعمال ال​لبنان​ي جاد داغر اهتم بالفرصة التي انتزعها بنفسه، وليس في تلك التي منحت له على شكل وظيفة ثابتة، فتوقع النتائج والرؤية النهائية لهدفه، وتحمل المخاطرة الموجودة في ما هو جديد، فأثبت أن المغامرات الصعبة ليست مرعبة إذا نظرنا إليها من الوجهة الصحيحة، أي وجهة النجاح، والطموح لا يتحقق عبر البقاء في منطقتنا الآمنة؛ اذ يقول الكاتب البريطاني دينيس ويتلي أن " المخاطرة الوحيدة التي يجب أن تتجنبها بأي ثمن هي مخاطرة عدم فعل أي شيء".

فلنتعرف أكثر الى مؤسس شركة "Expand"، المدرب والمستشار لرواد الأعمال، جاد داغر، في هذه المقابلة الحصرية مع موقع "الاقتصاد":

من هو جاد داغر؟

تخصصت في مجال الخدمات المصرفية والمالية (banking and finance)، وبعد التخرج، عملت لفترة كموظف في مصرف، وبدأت بعد ذلك باستلام مشاريع مستقلة، من خلال التعاون مع شركات ومؤسسات تسعى لتطوير أعمالها؛ وهذا الأمر لم يكن ضمن نطاق عملي، وبالتالي كنت أقدم هذه المساعدة كخدمة.

ولكن بعد فترة، تزايد عدد الأشخاص الذين يطلبون خدماتي، ولم أعد قادرا على الاهتمام بكل واحد منهم وإعطائه الوقت الكافي، فقررت حينها تحديد سعر لهذه الخدمة، ووافق الجميع على ذلك، وبدأ المشروع بالتطور أكثر فأكثر مع مرور الأيام، حتى أسست عام 2004 شركة "Expand".

وأنا اليوم خبير في تطوير الأعمال، ومستشار إداري معتمد (Certified management consultant)، أستطيع ممارسة نشاطي المهني في أكثر من 54 دولة في العالم.

أما عملي فيتمثل في تطوير الشركات (شركات تسعى الى التأسيس، أو شركات موجودة في السوق وتهتم بالتوسع)، فنحن نتعاون معها من أجل تحقيق النمو المرجو ضمن خدمة كاملة ومتكاملة؛ اذ نقوم بداية بتقييم الشركة، ومن ثم نطور خطة العمل المناسبة، وبعد ذلك، نعمل على تطبيق هذه الخطة. وفي النهاية، نتابعها للتأكد من أنها تسير بشكل صحيح، وتلتزم بالوقت المحدد وبالنوعية المطلوبة.

كيف تمكنت من نيل ثقة الناس من أجل تكوين قاعدة من الزبائن الأوفياء؟

انطلق نشاطي المهني عام 2002 على نطاق ضيق وصغير، يقتصر على الشبكة المحيطة بي من الأصدقاء والأقارب. وخطوة بخطوة، توسع عدد الطلبات على خدماتي الاستشارية، وكونت قاعدة ​اتصالات​ واسعة، اكتسبتها من خلال العمل الميداني. وبعد حوالي سنتين، انطلقت بشكل رسمي عبر "Expand".

ما هي العوامل التي أتاحت لشركتك النجاح وضمنت استمراريتها طوال هذه السنوات؟

أولا، الالتزام دائما بالوقت، وخاصة عند مواعيد التسليم.

ثانيا، نحن لا نقدم النظريات، ولا نفرض على الزبائن نظاما صارما ومتشددا، بل نتعاطى معهم بطريقة عملية وواقعية؛ أي نتعرف الى طريقة عملهم، لكي نسعى بعدها الى إيجاد نظام معين يتناسب مع نشاطاتهم المهنية.

ثالثا، نعمد الى قياس النتائج المحققة؛ فعندما نبدأ بالتعامل مع شركة معينة، نتعرف الى جميع أرقام هذه الشركة (المبيعات، المصاريف، الموظفين، الوقت المخصص للقيام بمهام معينة،...)، وعلى أساس هذه المعايير، نقوم كل فترة، بإعادة تقييم النظام المتبع، لكي نرى مدى فعاليته في تحقيق التقدم المطلوب.

فاذا التزمت الشركة بتطبيق ​خطة عمل​ معينة، ودرّبت الموظفين عليها، وتابعت التفاصيل، ووضعت أدوات القياس المناسبة، وعملت على تسويق خدماتها، واهتمت بالأرقام، ستتمكن حتما من التقدم.

رابعا، السمعة الجيدة والنتائج المحققة خلال سنوات عملنا ساعدتنا أيضا على الاستمرار.

ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على التقدم كرائد أعمال؟

أولا، الطموح والأمل من الصفات التي تساعد الانسان في الحفاظ على الحماس والعزيمة، وخاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي نمر بها.

ثانيا، السعي الدائم الى زيادة المعرفة، اذ أركز يوميا على تعلم كل ما هو جديد، من خلال القراءات والفيديوهات والتدريبات.

ثالثا، الموضوعية، أي عدم استغلال العملاء بسبب معرفتنا بالثغرات الموجودة لديهم؛ وهذا المبدأ قد يؤدي في بعض الأحيان الى خسارة جزء من الأرباح، لكنه يكسبني في المقابل مصداقيتي بين الناس، ويثبت سمعتي الجيدة في السوق.

ما هي أهدافك المستقبلية؟

طموحاتي كثيرة وغير محدودة، اذ أسعى أولا الى تطوير نطاق عمل شركة "Expand"، والتوسع أكثر الى خارج لبنان.

وأهتم أيضا بنشر خدمات الشركة عبر ​الانترنت​، ولقد بدأنا بهذا المشروع منذ فترة ووصلنا الى حوالي 14 بلدا؛ اذ أعمل على أن تكون نسبة 80% من العمل عبر الانترنت، لكي نسافر عند الحاجة فقط.

من ناحية أخرى، أسعى الى زيادة فريق العمل من أجل التعاون مع أكبر عدد ممكن من الجهات، وتغطية جميع أنواع الشركات؛ أي الصغيرة، المتوسطة والكبيرة.

وبالاضافة الى ذلك، أطمح على المدى البعيد، أن أؤسس مركزا خاصا لاستقبال الأشخاص من لبنان والخارج، يكون بمثابة فندق يتيح لهم الانقطاع بشكل كامل عن العالم لكي يطوروا أنفسهم وقدراتهم.

من شكل لك القدوة في مسيرتك المهنية؟

في نطاق عملنا، لا يوجد قدوة للتمثل بها، بل هناك العديد من قصص النجاح والأشخاص الملهمين، أكان على الصعيد المحلي أم العالمي. فكل زبون أتعرف اليه، أعتبره شخصا ناجحا وأتعلم منه شيئا.

ولا بد من الاشارة الى أنني أحصل على الإلهام من الأشخاص الناجحين في لبنان، أكثر من أولئك الذين حققوا الإنجازات في الخارج، وذلك لأنهم واجهوا ظروفا صعبة وتقدموا رغم التحديات والعوائق الكثيرة.

من قدم لك الدعم في رحلتك الطويلة؟

في البداية، لم أتلق الدعم من أحد، بل على العكس كان الجميع معارضا لخطوة التخلي عن وظيفتي الثابتة، من أجل المخاطرة بمستقبلي وتأسيس شركتي الخاصة.

ولكن مع الوقت، وبعد أن بدأت النتائج بالظهور، تغيرت النظرة، ولاقيت ثقة كبيرة ودعما واسعا من العائلة والأصدقاء.

هل تشعر بالتقصير تجاه وقتك الخاصة بسبب نشاط المهني؟

التوازن موجود ولكن بصعوبة، وبطبيعة عملي، لا أستطيع تحقيق التوازن اليومي أو تحديد دوام معين ومحدد للعمل.

ومن هنا، أعمد الى تكريس عطلات نهاية الأسبوع للعائلة. وبالاضافة الى ذلك، عندما أشعر ببعض التقصير بسبب الاجتماعات أو السفرات المتواصلة، أخصص يوم عطلة للعائلة من أجل التعويض، الى حد ما، عن الوقت الضائع.

ما هي نصيحة جاد داغر الى رواد الأعمال والشركات الناشئة في لبنان؟

تطغى موضة ريادة الأعمال على عقول ​الشباب​، وتقنعهم بضرورة تقديم الأفكار الضخمة، لكن الواقع ليست كذلك أبدا. ومن هنا، عليهم الانطلاق بأفكار صغيرة وبسيطة، وذلك لأن السوق بحاجة الى البساطة والفعالية في المجالات كافة (الطعام، المشروبات، الملابس، ​التصميم​، المحاسبة،...). وبالتالي عندما يجد الشخص فكرة أو مهنة يستطيع من خلالها تقديم قيمة مضافة لمحيطه، سيحجز مكانته الخاصة في السوق.

فكل مهنة قادرة على درّ الأرباح، والإمكانيات موجودة حتما في لبنان، ولكن على كل شخص أن يخلق مساره الخاص. كما عليه الخروج من خانة "الاعتيادي"، لكي يخلق فرصة فريدة وجاذبة.

ففي كل شركة، ينطلق معظم الأشخاص الناجحين بمنصب عادي، وبعد أن يثبتوا قدراتهم، يحصلون على الترقيات المتتالية. أما بالنسبة الى عالم الشركات، فالعديد من الأشخاص لا يحققون النجاحات المتوقعة، وذلك لأنهم ينتظرون قدوم الزبون الى أبوابهم، وبالتالي لا يسعون لاستقطابه.

ولا بد من الاشارة الى أن الأوضاع اليوم صعبة على الجميع، ولكن يجب أن يشجعنا هذا الواقع على العمل بجهد أكبر. فكل الأفكار قابلة للتحقيق، وخاصة في ظل وجود أدوات عدة للتطور، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك، فإن النجاح بحاجة الى التحلي بالذكاء، وتطوير المهارات، والبقاء على اطلاع على أبرز اتجاهات السوق.