لا شك أن المرأة هي نصف المجتمع بكل ما في الكلمة من معنى، وذلك بسبب دورها المركزي، وقيمتها الإضافية، ومساهمتها في تحقيق التنيمة الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا، تبرز أهمية تمكينها والاهتمام بقدراتها، بالإضافة الى إعطائها الفرص المتساوية مع الرجل لكي تحقق أكبر النجاحات.

والمرأة تشكل النصف من الناحية العددية، لكنها بالفعل عماد المجتمع، ومدرسته ومربّيته الأولى.

ومؤخراً، نشهد حضورا لافتاً للمرأة اللبنانية في المجالات كافة، اذ أثبتت نفسها، وأظهرت مهاراتها، كما عززت مكانتها في العديد من المناصب العليا، وشاركت في عملية التنمية والقيادة.

ومايا مرجي يونس تُعتبر من أهم السيدات الرائدات في لبنان، وقد لمع اسمها كواحد من الأسماء المعروفة في عالم المشاريع الناجحة والشركات الناشئة وتمكين المرأة. وقد قدمت العديد من التضحيات خلال مسيرتها، لكنها شقت الطريق بتأنٍّ، واجتازت الصعوبات بحرفية، حتى وصلت الى ما ترمي اليه.

وفي هذا الإطار، كان لـ"الاقتصاد" لقاء خاص مع رئيسة مجموعة التسويق في "Bank BLC"، مايا مرجي يونس، للحديث عن مسيرتها المهنية، وإنجازاتها الكثيرة، وما تمثله من نموذجاً ناجحاً وقيادياً للمرأة.

- من هي مايا مرجي يونس؟ وما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

بات لدي اليوم خبرة لأكثر من 20 عاما في القطاع المصرفي. تخصصت في مجال التسويق في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU"، وبدأت بالعمل كأمينة صندوق في بنك "American Express"، وانتقلت بعد فترة الى قسم خدمة الزبائن.

وعندما قام البنك ببيع أصوله وممتلكاته الى "Credit Libanais"، توجهت الى قسم التسويق. ولكن بعد حوالي سنة، حصلت على فرصة عمل جديدة في "بنك بيروت رياض"، حيث استلمت رئاسة قسم التسويق. وبعد ذلك، باع أصوله الى "Bank of Beirut"، فلم أستسلم بل انتقلت أيضا وعملت لمدة ثلاثة أشهر.

وفي تلك الفترة، كنت أبحث عن وظيفة شاغرة، ووجدت منصب رئيسة قسم التسويق في "Bank BLC"؛ مع العلم أن هذا القسم كان شبه غائبا في تلك الفترة، وبالتالي كنت بمفردي دون أي موظفين، أو حتى منتجات وخدمات.

فاجتهدت وثابرت ودرست السوق بدقة، الى أن خلقت منتجات تلبّي احتياجات الزبائن، وغيرت صورة البنك، كما وسّعت فريق العمل، حتى أصبح القسم مؤلفا من عشرة موظفين.

ومنذ حوالي سبع سنوات، بدأنا بالاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة، فأصبحنا البنك الأول في لبنان متعهّداً بدعم تلك المؤسسات مدركين أهميتها ومؤمنين بمستقبلها الواعد. بالإضافة إلى ذلك، ابتكرت مبادرة "WE Initiative" لدعم القدرات الاقتصادية للمرأة، فصرنا بالتالي البنك الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ملتزمًا بدعم وتمكين المرأة اقتصاديًا. فالبنك بطبيعة الحال، يقدم الخدمات المالية المتنوعة، مثل القروض، والودائع، وحسابات التوفير، وغيرها. لكن قرّرنا أن نبذل جهوداً إضافيةً وأن نوفّر أكثر من مجرّد حلول مالية من خلال إضافة خدمات التدريب والإرشاد وورش العمل، كما أطلقنا الموقع الإلكتروني الذي يتيح التعرف إلى شبكة واسعة من الأشخاص، من أجل الانفتاح نحو الأسواق الجديدة.

وبجانب ذلك، أطلقت جوائز المبدعين بالأعمال "​Brilliant Lebanese Awards​"، وهي الأولى من نوعها في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. ونحن ننظم اليوم هذه المسابقة للسنة الثامنة على التوالي، ولقد تمكنت من عرضها مباشرة على شاشة الـ"LBCI". فعلى الرغم من تقلّبات الوضع الاقتصادي، ها نحن نثبت مرّة جديدة أنّنا نواجه أي تحدٍ بحزمٍ وإصرار.

ولا بد من الاشارة، الى أنه ليس من الضروري أن تكون الشركات المشاركة من زبائن "Bank BLC"، بل من المهم أن تكون ناجحة ومميزة. اذ يهمنا دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومساعدة الشباب وتشجيعهم على البقاء في لبنان، لكي يصبحوا قدوة ومثالا لغيرهم.

- هل ارتفع عدد النساء اللواتي يلجأن الى "Bank BLC" من أجل الحصول على القروض لإطلاق أعمالهن الخاصة؟

نعم بالطبع، خاصة أن التوعية باتت أكبر، والحماس أصبح أقوى. فعندما ترى المرأة أن غيرها تمكن من تحقيق النجاح، ستشعر بقدرتها على اتباع هذا المسار أيضا.

وبالاستناد الى إحصائيات ​مصرف لبنان​، قمنا بدراسة، وتوصلنا الى أن القروض المعطاة للنساء في كل لبنان، زادت بنسبة 100% خلال السنوات السبع الماضية، وذلك من خلال التوعية التي خلقها "Bank BLC". كما أن المصارف التجارية الأخرى تشجعت على إعطاء القروض للنساء دون أي انحياز.

ومن خلال أبحاثنا، وجدنا أيضا أنه قبل ثماني سنوات، كانت المرأة التي تتوجه الى المصارف من أجل الحصول على قرض، مضطرة للإجابة على أسئلة متحيزة جدا، مثل "أين زوجك أو شقيقك أو والدك لكي يضمنك؟"، وكأنها غير قادرة على تأمين الدعم لنفسها فقط لأنها امرأة!

ولا شك أنها تواجه تحديات أكبر من الرجل، فالمجتمع يتوقع منها تربية الأولاد، وتدريسهم، وتنظيف المنزل، وتحضير الطعام، وغيرها من الأمور. وبالاضافة الى ذلك كله، عليها أن تعمل مثل زوجها تماما. فالزوج يعود في نهاية اليوم، لكي يرتاح في منزله، في الوقت الذي تبدأ فيه الزوجة فور وصولها، دوام عمل جديد.

ونحن نفتخر فعلا بالنساء اللواتي نجحن تماما في تحقيق التوازن بين العمل والمنزل، وحققن الإنجازات المهنية والشخصية معا.

- هل تشعرين بالتقصير تجاه واجباتك العائلية والاجتماعية بسبب انشغالاتك العملية؟

التقصير موجود حتما، بالاضافة طبعا الى التعب والجهد والإرهاق. فأنا أغادر المنزل عند الثامنة صباحا، ولا أعود قبل السادسة مساء، وبالتالي لا أمضي الوقت الكافي مع زوجي وأولادي.

لكنني أستفيد قدر الإمكان من الفترات المخصصة للعائلة، مهما كانت قصيرة، وأهتم بنوعية الوقت، وذلك من أجل التواجد الى جانب أولادي من الناحية المعنوية، والاستماع الى مشاكلهم والعمل على حلها.

- هل تعرضت الى أي تمييز في إطار العمل بسبب كونك سيدة عاملة في منصب إداري؟

نعم بالطبع واجهت تحديات كثيرة، ولطالما صادفت جهات مشككة بقدراتي، وتحاربت من قبل أشخاص يعتقدون أنني لا أستحق المركز الذي أتواجد فيه أو أنني وصلت "بالواسطة" وليس بسبب تضحياتي وتعبي على مرّ السنوات.

فالتضحيات التي قمت بها كانت قاسية وصعبة، إذ بالإضافة إلى طموحي، عملت بجدارة وناضلت رغم الصعوبات حتى وجدت النجاح الذي أبحث عنه. فالمثابرة أساس النجاح والبراعة.

وتجدر الاشارة الى أن اليد وحدها لا تجيد التصفيق، فلولا تفهم زوجي ودعمه الدائم، لما وصلت الى ما أنا عليه اليوم.

- كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة عاملة وناجحة؟

أقول دائما أنني لا أعرف الفشل، وهذا هو شعاري في الحياة! فكلما واجهت تحديا، لا أنظر اليه من الناحية السلبية، بل أعتبره بمثابة فرصة بالنسبة لي؛ فاذا كنت لا أعرف، أتعلم، واذا كنت أتحارب، أجد الحلول الديبلوماسية!

فأنا أطمح دائما الى الأفضل، وأتحدى نفسي بشكل يومي. لقد ضحيت وتعبت وعانيت، لكنني وصلت بالنهاية الى النتيجة المرجوة، فبفضل إصراري، مكافحتي، صلابة إرادتي وقدرتي على التحمل.

- ما هي طموحاتك المستقبلية؟

طموحاتي لا تتوقف، وسأتحدى نفسي على الدوام لأنني أعي تماما قدرتي على تقديم المزيد من العطاء. كما لدي الطاقة المطلوبة من أجل الاستمرار وتحقيق المزيد من النجاحات.

- نصيحة الى المرأة.

من المهم أن تستمع المرأة الى نفسها، ولا تهتم للانتقادات السلبية من الناس أو المحيط، أو حتى العائلة في بعض الأحيان.

فالبعض يرى أن المسيرة المهنية ليست أساسية بالنسبة الى المرأة، في حين أنها ضرورية ومفروضة على الرجل. ولكن لقد أثبتّ للجميع على مر السنوات، أنه لا يوجد أي فرق بيني وبين زوجي؛ فهو يتعب وأنا أتعب أيضا، هو يثابر وأنا أثابر أيضا، هو يضحي وأنا أضحي أيضا!

ومسؤوليتي ليست محصورة بالبقاء في المنزل، في حين أن زوجي يعمل من أجل تأمين المدخول.

وبالتالي اذا استمعت المرأة الى ذاتها، وتعرفت الى إمكانياتها، وسعت دائما الى زيادة معرفتها، وتحسين مهاراتها، دون الالتفات الى الانتقادات السلبية، ستتمكن حتما من تحقيق أكبر الإنجازات.