في الاسبوع ما قبل الأخير من آيار ، ​الصناعة​ تصدرت الاهتمام الاقتصادي بعد الموازنة العامة. وتعددت الاراء حول جدوى الحوافز التي بدأت مشوارها الطويل الى هذا القطاع ، الذي أهمل لحقبات سابقة . والانظار مشدودة اليوم الى ما يمكن ان تحققه استعادة عافية الصناعة للاقتصاد الوطني ، سيما وان هوية ​لبنان​ الخدماتية لا تفارقه ولا تغيب عن بال بعض واضعي الخطط الاقتصادية .

في الميزان التجاري ، الصناعة هي الرقم الصعب الذي يتحكّم ببوصلة التراجع والارتفاع.

بينما كان العجز التجاري كبيرا من الناحية الهيكلية منذ نهاية الحرب الأهلية، ازداد تدهور الميزان التجاري في لبنان مع اندلاع الاضطرابات الإقليمية. فالصادرات اللبنانية (من البضائع والخدمات) تضررت بشدة من جراء الاضطرابات الإقليمية، رغم ان انخفاض حصتها من الناتج المحلي الإجمالي كان قد بدأ منذ العام 2008 ، حيث بلغت هذه الحصة 1.78 بالمئة .وبحلول العام 2017 ، تراجعت الصادرات بشكل حاد حيث بلغت 36 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، المستوى الأدنى منذ العام 2002 . وتقاسمت البضائع التجارية والخدمات معا هذه الديناميكية. وتضررت صادرات البضائع التجارية على وجه التحديد بسبب إغلاق آخر ممر عبر سوريا في أيار 2015 ، الذي كان المصدرون يتمكنون من خلاله من الوصول إلى ألاسواق الخارجية .

فنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان يتباطأ بشكل حاد منذ العام 2010 ، لكن محركاته الرئيسية لا تزال في الخدمات التي تتميز بانخفاض الإنتاجية وانخفاض القدرة على توظيف العمالة ذات المهارات العالية. وشكل قطاع الخدمات 4.72 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة 2004 – 2016 ،في حين شكلت الصناعة والزراعة نسبة أقل بكثير، أي 14 بالمئة و3.4 بالمئة من الناتج على التوالي. أما العقارات فهي أكبر قطاع للخدمات، إذ بلغ متوسطها 7.13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها.

ويرى البنك الدولي اختلاف القطاع الصناعي اللبناني، بالمقارنة عما هو عليه الوضع إقليميا وعالميا. فهيكل الاقتصاد الكلي في لبنان، الذي يعتمد بشدة على السياحة والعقارات على حساب الصناعة والزراعة، يجعل الاقتصاد عرضة للصدمات السياسية والاقتصادية. وفي هذا السياق، يحتاج لبنان إلى التركيز على إمكاناته الصناعية وتقديم الحلول للقيود العديدة التي تعوق مؤسساته الصناعية عن العمل بكامل طاقتها. وتتمثل إحدى الإمكانيات لتعزيز القطاع الصناعي في السياسات الصناعية المكانية، وعلى الأخص المناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة، التي تدعم زيادة الاستثمار والقدرة التنافسية في القطاع الصناعي. وينبغي إيلاء عناية خاصة للحوافز الضريبية التي تشير الأدلة إلى أنها غير فاعلة وقد تؤدي بدلا من ذلك إلى تشوّهات مثل نقل الشركات القائمة إلى المناطق الصناعية بدلا من إنشاء أعمال جديدة. وفي ظل ظروف مناسبة، أثبتت المناطق الصناعية نجاحها في مختلف المواقع والصناعات في كل أنحاء العالم، ما يجعلها أداة جذابة في لبنان.

وفي احد تقاريره يسلّط البنك الدولي الضوء على مسارين أساسيين للخروج من حالة الإفلاس التي وصل اليها الاقتصاد اللبناني الأول يتعلق بالمناطق الصناعية التي أطلقتها وزارة الصناعة خلال الفترة الأخيرة، والثاني يتعلق بالقطاعات التكنولوجية. هذان القطاعان مهمان لخلق الوظائف، وهما خطوة نحو استدامة النموّ لأنهما أقل عرضة للمخاطر الخارجية مقارنة بالمحركات التقليدية للنمو الاقتصادي في لبنان، أي محرّك السياحة ومحرّك العقارات. وأبعد من ذلك، فإنهما يسهمان في إبقاء راس المال البشري في السوق المحلية علماً بان السوق التصديرية تبقى محتملة، ما يخلص لبنان من الاعتماد على التدفقات الخارجية ويخفف من مخاطر عجز ميزان المدفوعات.

العوائق

ابعد من ذلك ، فنّد البنك الدولي دراسة عن العوائق التي تواجه المصانع اللبنانية. أكبر العوائق هي الكهرباء اللازمة للصناعة، وتمويل الاستثمار الصناعي. وتليهما معدلات الضريبة المعمول بها في لبنان، ثم كلفة الأرض القابلة للاستثمار الصناعي، وبعدها قوانين العمل، وكلفة الرسوم الجمركية وتخليص البضائع. الأقل تأثيراً هو مهارات العمّال، والسوق غير النظامية، والنقل، والتراخيص .

ان عدم توافر الكهرباء بشكل دائم في لبنان ينعكس سلباً على الصناعة اللبنانية.

ويقدر البنك الدولي الخسائر السنوية للصناعة اللبنانية بسبب انقطاع الكهرباء ب 400 مليون دولار، والقيمة الاضافية التي تتكبدها عملية الانتاج الصناعي من جراء هذا الانقطاع 23% من كلفة الانتاج، لأن تأمين الطاقة عن طريق المولدات غالٍ بسبب غلاء المواد الاولية النفطية لعدم توافرها في لبنان، وهي تأتي عن طريق الاستيراد المُكلف. وهذا الامر ينعكس زيادة على كلفة انتاج السلع اللبنانية، وبالتالي خفظ قدرتها التنافسية في الاسواق المحلية والخارجية.

وفي ملخص دراستها للوضع الاقتصادي في لبنان تعتمد خطة "​ماكنزي​" على تحويله من اقتصاد ريعي الى انتاجي .

وابرز ملامح خطة ماكنزي في مجال الصناعة:

اعطاء الاولوية لـ4 قطاعات صناعية هي: الاغذية والمنتوجات التسويقية مثل العطور ومستحضرات التجميل اضافة الى تصنيع الادوية، ونظام البناء الحديث .

أخيراً ، وفي إطار المحاولات التي تعيد الاعتبار للقطاعات الانتاجية ، خصّ مشروع الموازنة العامة حماية الصناعة بإجرائين:

الأول فرض نسبة 2 بالمئة على كل المستوردات ما عدا الأدوية والسيـــــارات الصديقة للبيئة، والمواد الأوليّة التي تدخل في الصناعة والزراعة.

والإجراء الثاني فرض رسم نوعي على 20 منتتج تتعرض للمنافسة غير المشروعة والإغراق.

بالنسبة للرسم 2 في المئة على الاستيراد، سيسمح بتوفير التمويل والذي تم تحديده بـ35 في المئة من الاموال التي تجبى من هذا الرسم، لتحفيز القطاع الصناعي ودعم قطاع الاسكان.

وفق رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل ان الآثار التضخمية لرسم الـ2 في المئة على الاستيراد ستكون شبه معدومة، وان التخويف من حصول زيادة في الأسعار على المستهلك ليس في محله على الاطلاق، وفي الوقت ذاته ان تخصيص الدولة 35 في المئة من الأموال التي يجبيها هذا الرسم لتحفيز الصناعة ودعم قطاع الاسكان والتي سيتم الحصول عليها ابتداء من العام 2020، سيكون له مردود كبير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك ستكون آثار الـ65 في المئة التي ستذهب للخزينة جلية للحفاظ على استدامة المالية العامة.

ويلفت الجميل الى ان هناك دول صديقة لم تشملها الاجراءات الوقائية، فدعا الى اجراء حوار وبشكل سريع مع المعنيين فيها لوقف الضرر عن الصناعة اللبنانية.

بدوره يؤكد النائب نعمت افرام ان العمل على هذه القرارات بدأ منذ العام 2000 وتم التوصل اليه اليوم. وسيأخذ الاقتصاد حجمه ومكانته الطبيعية. وقال:" ان هذه القرارات اتت نتيجة رقمين الاول ارتفاع حجم الاستيراد الى عشرين مليار دولار سنوياً بعدما كان ثلاثة عشر مليار دولار في العام 2010، والثاني بسبب ارتفاع العجز في الموازنة الى سبعة مليارات دولار.

فرض رسم 2% هل هو كاف؟

اقتراح جمعية الصناعيين فرض رسم بنسبة 10في المئة على السلع المستوردة والتي يوجد مثيلا لها في لبنان والتي تغطي 60 في المئة من احتياجات السوق المحلية منعا للاحتكار.

ويعتبر الجميل ان انقاذ الاقتصاد الوطني ووضعه على طريق التعافي والنهوض مهمة كبيرة لكنها ليست مستحيلة، خصوصاً اننا نمتلك الكثير من المقومات والقدرات التي ستساعد على ولوج هذا المسار إذا أحسنا استخدامها، خصوصاً تحفيز واحتضان الصناعة الوطنية. واعرب عن ثقته ان تكون الصناعة من الاولويات في المرحلة المقبلة، خصوصاً لجهة الاستجابة لمتطلبات تقويتها وتحفيزها وزيادة صادراتها، لكنه ناشد الدولة بتوفير الحل وبشكل فوري لزيادة الصادرات الصناعية والصناعات التي تستخدم طاقة مكثفة. وأضاف: كلنا ثقة بقدرة القطاع على رفع صادراته بسرعة خاصة انه لدينا قدرات انتاجية موجودة سمحت لنا بتصدير 4،5 مليارات دولار عام 2011. وتعبيراً عن قناعتنا بقوة ومناعة الليرة كنا اقترحنا في السابق، ونعيد اليوم هذا الاقتراح القاضي بالحصول على هذا الدعم من خلال سندات خزينة تدفع في الليرة اللبنانية في المستقبل.

يذكر انه في 27 آذار الفائت ، وقّع النواب الصناعيون: نعمة افرام، شوقي دكاش، نزيه نجم، نقولا نحاس، محمد سليمان، آغوب ترزيان، ميشال ضاهر، روجيه عازار، ميشال معوض وفؤاد مخزومي، الذي مثّله نبيه نعمان، "مذكرة تفاهم صناعية" تم تسليمها إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الكتل النيابية.

وفي المذكرة تعهّد النواب "بالعمل على تحقيق مطالب الصناعيين، وأبرزها حماية السوق المحلي عبر وقف الإغراق، ووقف التهريب، ووقف المنافسة غير المشروعة، وإلزامية شراء المساعدات العينية للنازحين السوريين من الصناعة اللبنانية، وإلزامية تطبيق المواصفات اللبنانية على الاستيراد، والتشديد على مبدأ المعاملة بالمثل.

وتضمنت المذكرة "ضرورة تفعيل الصادرات، وزيادة القدرة التافسية للصناعة اللبنانية، وتخفيض أكلاف الكهرباء الصناعية، وتأهيل المناطق الصناعية، وإعفاء الصناعيين من ضريبة الأملاك المبنية على الأبنية الصناعية، ودعم المعارض المتخصصة لترويج الصناعة".

اهمية الصناعة

يسهم قطاع الصناعة في إيجاد فرص عمل، وكلما زاد حجم الإنتاج الصناعي أفقياً وعمودياً نقص عدد العاطلين عن العمل.

- يسهم في زيادة الدخل الوطني، فعندما ترتفع نسبة إسهام قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي تزداد الصادرات ويقل عندئذ الاعتماد على تصدير المواد الأولية كالنفط مثلاً.

- يسهم في رفع مستوى الإنتاجية، وذلك لأنه من أكثر القطاعات قدرة على تطبيق استخدام التقنية والتكنولوجيا الحديثة وهذا يسهم في رفع الإنتاجية.

- يسهم في رفع معدل النمو في الاقتصاد الوطني ويساعد على رفع النمو في القطاعات الأخرى أيضاً مثل قطاع الزراعة وقطاع الخدمات لترابط العلاقات بينه وبين القطاعات الأخرى؛ فقطاع الصناعة يمد قطاع الزراعة بكثير من مستلزمات الإنتاج مثل الآلات الزراعية الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية... إلى آخره. كما يعتبر في الوقت نفسه مجالاً لتسويق كثير من المنتجات الزراعية التي يتم تصنيعها في قطاع الصناعة. من ناحية أخرى، فإن نمو بعض الصناعات يدفع صناعات أخرى مرتبطة بها إلى النمو، إضافة إلى قدرة قطاع الصناعة على ابتكار واختراع منتجات وسلع صناعية جديدة، مما يسهم في رفع معدل النمو الاقتصادي.

في مطلق الاحوال ، النهوض بالصناعة يحتاج لاكثر من خفض رسوم ، لرزمة تدابير تتطلب موافقة سياسية بعد التوجيهات الدولية .