في إطار دراسةٍ أعدتها "مؤسسة من أجل عالم خال من التدخين" الأميركية لعام 2018 حلّ ​لبنان​ أولاً في نسبة المدخنين مسجّلاً أرقاماً هي الأعلى بين 13 دولة شملها المسح الذي يهدف إلى فهم تجارب المدخنين وتحدياتهم وتحليل وعيهم بأثر التدخين على صحتهم وتقييم تصورات المخاطر والتأثير على اختياراتهم. وقد شمل المسح 17 ألف مشارك في 13 دولة إضافة إلى استخدام معلومات من مجموعات عاملة داخل هذه البلدان.

وبيّنت أرقام المسح أن 57.5% من الذكور اللبنانيين ممن تبلغ أعمارهم 18 سنة وما فوق مدخّنون، في مقابل 48.4% من الإناث المدخّنات. وجاءت هذه الأرقام نتيجة المسح الذي أجري على عيّنة شملت 500 مستطلع فوق 18 عاماً، القسم الأكبر منهم بين 25 و39 عاماً، ونحو نصفهم من منطقة جبل لبنان.

وقد تصدّر لبنان قائمة الدول الـ13 التي شملها المسح وخلفه تباعاً كل من: جنوب أفريقيا، روسيا، اليونان، فرنسا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، اليابان، "إسرائيل"، الهند، مالاوي، البرازيل ونيوزيلاندا.

وتبيّن أن 68% من المدخنين اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع قالوا "إنهم يدخنون في كل مرة يشربون فيها القهوة أو الشاي"، وتمثّل هذه ثاني أعلى نسبة لهذه العادة بعد اليونان (91% يدخنون مع القهوة والشاي). وقال 63% إنهم يدخّنون بعد تناول وجبة طعام، فيما أشار 58% الى أنهم يميلون إلى التدخين في كل مرة يرون فيها أشخاصًا يدخّنون حولهم. وكانت هذه النسبة الأعلى لهذه العادة مقارنةً ببقية الدول.

وأشار موقع المؤسسة بشأن "حال التدخين في لبنان" إلى مصادقة الحكومة اللبنانية على اتفاقية منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ، وإلى قانون منع التدخين في الأماكن العامة والأماكن المغلقة (رقم 174/ 2012) الذي لم يقترن بالتطبيق سوى في المرحلة الأولى بعد ست سنوات على إصداره.

وفي موازنة العام 2019، لا نقول أن هذه الدراسة أو النتائج الصحية للتدخين هي الدافع، لكن وافقت الحكومة على طرح وزير الاقتصاد اللبناني، منصور بطيش، بفرض ضريبة 1000 ليرة لبنانية (أي ما يعادل 0.67 دولار أميركي)، على كل "نفس نرجيلة" يتم تقديمه في المطاعم والفنادق والمؤسسات المرخصة، من ضمن سلسلة ضرائب جديدة. ولكن هل سيتم تنفيذ القرار أم سيكون كسابقاته من القرارات؟ ما هو حجم الإيرادات المتوقع تحقيقها من هذا البند؟ وبعد اعتراض وزير ​السياحة​ ​أواديس كيدانيان​على القرار، ما هو الأثر المتوقع على السياحة؟

مجدلاني

يشير النائب السابق ​عاطف مجدلاني​، الذي لعب الدور الأبرز في اقرار قانون منع التدخين السابق خلال ترؤسه لجنة الصحة في المجلس النيابي، إلى أنه لا يرى إمكانية لتطبيق الضريبة الجديدة، فقال: "بموجب القرار الجديد يجب دفع ألف ليرة عن كل "نفس أرغيلة"، من يعلم عدد الأراغيل في كل مقهى؟ وهذا الزبون، كم عدد "الأنفس التي دخّنها"؟ من سيراقب هذه العملية؟ هل سيوظّفون مراقب لكل مقهى؟!".

وعن حجم الإيرادات المتوقعة، أوضح مجدلاني: "بما أن آلية التنفيذ ليست واضحة بعد، ومن غير المعلوم إذا كانت الحسابات دقيقة، لا يمكن توقّع حجم الإيرادات".

وأضاف: "كان من الأسهل تنفيذ قانون الحدّ من التدخين في الأمكان العامّة المغلقة ان كانت سياحية أم لا. تنفيذ هذا القانون يحقّق الإيرادات من خلال المخالفات التي قد تحصل. الأهم، هو أنه يوفّر على خزينة الدولة عبر موازنة وزارة الصحّة الكثير من الأعباء، فكما نعلم التدخين هو السبب الرئيسي لمرض السرطان الرئة والمثانة، الأكثر انتشاراً في لبنان، كما أنه السبب الرئيسي لنشفان الشرايين والذبحات القلبية. كلفة معالجة الأمراض الناتجة عن التدخين سنوياً تفوق 350 مليون دولار"، مشيراً إلى أن " عدم تنفيذ قانون الحد من التدخين في الأماكن العامة يعدّ مخالفة دستورية".

وأسف مجدلاني لما يجري الحديث عنه بخصوص تأثير القرار على السياحة "إذا ألقينا نظرة على البلدان السياحية التي تطبّق قانون الحدّ من التدخين، يمكن أن نرى تركيا وفرنسا الللتان تستقبلن أكبر عدد من السياح في العالم".

وأضاف: "هل للبنان، الـ5000 سنة من الحضارة وآثاراته، أن تعتمد السياحة فيه على النرجيلة؟ هذا أمر معيب بحقّ بلدنا".

يشوعي

ومن جهته الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي، فأوضح انه يرى في القرار ازدواج ضريبي "تم فرض ضريبة على التبغ منذ مدة غير بعيدة، وهذا موضوع لا يجوز...كما أنني لا أعلم كيف سيتم التنفيذ، لست واثقاً من جدوى الآلية التي سيتم اتباعها".

أما عن إمكانية فرض ضريبة على تدخين السجائر أيضاً فقال: "انطلاقاً من أن القرار ليس لغايات صحية ولا صلة له بالفكر الاقتصادي الواسع والرؤية الاقتصادية السليمة، فقد جاء فقط لتحقيق الإيرادات من سلع يمكن تقاضي الضريبة عنها، وبما أن استهلاك السجائر واسع ولا يمكن احتسابه فمن غير الممكن فرض ضريبة عليه، أما السلعة الرئيسية أي علبة السجائر فقد تمّ فرض ضريبة عليها منذ مدة غير بعيدة كما قلت سابقاً".

وختم يشوعي بالقول: "مشاكل هذا البلد وعجزه تحتاج الى حلّ جذري، لا نفع لهذا القضم من هنا وهناك. نحتاح الى تحويل كافة الخدمات العامة بشفافية ودون محاصصة الى قطاع خاص محلي ومشترك مع الخارج لضخ الرساميل بالإضافة الى وقف التهرب الضريبي... وليس بـ1000 ليرة على نفس الأرغيلة...يكفي فرض للضرائب دون إجراء تحسينات تقابلها".