يُقال "هناك من يبحث عن السعادة، وهناك من يصنعها!"... ورانيا ابراهيم ديب حوّلت ضعفها الى قوة، ومصيبتها الى انتصار، ومأساتها الى رسالة إيجابية، وحزنها الى تفاؤل بالمستقبل. فاستطاعت أن تتخطى الألم وتتحداه، لتصنع الأمل بغد أفضل...

لم تسمح للحياة بأن تغير ابتسامتها بل استخدمت هذه الابتسامة لتغيير الحياة.

وعلمت أن الحزن ﻻ يجدد الماضي، وﻻ يرد الغائب... فتركته جانباً وابتسمت...

رانيا ابراهيم ديب هي سيدة مناضلة وقوية من جهة، ولطيفة ووديّة من جهة أخرى. بدأت من الصفر في مهنة تحبها، بعد أن عملت لمدة عشر سنوات في مجال آخر، لتؤكد بذلك أن ال​نجاح​قابل للتحقيق في أيّ مرحلة عمرية.

في هذا الحوار، تتحدث مؤسسة مشغل "​Le Coin De Nicolas​"، رانيا ابراهيم ديب، لموقع "الاقتصاد" عن تجربتها المهنية، متطرقة إلى بداياتها، ومروراً بكل ما مرّت به من صعوبات وتحديات.

- أخبرينا أكثر عن خلفيتك الأكاديمية، وما هي المراحل التي مررت بها قبل تأسيس "Le Coin De Nicolas"؟

تخصصت في التصميم الغرافيكي، وحصلت على ماجستير في هذا المجال من "جامعة الروح القدس – الكسليك"، "USEK".

تخرجت عام 2007، وافتتحت مكتبي الخاص في منطقة الزلقا، حيث كنت أستلم  مشاريع التصميم الحرة. وبالاضافة الى ذلك، بدأت في السنة ذاتها، بالتعليم في جامعات عدة في لبنان. واستمريت بهذا النشاط حتى عام 2014، وقد توقفت حينها عن التعليم وأكملت مسيرتي في التصميم.

أما في عام 2015، فبدأت أشعر بالفضول حول قوالب الحلوى والحلويات المختلفة. ومن هنا، عمدت للحصول على دورات عدة مع طهاة أجانب، وعبر الانترنت أيضا. وكان الأمر بمثابة هواية أمارسها مع عائلتي وأصدقائي.

وبعد حوالي سنة، تعرض شقيقي نيكولا الى حادث سير في نهاية آب 2016، أدى الى وفاته. وبعد هذه الحادثة المؤلمة، تغيرت حياتنا بالكامل، وقررت حينها القيام بمشروع للحفاظ على اسمه وذكراه.

وبسبب حب نيكولا للحلويات التي أحضرها، انطلقت بـ"Le Coin De Nicolas" في بداية شهر تشرين الأول من السنة ذاتها. وبعد سنة من العمل في المنزل - تعرّف خلالها الناس الينا، وزادت الطلبيات، وانتشر اسمنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي - شعرت في آب 2017 أن الوقت قد حان للتوسع الى متجر خاص، والحصول على مكان رسمي لهذا المشروع.

ومن هنا، اخترت مشغلا في منطقة زوق مكايل، وعملت على تجهيزه خلال فترة حملي بطفلي الثاني، الى أن تمت الولادة في نهاية آب، وحصلت حينها على إجازة الأمومة لمدة أسبوعين فقط، عدت بعدها الى العمل في المشغل.

وركزت على أن يكون هذا المشغل قريبا من منزلي ومنزل والدتي، وذلك لأنني أهتم كثيرا بأولادي، وأحرص على تواجدهم معي والى جانبي على الدوام. وحتى في المشغل، خصصت لهم غرفة تضم ألعابهم ومقتنياتهم؛ ومن هنا، لا أشعر بالتقصير تجاه العمل أو الأولاد، على حد سواء.

- هل تعتبرين أن مشروعك حقق النتائج المتوقعة منه؟

المشروع ينمو ويتطور بشكل سريع، والناس يحبون كثيرا جميع المنتجات التي أقدمها. وأنا بدوري، أسعى دائما الى تقديم الأفكار الجديدة والمبتكرة.

ولا بد من الاشارة الى أنني توقفت عن ممارسة أي عمل آخر منذ إطلاق "Le Coin De Nicolas"، وذلك لأنني أردت إعطاءه كل وقتي وجهدي. فعندما يعمل الانسان من صميم قلبه، ويسعى لإيصال رسالة معينة، سيقدم كل اهتمامه لخدمة مشروعه وضمان استمراريته.

- برأيك، لماذا نجح هذا المشروع وتمكن من منافسة شركات أخرى تعمل في هذا المجال منذ فترة طويلة؟

أولا، من الناحية النظرية، لقد ساعدني عملي في التصميم الغرافيكي الى حد كبير في مشروعي الجديد، وخاصة من ناحية التسويق والتعبئة والتغليف، وغيرها من الأمور. وبالتالي، أنجح في إيصال فكرتي بطريقة صحيحة واحترافية.

ثانيا، الابتكار على مستوى التصميم والمنتج بحد ذاته. فعندما نخلق المنتجات الجديدة للزبائن، سيشعرون بالفضول حولها، وسيتحمسون لتجربتها؛ مثل المعمول الملوّن، والمعكرون بأشكال جديدة، والنكهات المميزة،...

ثالثا، الجمهور يتأثر كثيرا بالرسالة التي أحملها. وعندما يتواصل معي الزبائن، يلاحظون أنني أقوم بهذا العمل من أجل قضية معينة. وبالتالي لا أتعامل بشكل معهم تجاري 100%، مثل الشركات الأخرى الموجودة في الأسواق، والتي تهتم فقط ببيع منتجاتها.

ومن هنا، أعمل مع الزبائن بضمير وعن قرب، كما أنصحهم، وأتابعهم، ولا أغشهم أبدا ؛ وهذا ما يلاقي تقديرا واسعا.

رابعا، الأسعار مقبولة نسبيا بالنسبة الى الجودة التي أقدمها، فأنا لا أساوم أبدا على نوعية منتجاتي.

- ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على التقدم؟

الصفة الأهم هي أن يكون الانسان لطيفا في تعامله مع الأشخاص؛ فقد عملت لمدة سبع سنوات كمضيفة طيران، خلال فترة الدراسة الجامعية، وهذا العمل علّمني أن أكون ديبلوماسية ولطيفة وودّية مع الناس، وأن أتواصل معهم دائما بابتسامة عريضة؛ فالمتلقي يشعر بالارتياح عادة لهذه العناصر الأساسية.

- هل لديك هدف أو حلم للمستقبل؟

الحلم لن يتوقف أبدا، وبالتالي سأسعى دائما الى إيصال الرسالة التي أؤمن بها. اذ أريد أن يتطور مشروع "Le Coin De Nicolas" أكثر فأكثر لكي يصل الى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

كما أطمح أن يصبح مشغلي أكبر، لتقديم المزيد من المنتجات، وتوسيع قاعدة الزبائن.

لكن الأوضاع القائمة صعبة جدا، وتدفعنا للتفكير بطرق للبقاء والاستمرار، قبل التخطيط للتوسع. وأعتقد أنه لولا تمسكي بهذا المشروع، لما وصلت الى ما أنا عليه اليوم.

- من يشكل لك قدوة في الحياة والعمل؟

أتمثل دائما بوالدتي وشقيقي الكبرى جورجينا، وأتعلم من طريقة تعاملهما مع الأمور والوقائع والناس.

فوالدتي مرّت بظروف قاسية للغاية، ولا زالت الى حد اليوم نشيطة وإيجابية وحنونة، كما أن الابتسامة لا تفارق وجهها على الإطلاق!

وشقيقتي جورجينا ناجحة ونشيطة، تحب كل الناس، وتعمل بجدية وإصرار.​​​​​​​

- هل تلقيت الدعم من محيطك العائلي والاجتماعي خلال مسيرتك المهنية؟

تلقيت التشجيع من عائلتي وزوجي، ففي هذا النوع من الأعمال، لا يمكن التقدم خطوة واحدة في حال كان الدعم غائبا.

ومنذ حوالي سنة، نتعاون، زوجي وأنا، في العمل في مشغل "Le Coin De Nicolas". وبالتالي نساند بضعنا البعض لتقديم الدعم العملي والمعنوي.

فالمشغل هو نحن جميعا، ويمثل كل فرد من عائلتنا؛ أي زوجي ووالدتي وشقيقتي وأولادي وأنا. اذ نعمل يدا بيد، بطريقة أو بأخرى، من أجل تطوير هذا المشروع وتوسيعه.​​​​​​​

- نصيحة الى المرأة.

أولا، لقد عملت كمصممة غرافيكية لفترة طويلة، تعدّت حدود العشر سنوات، وخلال تلك الفترة كنت أبحث عن نفسي. ولكن اليوم، مع "Le Coin De Nicolas" تعرفت الى ذاتي، وقررت إيصال الرسالة التي أؤمن بها.

مهما تقدم العمر بالانسان، سيبقى قادرا على الانطلاق من الصفر في المجال الذي يستهويه.

ثانيا، بغض النظر عن كلام الناس أو الشريك أو حتى الأهل، عندما يشعر الانسان بشيء ما في داخله، عليه ملاحقته مهما اشتدت الصعاب. وبالتالي، حين يمارس المهنة التي يحبها، سيشعر بالفرح، حتى ولو ازدادت الضغوط وارتفعت حدّة التعب.