انتشر مفهوم ريادة الأعمال مؤخراً، ولكن هذا الأمر يقتصر على "الوصف" فقط، فقبل تسميته ثمة من كان يقوم بذلك من دون وجود مسميات رسمية..

عادة ما نسمع عن قصص رياديّة لرجال، وهذا مفهوم مغلوط.. فمن قال أن النجاح مقتصر

على الرجال فقط، فشخصيتنا اليوم تتمحور حول سيدة بدأت كموظفة، لتصبح مديرة ومن بعدها أسست شركتها الخاصة مع زوجها، لتصبح اليوم رائدة أعمال ومدربة متختصصة وأستاذة جامعية.

اتخذت من عالم التدريب رسالة جوهرها "تطوير الشباب" ليس فقط مهنياً إنما على صعيد نظرتهم لمستقبلهم ولواقعهم بنظرية خالية من المفاهيم المكتسبة غير الدقيقة التي نتشربها من طفولتنا لتنعكس على مسار حياتنا الإجتماعية والمهنية.

ولنتعرف أكثر على شخصية هذه السيدة كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسِسَة "Nena Training"– "New Empowerment Needs Action" نينا أبو عتمة التي شاركتنا أبرز محطات حياتها المهنية وقدمت نصائح للشباب من خلال تعاملها الدائم معهم.

- كيف تختصرين مسيرتك الأكاديمية وكيف ساهمت في بلورة بداية حياتك المهنية؟ 

تخصصت في مجال إدارة الأعمال في جامعة "NDU"عملت كموظفة لمدة 5 أعوام في شركات عدة، إستلمت خلالها مناصب تتطلب حس بالمسؤولية. هذه التجربة، شجعتني انا وزوجي لتأسيس شركتنا الخاصة.

عملت كرائدة أعمال لمدة 18 عاماً رغم أن هذا المصطلح يبدو جديداً في هذا العصر إلا أنني كنت أطبق دون ان أدرك التسمية.

"خلال السنوات،اضطر زوجي للسفر للخارج، وبالتالي قررنا بيع إحدى شركاتنا وبقيت الثانية ولكن تم نقل نشاط عملها ليكون رقمياً.

وعندها بدأت أفكر بوسيلة يمكنني من خلالها أن أوّظف كل الخبرات التي اكتسبتها، عرضت علي صديقتي ندى جريصاتي أن أنضم لتدريب يخرّج مدربين، وعندما توجهت لورشة العمل إكتشفت أن هذه الأمور التي نتعلمها كنت أمارسها دون أن أعرف وأنها ضمن مهارات القيادة والمدربين.

وتمكنت من خلال هذا التدريب أن أركز علي هذه المهارة بشكل جديّ وأدرُسها بالتفاصيل.

بعد ذلك إبتكرت مفهوم "Concept" خاص بي.

كيف تطورت رؤيتك للتدريب بعد مباشرتك للعمل به؟ ومن هي العينة المستهدفة من تدريباتك اليوم؟

عندما قررت أن أدخل للسوق بشكل رسمي، كنت أبحث عن القيمة المضافة التي يمكنني أن أقدمها لكي أتميّز في السوق. عندها بدأت بدراسة السوق، لاحظت أن الطلب متجه نحو خدمة الزبائن ولكنني لم أجد نفسي في هذا المجال.

خلال عملية البحث ودراسة السوق إكتشفت وجود فجوة، ووجدت أن هناك عنصراً مفقوداً في السوق، وخلال إستراتيجية "by Anthony RobbinsRapid planning method " التي تستخدم للوصول للأهداف بطريقة مختلفة وسريعة، بدأت أعمل على هذه الإستراتيجية التي وجدتها في البداية لا تتناسب مع ثقافتنا العربية ونظرتنا للأمور، لذا بدأت بتشكيلها لتتناسب مع الواقع العربي.

خلال هذه الفترة بدأت بتقديم تدريبات لعدة شركات وأفراد من مختلف الإختصاصات والمجالات.

بالتوازي مع ذلك بدأت بالتدريس في كل من جامعتي "AUB" و "LAU" خلال "Honors Program" في البرامج المتخصصة. وإكتشفت من خلال تعاملي مع الطلاب أن هدفي لهذا العام هو خلق توعية عن كيفية إدراك وجود مفاهيم مغلوطة خاطئة إكتسبناها من خلال تربيتنا بحسب ثقافتنا، استفزني اننا ننشا في المنزل والتعليم على أفكار خاطئة وتبعدنا عن طريق النجاح والسعادة . إكتشفت أن العديد من هذه المفاهيم التي نُقلت إلينا تؤثر على مسيرتنا المهنية ونظرتنا للواقع بشكل مباشر.

كلنا ترعرعنا على مفاهيم غير دقيقة أو على نمط موحد ومعيّن يجب الإنصياع له، إنما في الحقيقة الطرق كثيرة ومتنوعة.فعلى سبيل المثال لدينا معتقد منتشر جداً وحتى أننا نسمعه يومياً وهو: "أنا لا أتغيّر." هو معتقد خاطئ، لأننا نتغيّر كل يوم سواء إعترفنا بذلك أو لا، لا أحد منا يشبه نفسه في العام السابق..

إن الكلمات التي نستخدمها في يومنا تؤثر على أفكارنا وتصرفاتنا وإذا إنتبهنا لهذا العامل يمكن أن تجعلنا في مكان أفضل! إذا لاحظنا كيف نتكلم مع أنفسنا نكتشف أننا في العديد من الأحيان مسؤولون عن تحطيم أنفسنا بأنفسنا نفسياً وهذا بالطبع أمر ينعكس على المسيرة المهنية ولا يقتصر فقط على الحياة الشخصية والاجتماعية.

لا شك أن السيطرة على أفكارنا السلبية وكلماتنا قد يكون أمراً يحتاج لفترة طويلة ليتم تغييره، فإستبدال العادات يتطلب وقت، ولكنه ليس أمراً مستحيلاً بالتأكيد.

هدفي لهذا العام هو التعامل أكثر مع فئة الشباب المفعمين بالطاقة والأفكار المبدعة، خاصة أن معظهم فقدوا الأمل في هذا الوطن.. فكل ما أسألهم عن أهدافهم أكثر من نصف الصفّ يعلن عن رغبته بالهجرة مما يقلقني لأنهم هم مستقبل البلد فإذا عزم الجميع على الهجرة، من يبقى ليجعل ​لبنان​ مكانا أفضل؟

الوطن لا يتغيّر إلا بتغيّرنا، وذلك بتغيّر نمط تفكيرنا وتصرفاتنا.. تغيرنا يؤدي إلى تغيّر حكامنا.. فعوضاً عن التركيز الإعلامي على الحُكام في العالم العربي، يجب أن يكون التركيز على الشعب، على طاقاته وتطلعاته، لأنه هو وحده المسؤول عن تغيّر ثقافة المجتمع وليست الأنظمة المكتوبة.

ما هي أنواع التدريبات التي تقديمنها ؟

أعطي تدريبات للأفراد والمجموعات في الشركات أو المؤسسات. إن الإستراتيجية التي أعلّمها يمكن أن تُطبق على الصعيد الشخصي، العلاقات العاطفية، وعلى عالم الأعمال سواء على موظف واحد أو مجموعة منهم.

من بعض التدريبات التي يمكن ذكرها هو تدريب أعطيته في جامعه “AUB-CEC” الذي كان موجها إلى 13 فريقاً متخصصين بالشأن العام. خلال هذا التدريب طلبت منهم أن يستخدموا الإستراتيجية التي علمتهم إيها وذلك لتأسيس شركة أو منظمة تخدم المجتمع وطلبت منهم أن يضعوا العراقيل والحلول، وذلك بهدف تنمية قدراتهم لتصبح "آلية البحث عن الحلول" عادة يستخدمونها في أي مجال. الملفت أن كل الفرق وضعت نفس المشكلة "فساد الدولة اللبنانية" .. للأسف وصل الشباب في لبنان إلى حالة إستسلموا فيها عن التفكير لأنهم فقدوا الأمل في وجود تغيير.

يجب ألا يسمح المستثمرين للشباب بالخروج خارج وطنهم وأن يعطوهم الفرص!

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهت مسيرتك المهنية؟

واجهت العديد من اللحظات الصعبة بالطبع، ولكن تخطي هذه الأمور لا ينبع إلا من الداخل، فعلى سبيل المثال من أكثر العادات التي تطلبت مني وقتاً لتخطيها هو السيطرة على أفكاري، وكلماتي بحيث لا أسمح لنفسي بأن إستخدم كلمات سلبية أو غير محفزة. هذه العملية تطلبت مني حوالي 7 أشهر.

السيطرة على أفكارنا هي الوسيلة لتكوين الحياة التي نطمح إليها.

برأيك ما هي أبرز مقومات النجاح؟

برأيي النجاح لا يأتي بتوفر عامل واحد أو صفة واحدة فقط، فهي عبارة عن باقة متكاملة ، ولكنها دائماً تبدأ بالثقة بالنفس لأنها أساس أي عمل، سلوك وحتى فكرة.

الثقة بالنفس تعني أن يحب الشخص نفسه وذلك من خلال السعي الدائم لتطويرها، كما تعني أن يكون سعيداً لنجاح الآخرين كما لنفسه.

الثقة بالنفس تخلق راحة نفسية، وهي أرضية خصبة لتحقيق إنجازات على مختلف الأصعدة.

فعلي الصعيد الشخصي، أنا دائمأ أسعى للحصول على أراء ذوي الخبرة وتعليقاتهم على عملي وحتى من المتدربين، فلا أحد منا معفي من الأخطاء ولكن كلنا مدعوون لتطوير انفسنا يومياً. 

ما هي مشاريعك الحالية؟

أتطلع خلال هذا العام للعمل أكثر مع فئة الشباب لأنني مؤمنة بأنهم وحدهم القادرين على تغيير مستقبلنا للأفضل.

نظراً لحبك للعمل والتعاون مع الشباب، ما هي رسالتك لهم من خلال خبرتك الخاصة؟

أدعوهم للإيمان بأنفسهم بشكل حصري، وأقول لهم لا تسمحوا لأحد بأن يملأ عليكم حياتكم أو يختار تخصصكم الجامعي لأن من شروط النجاح الأساسية هي حب المجال الذي نعمل فيه.

وعليهم أن يعملوا على تطوير أنفسهم يومياً فهذه العملية لا تتوقف ولا تنتهي. وعليهم العمل على أهدافهم بشكل يرشدهم إلى الطريق الذين يسعون للوصول إليها.

إن وصولكم لمنصب إداري بارز لا يبدأ بالشهادة الجامعية وينتهي عنده، فهنالك العديد من الخطوات التي على الشخص أن يقوم بها ليصل إلى أهدافه المهنية.

على الصعيد الشخصي، أنا لا أوافق الرأي الذي يقول أن :"سلم النجاح يبدأ خطوة خطوة"، فالبنسبة لي أي شخص الآن قادر على الإطلاع والبحث في الموضوع الذي يحبه ويدرسه بشكل مفصل ومن بعدها ينطلق، ليس من الضروري أن ينطلق من الصفر، فهذا السيناريو لا يمكن أن يُعمم! ولكن العبرة من هذا السيناريو هي أن على كل شخص أن يخوض غمار الإكتشاف في كل مجال بدءاً المعرفة إلى التعلّم من أخطاءه وأخطاء من حوله ومن سبقه بهاذ المجال.

فالإستثمار الشخصي في المعرفة والخبرة هو إستثمار لا يمكن خسارته أبداً، بل هو دائماً قابل للمضاعفة والتكاثر.

كما أن نسبة كبيرة من الشباب تعيش حالة من الصراع بين المحافظة على أيامهم الشابة وأن يقضوها بأقصى الحدود وبين بدأهم بتأسيس حياتهم المهنية، أقول لهم "التوازن هو خير ميزان بين المرحلتين". كما أنصحهم في التدريب على إدارة مصروفهم وعليهم أن يتعلموا أن يضحوا في بعض الأنشطة وذلك يتحدد بحسب سُلّم أولوياتهم الدراسية والمهنية.

هذه المرحلة دقيقة جداً في حياة الشباب لأنها عبارة عن الجسر الذي سيوصلهم إلى المرحلة الثانية وصولاً إلى أهدافهم الكبرى.

أخيراً، أود أن أذكر الشباب بأن السعادة والنجاح لا تكمن في تكديس الأموال، فهي وسيلة فقط وليست الغاية العظمى.