أعلنت نقابة موظفي ​مصرف لبنان​ عن إضراب مفتوح، اعتباراً من يوم السبت الماضي، احتجاجاً على المس برواتب الموظفين، في ​الموازنة​ التي تقوم الحكومة بدراستها. ولعلّ هذا الإضراب المفتوح هو الأول الذي تنفذه النقابة منذ إنشائها، ويأتي في لحظة حساسة على الأصعدة كافة؛ ماليا، سياسيا، واقتصاديا.

وقد عبّرت جهات عدة عن مخاوفها من تداعيات هذا الإضراب، كونه سيؤثر على السيولة بالعملة اللبنانية وعلى مستوى سعر العملات الأجنبية. كما سيلقي بظلاله على حركة الملاحة وعلى قطاع النفط لكي ينذر بأزمة محروقات في حال استمراره.

وبسبب إضراب موظفي مصرف لبنان أيضا، تباشر بعض الشركات النفطيّة، إبتداءً من اليوم، إجراءات لها علاقة بكيفيّة تسديد الشركات والموزّعين الذين تتعامل معها للمستحقّات الماديّة، إما نقداً أو بشيكات تُستحقّ في اليوم نفسه.

وفي ضوء ما يحصل على الساحة، يدعو الخبراء المواطنين اللبنانيين الى عدم الإصابة الذعر، بل توخي الحذر من المرحلة الراهنة بانتظار الحلول.

وللإضاءة أكثر على تأثيرا إضراب موظفي مصرف لبنان على الحالة العامة في البلاد، كان لـ"الاقتصاد" مقابلة حصرية مع الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة:

- ما هي تداعيات هذا الإضراب على الاقتصاد المحلي؟ وهل يمكن أن نلتمس تأثيراته في الأيام القليلة المقبلة؟

أولا، هذا الإضراب سيؤدي حتما الى صعوبة في سحب الأموال النقدية من المصارف، لأن هذه الأخيرة تحصل على الليرة اللبنانية من مصرف لبنان، وبالتالي اذا توقف المصرف المركزي عن تأمين السيولة النقدية، من الممكن أن تصبح أجهزة الصراف الآلي (ATM) مفرغة من الأموال بعد حوالي 3 أو 4 أيام؛ وهذا الأمر مزعج للغاية.

فالبعض قد يلجأ الى الدفع من خلال الشيكات وبطاقات الائتمان، ولكن السيولة النقدية لا زالت عاملا بديهيا وأساسيا في التعامل في لبنان؛ فاقتصادنا يعد اقتصادا نقديا الى حد بعيد.

ثانيا، سنعاني من مشاكل من ناحية المقاصة أي التبادل، وبالتالي في ظل غياب المقاصة في مصرف لبنان، لا يمكن دفع الشيكات الا في حال كان المصرف الذي يحصل على الشيك هو ذاته الذي أصدر هذا الشيك.

ثالثا، ستتأثر حركة الصرف والتبادل، وذلك لأن مصرف لبنان يحدد سعر الصرف.

ورابعا والأهم، إن النظام المصرفي أساسي جدا في لبنان، وبالتالي فإن إضراب من هذا النوع يمسّ بصورة لبنان وبسمعة قطاعه المصرفي، ما سيؤثر حتما على التحويلات والاستثمارات. ومن الممكن أن يفضل بعض اللبنانيين تحويل أموالهم الى الخارج، لأن هذا الإضراب يعد بمثابة سابقة خطيرة.

ومن هنا، نأمل أن ينتهي إضراب موظفي مصرف لبنان اليوم بعد الاجتماع مع حاكم مصرف لبنان. ولكن في حال استمراره سنواجه حتما هذه المشاكل.

ولا بد من الاشارة الى أن "عرض العضلات" في الداخل يعتبر مبدأ سيئا. فالنقابة من خلال هذا الإضراب تريد القول التالي: "إن لم تنفذوا ما نريده، وإن فكرتم بالمس برواتبنا، "منخربلكم بيتكم". وهذا الأسلوب في التعاطي سلبي، خاصة وأنه لم يتم بعد تخفيض راتب أي شخص. وبالاضافة الى ذلك، سيحث باقي الموظفين في القطاعات الأخرى على الإضراب.

وبالتالي فإن الموازنة العامة لا تعني موظفي مصرف لبنان، لأنهم يملكون موازنة خاصة بهم. وهذا التحرك يعطي صورة سيئة للبنان من جهة، ويزعج المواطنين في الداخل من جهة ثانية.

- الى أي مدى من الممكن أن تؤدي المذكرة التي أصدرها رئيس الحكومة سعد الحريري والتي دعا فيها الموظفين الى الالتزام بالمادة 15 التي تحظر القيام بأي عمل تمنعه القوانين والانظمة النافذة، والتي تحظر أيضاً في فقرتها الثالثة على الموظف أن يضرب عن العمل أو يحرض غيره على الاضراب، الى الحلحلة في موضوع موظفي مصرف لبنان؟

الإضراب يحصل رغما عن السلطة، لأنه يشكل احتجاجا على عملها، وبالتالي لا يتم بالتراضي. وأعتقد أن التدبير الأسوأ هو الذي يظهر الدولة خائفة من الإضراب، ما يعني أن "حيطها وطي".

أما الأمر الوحيد الذي بإمكانها القيام به فهو أن تتعامل بجدية في موضوع معالجة الموازنة. فجميع الدولة أصدرت موازناتنها قبل نهاية عام 2018، في حين أننا أصبحنا في شهر أيار، ولا زالت الطبقة الحاكمة تتسلى وتضيع الوقت؛ ومن هنا، فإن قلة الجدية في الحكم والحكومة، تدفع الناس الى أن "تتمرجل" على الدولة.

وبالتالي أنا متخوف من التفريط في وجود الدولة وهيبتها؛ فعندما تختفي هيبة الدولة، سيصبح من الصعب استرجاعها.

وبطبيعة الحال، ألوم الطبقة الحاكمة أكثر من الموظفين الذين يتصرفون بشكل خاطئ. فلو كانت قنوات الحوار موجودة لما وصلنا الى الوضع القائم في الوقت الحاضر. فمصداقية الدولة "مضروبة"، وهذا الأمر أخطر بكثير من تخفيض الرواتب.

- ما هي القطاعات الأكثر تأثرا في حال استمرار الإضراب؟

الحركة الاقتصادية في لبنان بشكل عام ستتعثر، لكن يجب أن لا يخاف المواطنون، بل عليهم أن يعوا أن إضراب مصرف لبنان والمصارف يشل حركة النقد والدفع، وبالتالي فإن كل القطاعات ستعيش في شلل، وحتى الحركة اليومية للبناني ستتعرقل.

وهذا الواقع سيؤثر حتما على الفئات كافة، وخاصة المواطن العادي الذي يستخدم، على سبيل المثال، الأموال النقدية أكثر من صاحب الشركات الذي يستعين بشكل أكبر ببطاقات الائتمان والتحويلات.

ومن الممكن أن تصبح أجهزة الصراف الآلي خالية من الأموال بعد أيام قليلة، اذا لم يتم تزويد المصارف بالسيولة النقدية.

واليوم نلاحظ أن عددا كبيرا من الأشخاص يتجهون لسحب الأموال نقدا من الصراف الآلي لأنهم حذرين. فالموضوع اليوم ليس متعلقا بالخوف، لأن المشكلة لم تطل النظام المصرفي ككل، ولم تأتِ نتيجة عقوبات خارجية على لبنان، بل ما يحصل هو حصيلة إضراب محلي داخلي ومؤقت.

وبالتالي، يجب أن لا نخاف من هذا الواقع، بل علينا أن نتوخى الحذر من ما يحصل.

وأشدد هنا على ضرورة الوصول الى حلّ بين الحاكم والموظفين لكي يتم تعليق الإضراب وتعود البلاد للسير بشكل اعتيادي، شرط أن يقوم المسؤولون بالعمل الموكل اليهم.

فصدقية الدولة والحكومة مضروبة اليوم، وهنا تكمن المشكلة الأساسية التي تدفع بالأشخاص الى الإضراب.

- في موضوع الموازنة المطروحة، يقول البعض أن التقشف سيخدم الاقتصاد في حين أن البعض الآخر يؤكد العكس. أي نظرية تؤيد؟

يجب النظر أولا الى كيفية تطبيق هذا التقشف؛ اذ علينا التقشف من ناحية محاربة الفساد والسرقة، ووقف الهدر، وخاصة في موضوع الجمعيات وعجز الكهرباء وغيرها من الأمور البديهية.

ولكن اذا تقشفنا من خلال تخفيض الأجور أو المس بحقوق المواطن العادي، فالنتيجة لن تكون إيجابية على الإطلاق؛ اذ أن الرواتب هي حقوق مكتسبة، كما أن احترام العقود هو أمر بدائي. ومن هنا، يمكن التطرق الى رواتب الأشخاص الذي سيتم توظيفهم في المستقبل في الدولة، وعدم المس بالموظفين مسبقا، لأن ذلك سؤثر بالطبع على صورة لبنان.

ونتمنى أن يصدر مجلس الوزراء، اليوم قبل الإفطار، قرارات واضحة للبنانيين، وعدم تأجيل البحث الى يوم غد. ولكن هل أنتظر بالفعل هذا الأمر منهم؟ طبعا لا للأسف!