عشية ​عيد العمال​، يدخل العامل ال​لبنان​ي معركة جديدة تضاف إلى معاركه السابقة مع السلطة، وذلك من أجل الحفاظ على مكتسباته وحقوقه في ظل ظروف إقتصادية صعبة لم تشهدها البلاد من قبل.

فمازال موضوع إمكانية خفض رواتب الموظفين في القطاع العام، يثير موجة غضب عارمة في الشارع اللبناني، حيث إستمرت سلسلة التحركات والإضرابات من قبل النقابات وإتحاد النقابات العمالية مباشرة بعد إنتهاء عطلة الاعياد، كما اعلن اتحاد النقابات العمالية عن إستمرار الإضراب المفتوح يومي 3 و 4 أيار المقبل.

وعلى الرغم من تطمينات وزير المال ورئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه لن يتم المس بذوي الدخل المحدود، إلا ان الأخبار المسربة من أروقة السلطة تشير إلى التوجه نحو خفض مخصصات ورواتب موظفي القطاع العام والقطاعات العسكرية، ولكن آلية تنفيذ هذا القرار مازالت غامضة. كما ان الورقة التي اعدّها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزعها على القوى الاساسية في الحكومة، تكشف ان طرح تخفيض الاجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية هو طرح جدّي، ويكاد يكون الطرح الجدّي الوحيد الذي تدرسه الحكومة لتخفيض العجز المالي.

فهل ستسير الحكومة بهذا الإجراء غير الشعبوي ؟ وكيف ستكون ردّة فعل الشارع اللبناني ؟ وما تأثير هكذا قرار على السوق وعلى القدرة الشرائية للمواطنين ؟ وهل أقفلت كل الأبواب في وجه الحكومة لكي تتجه مجددا نوح جيوب الفقراء ؟ كيف سيتصرف الإتحاد العمالي العام في حال إصرار السلطة على هذا القرار ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها نائب رئيس الإتحاد العمالي العام حسن فقيه، في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

بحسب معلوماتكم كإتحاد عمالي عام .. هل هناك توجه جدي لخفض الرواتب والأجور وإعادة النظر بالسلسلة ؟ خاصة أننا سمعنا تطمينات من وزير المال ورئيس مجلس النواب بهذا الشأن.

نحن ندرك تماماً وبدون أدنى شك أن هناك قوى في السلطة ضد السلسلة من الأساس، رغم أنها حق مؤجل منذ اكثر من 20 سنة. فهناك فريق في البلد يمثله أصحاب الأموال والمصارف وداعميهم، يرون بأن السلسلة هي التي أدت إلى الوضع الإقتصادي العام في البلد، وهذا أمر خاطىء تماماً.

ففي الوقت الذي بدأنا فيه كإتحاد عمالي عام للتحضير لمعركة تصحيح الأجور في القطاع الخاص لكي يصبح متوازي مع القطاع العام، نرى أن قسما ً من السياسيين في السلطة يتجه مجددا للإقتطاع من جيوب الفقراء والموظفين. فبعد سلسلة الرتب والرواتب أصبح لدينا أكثر من حد أدنى للمعاشات، 950000 للقطاع العام و 675000 للقطاع الخاص، وكلنا نعلم أن هذه الأرقام لا يمكن ان تلبي 50% من متطلبات العيش الأساسية في لبنان. من هذا المنطلق كنا نحضر كما ذكرت للمرحلة المقبلة من أجل تصحيح الأجور، وإذ تأتي خطة "ماكينزي" وبعدها "سيدر"، حاملة سلسلة من المطالب التي يجب على الدولة تنفيذها، وللأسف أول خطوة للدولة كانت بإتجاه القطاعات الشعبية وجيوب الفقراء، على الرغم من أن أكبر أسباب الإنكماش الحاصل في البلد اليوم، هو رفع الفوائد من قبل المصارف التجارية وسحب جزء كبير من السيولة من السوق.

إن ما يحصل البلد وفي الإقتصاد هو نتيجة لسياسات خاطئة إنتهجتها الدولة منذ سنوات، فغفلت عن دعم القطاعات الإنتاجية، وإتجهت فقط نحو قطاع السياحة والخدمات.

ومن وجهة نظرنا هناك عشرات الخطوات التي يمكن ان يتم إتخاذها من أجل تحسين واردات الدولة ووقف الهدر وتخفيف العجز، بدلا من مد الأيدي إلى جيوب المواطنين الفقراء. فلا نرى أي ضغط مثلا على المصارف لتخفيض الفائدة على سندات الدين، ولا نرى أي توجه لحل قضية الأملاك البحرية، أو لوقف الفساد في المرفأ !! فلماذا على المواطن الفقير والموظف والعسكري واستاذ المدرسة أن يدفع الثمن دائما في الوقت الذي لا يكفيه مدخوله أصلا لعيش حياة كريمة.

هناك من يعتبر ان حجم القطاع العام تضخم كثيرا في السنوات الماضية والدليل ان نسبة كبيرة من الموازنة تذهب سنويا للرواتب والأجور فقط .. ما رأيك بهذا الموضوع؟

القطاع العام نشأ في المجتمعات بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تأمين الإستقرار في هذه المجتمعات.

فالقطاع العام ليس هو السبب في الحال الذي وصل إليه البلد، بل الصفقات والسمسرات الضخمة وفضائح ملف الكهرباء والنفايات وغيرها من الامور الأخرى. فالسلطة السياسية هي من أوصلت البلد إلى هذه المرحلة، ولا يمكنها الأن ان تلقي باللوم على الموظف والعسكري الفقير، وأن تقتطع من راتبه الذي لا يتخطى المليون ليرة.

نحن لا نثق أبدا في هذه السلطة ولا في سياساتها الإقتصادية التي تعمل عليها، فهم غير قادرين على الإتفاق على ملف واحد من الملفات المطروحة، فليتفقوا ولو لمرة واحدة في الإقتصاد رغم الخلاف الموجود في السياسة.

وأعتقد ان سياساتهم المنتهجة اليوم لا تؤدي إلا لمزيد من التوترات والمزيد من المواجهات، وأنا أدعو كل القوى المتضررة من هذه السياسات مهما كانت توجهاتها السياسية، لأن تتحد وتقف صفا واحدا، والوقوف بوجه هذه السياسات الجائرة التي قد توصلنا إلى توترات إجتماعية خطيرة في حال مضت السلطة بها قدماً.

ألا ترى أن الإقتطاع من رواتب الموظفين والفقراء سينعكس سلبا القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي على السوق والإقتصاد بشكل عام ؟ وما هي التحركات المقبلة في حال الإصرار على هذه الإجراءات؟

بدون أدنى شك، فعلى القوى السياسية التي تدير البلد ان تحسب ألف حساب لهذه السياسات والمخططات التي تنتهجها.

ونحن كإتحاد عمالي عام نتابع الأمر بدقة، فالمصالح المستقلة أعلنت الإضراب في 3 و 4 أيار المقبل، كما ان العسكريين تحركوا أيضا ضد هذه الإجراءات، ويبدو ان وزير الدفاع الياس بو صعب يقف إلى جانب القطاعات العسكرية في هذا الموضوع.

ونحن ندعو كافة القوة السياسية التي تعتبر نفسها منحازة إلى قضايا العمال، لتحمل مسؤولياتها في الحكومة ومجلس النواب. فالسلطة تدخل في لعبة كبيرة جدا، وحياة الناس تعتبر من المحرمات، والسير بهذا الإجراء يعتبر لعباً بالنار وبالإستقرار الإجتماعي في البلد، وبالتالي على الجميع ان يتحمل مسؤولياته.