رغم كل التطمينات التي اطلقت في آواخر العام 2018 حول استعادة ​القطاع العقاري​ عافيته مع امكانية إعادة اطلاق القروض السكنية المدعومة في المصارف ، وهذا لم يتم بشكل جدي لسبب هام بين جملة اسباب اخرى وهو انعدام الثقة بين القطاع المصرفي والدولة المنهوبة ، عجز قطاع البناء والعقارات عن الخروج من قمقم الركود الخطير الذي هو أقرب الى الانهيار من الانتظار .

ولا شك ان وضع قطاع العقارات يعكس ازمة البلاد المهددة بازمات سياسية متتالية ، والمنكوبة بديون عامة متصاعدة تورّث للاجيال القادمة . واليوم بعد انتهاء الفصل الاول من العام وعشية بدء الشهر الخامس من السنة ، الجمود سيّد الموقف في كل القطاعات .

بين 2009 و2019 انتقل قطاع البناء والعقارات من ضفة الى أخرى . من النهوض الى الركود المطلق حتى ان البعض يخشى الانزلاق نحو الهاوية .

ما هو التوصيف الدقيق اليوم للقطاع العقاري في هذه المرحلة التي يبدو انها ستكون طويلة؟

فارس

رئيس شركة "ليغاسي سنترال" ​مسعد فارس​ يقول "للاقتصاد" : "بالفعل ، منذ الـ 2011 ولغاية 2019 انتقل القطاع من ضفة الى اخرى؛ من النهوض الى الركود. أنّ السوق العقاري اللبناني سوقٌ صحّي ومنيع. كلّ ما في الامر أنّ القطاع يواجه كغيره من القطاعات بعض الصعوبات نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي في لبنان والمنطقة. ان ارتفاع حجم المبيعات الذي حصل من 2005 ولغاية 2010 اسفر عن تضخمً بالاسعار، و لذلك نحن اليوم امام عاملين وهما تضاءل عدد المشترين وتصحيح في الاسعار. هذان العاملان يضعان السوق تحت ضغط سلبي يؤثر ليس فقط على اوضاع المطوّرين العقاريين، بل أيضاً على وظائف العمالة البشرية ومداخيلها من تجار ومزّودين ومكاتب هندسية ومحترفين واختصاصيين وعمال ووسطاء. ويمتد بقوة إلى المستلزمات الخاصة بالبناء وإتمامه من أدوات صحية وكهربائية وبلاط ودهانات وألومينيوم وحديد صناعي وأخشاب وسواها. 70 مهنة تتعلق مباشرة أو غير مباشرة بالقطاع العقاري.

يجب أن نفتخر في القطاع العقاري اللبناني وصموده في وجه هذا التباطؤ في البيع. لو إن هذا التباطؤ قد حصل في أي بلد من البلدان المجاورة أو في العالم ولمدة ثماني سنوات لكان انهار. إن القطاع العقاري اللبناني لا يزال صامداً وقوياً ويتأقلم مع مصائب العالم كلّه التي تنهال عليه.

أنّ القطاع العقاري في لبنان يتميّز ويرتكز على الندرة في الأراضي، وبالتالي فإنّ أسعار الأراضي لم ولن تنخفض. قد تنخفض أسعار الشقق بسبب تراجع حجم المبيعات ولكن لن تنهار الأسعار. لا يمكن اعتبار بعض الشركات العقارية التي واجهت ازمة عقارية مثالا ومؤشرا، فتعثّر بعض الشركات العقارية يمكن ان يحصل في كل بلدان العالم ، وقد يكون بسبب سوء ادارة. وفي لبنان فقط شركتان قد تعرضتا للافلاس.

نحن كجمعية مطوري العقار في لبنان Redal ساهرون على هذا القطاع ونتعاون مع الدولة لإيجاد طرق لتحفيزه".

هل ان الطلب هو في وضع الإلغاء النهائي ؟

يرى مسعد ان الطلب اليوم هو المشكلة الاساسية. فهو قليل وهذا مرتبط بتراجع الثقة بسبب المشاكل السياسية في البلد، وأيضاً الحالة الأمنية في سوريا ، وكذلك عدم الاستقرار في بلدان المنطقة مما ارتد سلباً على الاقتصاد اللبناني. كما أثر على دول الخليج حيث يوجد الكثير من اللبنانيين الذين لم يعد بامكانهم الاستثمار او الشراء كالسابق.

ولكن اليوم ثمة تطورات ايجابية ؛ فمع مشروع "سيدر " وخطة الكهرباء وعدة مشاريع سياسية أخرى بدأت عودة الثقة خصوصاً أن الوضع في سوريا هو على تحسن. من هنا نقول أن الطلب ليس في وضع الإلغاء النهائي. العرض فاق الطلب بغياب الاخير ، لكن مع تحسّن الاحوال فإن كل المخزون لن يدوم أكثر من سنة واحدة ونصف السنة.

وعن الحوافز المملوكة من البعض اليوم من اجل المضي في بناء العقارات ، اعتبر فارس انه ليس هناك اي حوافز في الوقت الحاضر .. فالذي يريد بناء عقار يبني في مناطق يستطيع البيع بأسعار متدنية فيها .

ويقول : "نطلب من الدولة تقديم حوافز جدية لإيجاد سوق معيّن للطبقة الوسطى وما دون الوسطى. ونحن كمطورين عقاريين REDAL مستعدون للتعاون وللعمل مع الدولة لخلق هذه الحوافز دون أن تخسر مدخولها من ضرائب ورسوم.

ومن خلال المنصة الاستثمارية التي انشأناها "ليغاسي وان" سنساعد المطورين عبر شراء شققهم المتعثرة لبيعها للبنانيين المنتشرين في العالم . وهذه سوق واعدة جداً ولقد عملنا عليها خلال 3 سنوات لخلق شبكة وسطاء عقاريين في هذه البلدان."

15 مليار دولار قيمة المعروض

اما بالنسبة لقيمة الشقق المعروضة في كل المناطق بغياب الطلب فيوضح فارس ان المخزون الموجود في لبنان ليس بكبير بالنسبة للسنوات التي كان فيها الطلب مرتفع . فهو يقارب الخمسة عشرمليار دولار أميركي، لأنه كنا نبيع حوالي 35 لغاية 40 ألف شقة سنوياً والمخزون لا يتعدى هذه الأرقام ، علما انه لا يوجد احصاءات دقيقة. لكن من خلال اتصالاتنا مع المطوّرين تمكنا من تقدير هذا المخزون. وكما قلنا سابقاً في حال تحسنت الأحوال لن يدوم هذا المخزون أكثر من سنة ونصف.

ولكن الى اي مدى استطاع الايجار من استيعاب الركود او الجمود في السوق؟

برأي فارس سوق التأجير ليس بالقوي في لبنان لأن اللبناني يهمه الضمانة وهذه تكون عبر التمّلّك.

كما أن الدولة لم تضع برامجا تحفيزية لتشجيع المطوّرين لتأجير أملاكهم. فالمطّور يفضّل ابقاء الشقة فارغة عن تأجيرها لأن أسعار الطلب متدنية وكلفة المطّور عالية. فالإيجار ليس مجد خصوصاً الإيجار السكني. والقوانين الضريبية لم تُحَدَّث لتعطي تحفيزات للمطوّر لكي يؤجر. بعضهم يلجأ للايجار التملكي بهدف بيع الشقة.

المهم أن تتغير الثقافة عندنا. ففي بلدان العالم الثاني الجديد يتم اللجوء الى الإيجار أولا ثم الشراء . وهذه الثقافة غائبة عندنا رغم أنها كانت موجودة في السابق . لكن الحرب جعلت المواطن يعتبر أن الشراء هو الضمانة.

اما بالنسبة للمطوّرين العقاريين ذات الملاءة المالية، الذين يقدمون تسهيلات للدفع شبيهة نوعاً ما بالقروض المدعومة ريثما يُعاد العمل بالقروض المدعومة من الاسكان فيقول فارس :" نحن كجمعية مطوري العقار REDAL شجعنا المطورين على تقديم ببرامج تسهيلية للمشترين. يوجد عدد لا بأس به تقريبا ما بين 20% لغاية 25% في السوق من المطورين الذين يعتمدون على تسهيلات في الدفع لتشجيع الشراء. لكن ليس كل المطورين لديهم الامكانيات لاعتماد هذه السبل. لذلك على الدولة التعاون معنا لخلق قوانين للصناديق العقارية التي هي بحد ذاتها طريقة خلّاقة ومعتمدة في العالم للتمويل العقاري والتي لا تعتمد فقط على المصارف.

مديونية القطاع لدى المصارف

ما هو حجم مديونية القطاع العقاري لدى المصارف ؟ وهل المصارف مستمرة في مد القطاع بالسيولة؟ هل من شروط جديدة؟

يكشف فارس ان حجم مديونية القطاع العقاري لدى المصارف يصل إلى 20 مليار دولار، وهي تشمل القروض السكنية والتسليفات للمطورين العقاريين. كما إن الضرائب التي يسددها المطور العقاري ضاغطة جداً خصوصاً في ظل اقتصاد متعثّر، إذ تشكل قيمة الضرائب 36 في المئة من الكلفة الإجمالية للمشروع (من كلفة الأرض حتى نهاية المشروع). إنه كبير لأنه جامد مما يشكل ثقل على المصارف والاقتصاد.

وفي ما يتعلق بالتحرك الذي تقوده الجمعية يقول : " أننا على تحرّك دائم مستمر مع الدولة والافراد المختصين لإيجاد حلول لتحفيز القطاع العقاري وتطويره بكل معنى الكلمة. اننا نفتقد الى الكثير من الامور التي تفيد القطاع العقاري. يجب العمل على مشاريع ودراسات عبر التعاون بين القطاع الخاص والقطاع العام لتطوير النظرة لهذا القطاع.

اما الحلول الممكن الاعتماد عليها على المدى القريب، هو تنفيذ ورشة عمل موّسعة ومقسّمة تتضمن جدولاً لاعادة تنشيط السوق العقاري وذلك من خلال تحفيزات للمشتري والمطوّر والمستثمر.

أما على المدى البعيد، فهو موضوع دراسة سياسة السكن في لبنان . ونقصد بذلك حق المواطن بالسكن وكيفية تعامل الدولة مع هذا الحق وتوفيره للمواطن.

كما أريد أن أتكلم عن "ليغاسي وان" المنصة العقارية التي هي ابتكار جديد للتمويل والتسويق العقاري. ليس بالسهل الذهاب الى اميركا أو أي بلدان أخرى للتسويق فهذا يتطلب عملاً كثيراً ووقتاً ومالاً، لكن هذا عملنا وما نبرع فيه ويجب عمله لنساعد القطاع العقاري.

نتمنى من الدولة ملاقاتنا في هذا العمل. أكيد أن الوزراء والنواب والرؤساء الذين سبق واتصلنا بهم كانوا متفهمين للوضع ومتعاونين لكن كما نعلم كل شي يأخذ وقته . في الدولة يوجد عقبات وأولويات ولكن فلنتأمل خيراً.

الخير، كلمة فضفاضة . كل القطاعات بانتظاره سيما وان وطأة الازمة الاقتصادية تشد الخناق اكثر فاكثر على الأسر اللبنانية التي تنشد اليوم لقمة العيش قبل اي شيء آخر ، اي المأكل قبل الملبس والمسكن .