مع اقتراب مناقشة وإقرار الموازنة تكثر التسريبات والتوقعات التي تتحدث عن الخطوات التي سيتم اتخاذها لرفع الإيرادات وسد العجز، وفي الأسبوع الماضي عاد الحديث عن ضرائب جديدة يلوح في الأفق، إلا أن أكثر ما جاء صادماً بالنسبة للمواطن اللبناني هو ما ورد في "ورقة الحريري" (كما سمّيت في الصحف) عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% إلى 15% بالإضافة الى فرض رسم على ​صفيحة البنزين​ بقيمة 5000 ليرة لبنانية، الخطوة التي ستؤمّن ما يُقارب المليار دولار أميركي للخزينة.

هي الدولة اللبنانية، ومن جديد، تفضّل اتخاذ الخطوات الأسهل لزيادة حجم السيولة على أن تعتمد خطة للضبط المالي، تجري الإصلاحات الهيكلية الضرورية مع تناقص التنافسية وانخفاض النمو، تفعّل الإطار التنظيمي لمكافحة الفساد، تعمل على تحسين جودة البيانات لتحسين فرص جذب الاستثمار الدولي، تشجع النمو المستدام أو الإستثمار الرأسمالي.

ولكن، هل ستمر خطوة الزيادة على سعر صفيحة البنزين في ظل ما يحصل في أسواق النفط العالمية مؤخراً مرور الكرام؟ هل ستجرؤ الدولة اللبنانية على اتخاذ هكذا خطوة في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشها المواطن والتي كانت هي مسبّبها؟

يؤكدّ مستشار نقابة أصحاب المحطات ​فادي أبو شقرا​أن هذه الزيادة على سعر صفيحة البنزين غير قابلة للتنفيذ "لأن المواطن لا ينقصه المزيد من الضرائب، خاصّةً وأن سعر برميل النفط في ارتفاع اليوم وقد يصل سعر صفيحة البنزين الى 30 ألف ليرة لبنانية"، داعياً المسؤولين اللبنانيين للتفنيش "عن مصادر تمويل أخرى، وإن حصلت هذه الزيادة فسنتخذ مع المواطنين الإجراءات التي يريدونها".

من جهته، طمأن رئيس الإتحاد العمالي العام، د. ​بشارة الأسمر​، المواطنين بأن العديد من الأحزاب اللبنانية أكدت له اعتراضها على أي طرح لزيادة ضريبية تطال الطبقتين الفقيرة والمتوسطة "كما كان لي لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه يوم أمس وقد أكد لي أن لا طرح من هذا القبيل أبداً، ولكن إن حصل فنحن في الإتحاد العمالي العام وبالتنسيق مع كافة النقابات سيكون لنا تحرك في الشارع، ولن نسمح لهكذا موضوع بأن يمرّ".

أما نقيب اتحاد النقل البري، ​بسام طليس​، فأكد أن أي تفكير بزيادة ضريبية تطال الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة سيكون الشرارة التي تشتعل في وجه المسؤولين ولن تنطفئ أبدا، داعياً الدولة الى "التفتيش عن مصادر أخرى للمال، جميعهم يعرفون مزاريب الهدر ومكامن الفساد، فليلجأوا لمعالجتها بدلاً من الإستقواء على الشعب الذي يعاني الأمرّين اليوم نتيجة الظروف الإقتصادية المزرية".

أما اقتصادياً، فيرى الخبير الإقتصادي والإستراتيجي، البروفيسور ​جاسم عجاقة​، أن الرسم على سعر صفيحة البنزين سيضعف القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي سيؤدي لتراجع الإستهلاك ومعه النمو الإقتصادي، وقال "ان الإقتراحين المتمثلين برفع الـTVA وسعر صفيحة البنزين يعودان إلى صندوق النقد الدولي، الذي يلعب دور الإستشاري للحكومة اللبنانية، حيث يرى فيهما دخول مضمون للسيولة إلى خزينة الدوّلة على عكس الإجراءات الإصلاحية مثل محاربة الفساد والتي تأخذ وقتا حتى تُعطي مفعولها".

وأوضح عجاقة أن "المشتقات النفطية تدخل في صناعة ونقل 95% تقريباً من البضائع المتعلّقة بالإستهلاك المباشر، لذلك من المستحيل أن يكون لزيادة الرسم أي مفعول إيجابي. هم يستهدفون خفض العجز، ولكن بهذه الظروف العجز سيرتفع، مع الإرتفاع المرتقب بأسعار النفط عليهم إعادة حساباتهم. وهنا تبرز المخاطر إذ أن عدم إختيار أرقام دقيقة قد تؤدّي إلى إنكماش إقتصادي لأول مرة منذ العام 2000 حين قامت حكومة الرئيس سليم الحص بوضع موازنة تقشفية تراجع معها الإقتصاد. الكلّفة المُقدّرة لإرتفاع أسعار النفط هي بحدود الـ 300 مليون دولار أميركي في حال إرتفع سعر برميل النفط الخام الأميركي 4 دولارات. وهذا يعني أنه لا يُمكن للحكومة تجاهل هذا البند خصوصًا أن العقوبات على سوريا تزيد من إستيراد لبنان من المُشتقات النفطية وبالتالي فإن أسعار الإستيراد لهذه المُشتقات مُرشّحة للإرتفاع أكثر".

وختم عجاقة بالقول: "مع الإرتفاع المنتظر في أسعار النفط، من المستحيل أن تمر هذه الزيادة على سعر صفيحة البنزين، الأمر ليس سهلاً، لإعتبارين: الأول اقتصادي: لا أحد يفرض ضريبة على سلعة سعرها مرتفع اصلاً، والثاني سياسي: تراجع رئيس الجمهورية عن تأكيده عدم فرض الضرائب التي تمس بالفقراء سيضع الدولة بموقف غير جيّد".