يعد استهلاك الطاقة احد أكبر منتج لانبعاثات الكربون في العالم. ومع ذلك، من خلال تركيز اهتمامنا بشدة على الانتقال نحو إنتاج ​الطاقة المتجددة​، فإننا نقوم بتجاهل الاجهزة الموجودة في المنزل والتي تستهلك الكثير من الطاقة.

إذا كنا جادين في معالجة تغير المناخ ، فلن يكون التغيير إلى الطاقة المتجددة كافياً. ولذلك فاننا نحتاج أيضًا إلى تقليل الاستهلاك ، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التخلص من الهدر. لذلك فإنه قد حان الوقت لكي نلقي نظرة طويلة وجادة نعيد من خلالها تقييم علاقتنا بالطاقة.

كوكبنا مسؤوليتنا جميعاً

في الخامس من نيسان ، تم إصدار سلسلة حلقات " Our Planet" والتي عرضت على "​نتفليكس​" في 190 دولة، وهي شركة اميركية مختصة بإنتاج الافلام.

وتركّز السلسلة على التهديد الذي صنعه الإنسان للبيئات الطبيعية، كما تهدف إلى لفت الانتباه إلى الآثار المدمرة لتغير المناخ وتدعو إلى تغييرات ملموسة في أنماط حياتنا للمساعدة في حماية الارض.

وأشارت "نتفليكس" الى أنه يمكن مشاهدة هذه السلسلة حوالي مليار شخص في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك ، فإن المأساة ستقع إذا حققت "نتفليكس" هدفها المقصود المتمثل في أن يشاهده هذه السلسلة مليار شخص في جميع أنحاء العالم ، لان ذلك سيشكل عبء ثقيل على الغلاف الجوي.

وأوضح تحليل "شنايدر إلكتريك" الفرنسية المتخصصة في مجال ​الكهرباء​، أن تحقيق هذا الإنجاز سيولّد حوالي نصف مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط من الأجهزة التي يستخدمها الناس لمشاهدة الوثائقي. وهذا امر يستثني الانبعاثات الناتجة عن منصة "نتفليكس" أو الإنترنت بشكل عام.

وبينما نسعى جاهدين لتقليل نفاياتنا البلاستيكية وإعادة تدويرها وتقليل اعتمادنا على مركبات ​الديزل​ و​البنزين​، فإن تأثير الرقمنة المتزايدة لحياتنا يؤجج الزيادة الهائلة في الطلب على الطاقة. ولذلك يجب أن نكون أكثر وعياً بالضغوط التي تتعرض لها حياتنا على نحو متزايد من خلال استخدام الكهرباء من دون وعي.

ووفقا للـ"مجلس الأميركي للاقتصاد في استهلاك للطاقة"، فأن الإنترنت يستهلك حوالي 5 كيلو واط في الساعة لدعم استخدام كل جيغابايت من البيانات. وعلى الرغم من أن شركة "غوغل" تعد نفسها ذات أعمال خالية من الكربون ، فإن تشغيل 100 عملية بحث من "غوغل" تستهلك كمية الطاقة اللازمة لتشغيل مصباح كهربائي بقوة 60 وات لمدة 30 دقيقة تقريبًا. ويتم إجراء حوالي 40000 عملية بحث من "غوغل" حول العالم كل ثانية ، في حين ان عمليات البحث من غوغل تصل إلى 1.2 تريليون " كل عام. هذا ينتج 250,000 طن من ثاني أكسيد الكربون - أي ما يعادل القيادة إلى القمر والعودة 1200 مرة.

ضرورة الاستهلاك بشكل مسؤول

على الرغم من أننا لا نقترح على الناس التوقف عن مشاهدة "نتفليكس" أو استخدام "غوغل" والانترنت، فإنه يجب علينا ان نكون على دراية بكمية الطاقة المستخدمة في حياتنا اليومية. كما أن تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر أقل تلويثاً أمر بالغ الأهمية لخفض انبعاثات الكربون، ومع ذلك فإن التقليل لا يكفي.

وتشير أبحاث "شنايدر إلكتريك" إلى أن متوسط استهلاكك للطاقة في المملكة المتحدة بلغ 74%. حيث ان 10% فقط من المستهلكين يخطط لمحاولة توفير المزيد من الطاقة في المستقبل، بالاضافة ان المنازل السكنية وحدها هي المسؤولة عن 23% من انبعاثات الكربون في ​بريطانيا​.

ومع ذلك ، فمن الممكن الحد من طلبنا للحصول على الطاقة دون التسبب في انخفاض مماثل في مستويات المعيشة. وترى الشركة بأن السر هو أن نكون أكثر كفاءة في الاستهلاك أو إهدار طاقة أقل. هذا يعني أن تكون على دراية بعادات الطاقة السيئة، مثل ترك الأنوار عند عدم وجود أي شخص في المنزل، أو ترك الأجهزة في وضع الاستعداد أو توصيل أجهزة الشحن وتشغيلها عند عدم استخدامها.

بالنسبة للمؤسسات، يكون النطاق أكبر من ذلك بكثير: فإنه يتوجب على هذه المؤسسات ان تركز اهتمامها على البنى التحتية، كتفعيل اجهزة الانذار لمعرفة المكان الذي تُهدر فيه الطاقة - مثل غرفة فارغة يعمل فيها مكيف الهواء. القيام بذلك لا يقلل فقط من كمية الطاقة المهدورة ولكن يساعد في توفير المال أيضاً.

حاليًا، لا يوجد حافز كبير للشركات أو المستهلكين للنظر في هدر الطاقة كجزء من قضية تغير المناخ أو ان يعتبرونها من مسؤوليتاتهم. لذلك فإننا نحتاج من هيئات الصناعة والحكومات للعمل معًا لفرض معايير وحوافز وتشريعات أقوى.

توليد الطاقة المتجددة هو مجرد جزء واحد من الحل للمساعدة في مكافحة تغير المناخ. وإذا كنا نريد إنشاء مستقبل مستدام ، فنحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية استغلالنا لها وإضافتها إلى قائمة الملوثات ، كالبلاستيك والغذاء والمنسوجات وما إلى ذلك والتي يجب معالجتها وتخفيضها.

في النهاية ، سيكون من الافضل دائمًا - لأنفسنا وللكوكب - توفير الطاقة بدلاً من إنشاء محطات لتوليدها. وهذه المعطيات تضع العالم أمام كشف حساب جديد يجب أن يحفزه للمزيد من التعاون لإيجاد بدائل أكثر ابتكارا لمشكلاه الحالية قبل أن تتحول إلى أزمات مستعصية في المستقبل.