لا شك في أن المرأة هي نصف المجتمع بكل ما في الكلمة من معنى، وذلك بسبب دورها الكبير، ومساهماتها الواسعة في تقدم محيطها. ونشهد خلال السنوات القليلة الماضية، حضورا قويا ولافتاً للمرأة اللبنانية في مختلف المجالات، اذ أثبتت قدراتها، وعززت مكانتها، وأكدّت على أهمية كيانها.

وميرنا خياط تُعدّ واحدة من أشهر السيدات الناجحات في لبنان، وقد لمع اسمها كواحد من الأسماء المعروفة في مجال الإخراج، محليا وإقليميا، وبنت نفسها بنفسها، معتمدة على شخصيتها وجديتها وخبراتها!

فدخلت بذلك الى عالم الرجال من الباب العريض، وكانت صاحبة الخطوة الأولى! فنجحت في تحقيق طموحاتها في مجال كان مقتصرا على الذكور، ولمع اسمها في تصوير الكليبات الغنائية مع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعرب.

عملت خياط قبل تخرّجها من جامعة "سيّدة اللويزة"، "NDU"، كمقدمة برنامج "الكاميرا وين" الذي عرضته "المؤسسة اللبنانية للإرسال" تحت إدارة زوجها المخرج طوني أبو الياس. وبدأت مسيرتها في الإخراج مع العديد من الفنانين، وسافرت بعدها إلى إيطاليا في بداية التسعينيات، وأخرجت العديد من البرامج والكليبات لشبكة راديو وتلفزيون "العرب"، ولـ"المؤسسة اللبنانية للإرسال".

وبالاضافة الى عملها الإخراجي، قررت تحقيق حلم يراودها منذ نعومة أظافرها، ألا وهو التصميم، فأطلقت منذ ثماني سنوات العلامة التجارية الخاصة بها "Mirna Kay design".

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع خياط، للتعرف الى الجانب المتعلق بريادة الأعمال في مسيرتها، بعيدا عن الدور الفني الكبير الذي لعبته في تاريخ الإخراج.

ما الذي دفعك للانخراط في عالم التصميم الى جانب عملك الإخراجي؟

أحب الأعمال اليدوية منذ أن كنت بعمر 14 عاما، كما أنني أرسم دائما في الكليبات الغنائية، الإطلالات التي ستظهر في كل المشاهد.

ومن هنا، فقد انطلقت "Mirna Kay design" كمزحة أو هواية، واستمرت على هذا النحو؛ فلو أردت احترافها، سأكون بحاجة حينها لإعطائها كامل وقتي، من أجل إظهارها الى الناس بطريقة محترفة ورسمية.

وبالتالي لا أنظر الى هذا المشروع على أنه عمل تجاري، اذ لست ملتزمة بتقديم المجموعات الخاصة في كل موسم، بل أعمل على تنفيذ التصاميم في أوقات الفراغ، وعندما ترد الى ذهني فكرة معينة.

ولكن عملي الأول والأساس هو الإخراج، ولم أتخلَّ عنه أبدا، ولا أعتبر حتى أن التصميم هو مصدر عيش بالنسبة لي، أو مهنة رئيسية؛ إنما لا أحد يعلم ماذا يحمل له المستقبل!

عرفينا أكثر على "Mirna Kay design".

هذه العلامة التجارية ولدت منذ حوالي ثماني سنوات، وأتوجه من خلالها الى الصغار والكبار، على حد سواء، كما أصمم القطع التي تستهويني؛ فقد أرغب اليوم في تصميم وتنفيذ فستان، وفي اليوم التالي سأقدم تنورة، وبعدها سترة، وهكذا دواليك،...

وبالتالي أنفذ أفكاري الخاصة دون الحاجة الى الارتباط بمواسم أو مواعيد محددة. كما أن التصاميم تشبهني 100%، اذ أنني أصمم القطع التي أحبها بنفسي؛ ولهذا السبب لا يعتبر مشروعي تجاريا.

هل حققت "Mirna Kay design" الإقبال المتوقع من الجمهور؟

لو أردت أن تصبح هذه العلامة تجارية بالفعل، لكنت موجودة دائما على وسائل الاعلام للحديث عنها. ولكن بما أنني لا أعمل بشكل رسمي بحت، لم أركز على أن تكون ذات انتشار قوي؛ مع العلم، أن التصاميم التي أقدمها تلاقي رواجا واسعا.

لكنني لا أعرف حقا ماذا يخبئ لي المستقبل في ما يتعلق بهذه الناحية من حياتي العملية.

كسيدة لبنانية ناجحة، ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم؟

أولا، يجب أن يقوم الانسان بما يحبه، لأنه سيتمكن حينها من العطاء من قلبه وعاطفته وإحساسه، كما سيخصص لمشروعه المزيد من الوقت والجهد.

وفي المقابل، عندما يكون مرغما على القيام بأمر ما، سيتمنى في كل لحظة أن ينتهي الوقت.

ثانيا، أهتم كثيرا بالتمييز ما بين مسيرتي مهنتي وعائلتي وكياني كامرأة، وبالتالي لا أسمح للعمل بأن يأخذني من هذين العالمين. فالمرأة هي بالدرجة الأولى سيدة تربي الأجيال، وأم لا مثيل لها، ولن يعوّض عنها أحد، وخاصة بالنسبة الى أولادها.

وبالتالي فإن هذه المعادلة ليس بالسهلة أبدا، وخاصة للمرأة العاملة في مجال الإخراج، والتي يتطلب منها التصوير البقاء في بعض الأحيان لفترات طويلة خارج المنزل، والسفر لأيام عدة.

ومن هنا، عليها التركيز على إعطاء الوقت الكافي لأولادها، والتواجد الى جانبهم في أوقات مهمة وأساسية، مثل ما قبل النوم، على العشاء، على الغداء، خلال الدراسة، في المناسبات المدرسية، خلال اللعب والضحك،...

كما عليها الاهتمام بنوعية الوقت الذي تقضيه مع عائلتها، وليس الكمية. فالطفل لا يطلب من والدته وقتها فحسب، بل يريد نوعية معينة من هذا الوقت الذي يقضيه معها. وبالتالي يريد أن يكون وجودها نافعا وفاعلا في حياته.

ويجب أن تعي المرأة أهمية هذا الموضوع منذ بداية الطريق، ولا تسمح لعملها بأن يشكل سببا لـ"انتحار" عائلتها.

ثالثا، التواضع، وذلك لأن مصير الاسم والشهرة محدود، ولا يمكن أن يكون عنصرا أساسيا من المزيج الناجح المسمى "العائلة".

رابعا، التضحية من أجل العائلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسفرات الطويلة.

هل لديك المزيد من الطموحات المهنية التي تودين تحقيقها في المستقبل؟

الشخص الذي يعتبر أنه أصبح يعرف كل شيء، هو إنسان بدأ بالسير على طريق الفشل. كما أن الشخص المجرّد من أي نوع من أنواع الطموح، هو إنسان لن يتقدم أبدا، وسيتراجع حتما الى الوراء.

ومن هنا، فإن طموحاتي كثيرة ولن تتوقف أبدا. فقد قدمت فيلما عام 2000، ولكن الظروف لم تسمح لي بإعادة هذه التجربة والعمل على فيلم ثان بالطريقة التي أحبها. وبالتالي أعتبر هذا الحلم ضمن المشاريع المستقبلية التي أسعى الى تحقيقها.

هل تعرضت الى أي تمييز في إطار العمل بسبب كونك من أول المخرجات اللبنانيات في عالم كان في الماضي يعتبر حكرا على الرجال؟

عندما بدأت بالعمل، كنت من بين عدد متواضع من السيدات العاملات في هذا المجال، وكان فريق العمل مكوّن بالكامل من الرجال. لكنني فرضت شخصيتي من خلال عملي.

ففي بداية المسيرة، تعرضت أحيانا الى بعض التمييز، ولكنني عملت بجهد على فرض وجودي ومكانتي، وهذا ما دفع بالأشخاص من حولي للتعامل معي بجدية.

فالانسان مهما تكلّم وفسّر وقدّم الأفكار، يبقى التنفيذ هو ما يبرهن عن طاقاته ومهاراته وخبراته. فالعمل على الأرض يكشف عن هوية الانسان، وأفعاله تحكم عليه.

ومن هنا، بإمكان المرأة أن تبقى مختبئة وراء أفكار المجتمع المسبقة، أو أن تقول "أنا امراة ونقطة على السطر"، أو "أنا امرأة أفرض وجودي".

من خلال تجاربك المهنية المتنوعة، ما هي النصيحة التي تودين إيصالها الى المرأة اللبنانية؟

أقول للمرأة: "أنتِ وقت بدك بتقدري تعملي!"... فالمرأة اللبنانية معروفة بأناقتها وجمالها الداخلي والخارجي، ولكننا نرى مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من النساء، وخاصة الشابات منهن، اللواتي يتجهن الى الناحية "المزيّفة" من الحياة، أكان في الصورة، أو في نوعية الصورة، أو في الطريقة التي يفرضن من خلالها الصورة.

والبعض يفكر أن الحياة هي تلك الموجودة على "انستغرام" أو "فيسبوك"، لكن الواقع مختلف تماما. فالصورة تبقى مجرّد صورة، والحقيقة تكمن في نظرتنا الى أنفسنا في المرآة. بالتالي يجب أن لا ننظر الى صورة غيرنا ونقلدها أو نتمثل بها.

فالانسان بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، لن تكون سعيدة أبدا، إن لم تتصالح مع نفسها، ولم تتحلَّ بالسلام الداخلي، وذلك لأن المرأة المتصالحة قادرة حتما على هدم الجبال.

كما أن المرأة اللبنانية معروفة في العالم العربي بأنها فرضت مكانتها في المجالات كافة، ومن هنا، يجب علينا أن لا ننخدع بما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكل امرأة تشعر بالضعف أقول: "انظري الى نقاط القوة التي تتحلين بها. فنقاط الضعف موجودة لدى الجميع، ومن هنا، عليك أن تبحثي دائما عن الناحية الإيجابية من الأمور، وستشعرين حينها بالقوة!".