لجأ موظفو ​القطاع العام​ في لبنان من مدنيين وعسكريين الى الإضراب والإعتصام هذا الأسبوع اعتراضاً على ما تداوله بعض المسؤولين حول تخفيض الرواتب و​الأجور​ وإعادة النظر بسلسلة الرتب الرواتب، ما استدعى نفي عدد من الوزراء ما يتم تناقله حول هذا الموضوع، فأكدت اوساط وزير المال ​علي حسن خليل​ بأن "الضرائب ستكون تصاعدية، بمعنى أن أصحاب الإيرادات الكبرى سيتحملون ضرائب أكثر...ولا نية حتى الان بالمس بحقوق الموظفين خصوصا "سلسلة الرتب والرواتب" وهناك أبواب عدة تستطيع الحكومة أن تدخل من خلالها لتصحيح الاقتصاد الوطني."

وهنا السؤال: ما هي هذه الأبواب؟ وهل يعتبر بذخ مسؤولي هذه الدولة أحدها؟ ما الذي سيحصل بملف الرشوى الإنتخابية التي تمثّلت بتوظيف الآلاف على حساب المالية العامة؟ لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. سمير الضاهر:

جرى إقرار خطة ​الكهرباء​ ويجري الحديث عن الإجراءات التقشفية في ​الموازنة​ القادمة، إلى اي مدى يمكن أن نعتبر هاتين الخطوتين إنقاذيتين في هذه المرحلة؟

بشكل عام، في نفقات الموازنة، هناك ثلاثة مراكز أساسية: الرواتب والأجور، خدمة ​الدين العام​ بالإضافة الى عجز "​كهرباء لبنان​". وبهدف خفض العجز بالموازنة، يجب تقليص النفقات وزيادة الإيرادات. فيما يتعلّق بالنفقات، فإنه لا مهرب من الشق الذي يتعلّق بالأجور إلا أن الأمر يجب أن يحصل بحكمة، فمن غير المسموح أن تتراجع الدولة عن سلسلة الرتب والرواتب وذلك لأنها في البداية صدرت بموجب قانون يضمن للموظف هذا الحق المكتسب، بالإضافة الى أن إقرار السلسلة جرى بالتوازي مع زيادة في الضرائب والرسوم.

التخفيض بالأجور يجب أن يحصل في الرواتب الخيالية في بعض المؤسسات العامّة والصناديق والهيئات كمؤسسة الريجي أو ​مرفأ بيروت​ و"​مصرف لبنان​". الإصلاح في موضوع الرواتب يجب أن يكون باتخاذ ​الحد الأدنى للأجور​ كمعيار أساسي لتحديد السقف للرواتب الأخرى (الذي لا يجب أن يتعدّى الـ20 ضعف).

أما بخصوص نظام التقاعد فلا يجب المساس به، إلا أنه هناك بعض الإمتيازات للموظفين في السلك العسكري كالتدبير رقم 3 مثلاً يجب إعادة النظر فيه.

وبخصوص عملية ترشيد القطاع العام، فيجب على الأقل أن يكون لدينا رقم رسمي لعدد الموظفين في هذا القطاع، بين موظف ومتعاقد ومياوم ومن يعمل بالفاتورة أو بالساعة أو غب الطلب أو من يعمل في المشاريع التي تموّلها المؤسسات الدولية برواتب تتكبّدها خزينة الدولة، لا أحد يعلم كم يبلغ عدد الموظفين في القطاع العام.

هم ينظرون الى الأمر على المستوى القريب فقط للحصول على أموال "سيدر"، أي يجب خفض العجز في هذا العام بهذه النسبة لنكون قد أجرينا إصلاحاً معيّناً، ولكن ماذا يجب أن نفعل على المدى المتوسط أي في الخمس سنوات القادمة لترشيد القطاع العام وإدخال ​الحكومة الإلكترونية​ وتفعيل الإنتاج؟

ما الذي يجب أن يحصل في ملف ​التوظيف​ العشوائي قبل الإنتخابات برأيك، هل يمكن الإستغناء عمّن تم توظيفهم؟

الأمر لا يتوقّف فقط على الذين تم توظيفهم قبل الإنتخابات بل على التوظيف الذي حصل منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وهو الأمر الذي كان يجب أن يتوقف. وفكرة صرف الموظفين فكرة صعبة.

النقاش الحقيقي الذي يجب أن يحصل هو المشكلة الحاصلة في المالية العامة بالتوازي مع ​الركود​ الإقتصادي، فمثلاً: ​الولايات المتحدة​ لديها عجز كبير في الخزينة ومعدل دين مرتفع أما الإقتصاد فهو يعيش أفضل أيامه من حيث معدّل ​البطالة​ ومعدّل النمو الجيد بالإضافة الى وضع ​الأسواق المالية​، لذلك فإذا تم صرف أي موظف من القطاع العام من الممكن له أن يجد لنفسه وظيفة في ​القطاع الخاص​، أما في لبنان فإن القطاع الخاص لم يعد قادر على التوظيف بسبب الركود.

الدولة اللبنانية​ يجب أن تتخذ قرارها بالتوظيف على أساس الحماية الإجتماعية، لن يعترض أي مواطن لبنان على توظيف عشرة آلاف موظف من أبناء ​عكار​ بالحد الأدنى للأجور، ولكن طبعاً سيكون هناك مشكلة واعتراضات إذا تم توظيف ألف شخص برواتب خيالية و​وظائف​ غير ضرورية كرشوى انتخابية. لذلك، فإن الحل الأمثل يكون بعدم توظيف من يحل محل المتقاعدين بدءاً من العام الجاري، بالإضافة الى اتباع موضوع نقل فائض الموظفين من وزارة معينة الى وزارة أخرى لديها نقص.

هل برأيك أن الحكومة الحالية وبمحاسبة صغار الفاسدين فقط، قادرة على ضبط الهدر ومحاربة الفساد حتى خفض العجز إلى أقل من 9% من ​الناتج المحلي​، وفقاً لما قال وزير المالية علي حسن خليل؟

ما نعيشه اليوم هو حصيلة تراكمات نتجت عن سياسات مالية ونقدية عامّة خاطئة، لكن اليوم بات وقت الإستحقاق مع انخفاض التدفقات المالية الخارجية وازدياد الضغط على ميزان المدفوعات في السنوات القليلة الماضية. العجز الذي وصلنا اليه لم يعد مقبولاً خاصّةً وأنه يحصل بالتوازي مع إنفاق جاري دون حياء وتوظيف غير منطقي وكل ذلك من المال العام.

بهذه الأرقام التي تحدث عنها الوزير خليل، أي 9% (5 مليار دولار)، يجب النظر بدايةً الى عصر النفقات عبر قرارات يتم اتخاذها مباشرةً كإلغاء الساعات الإضافية والنفقات المتعلقة بالسفريات وشراء ​السيارات​ والأمور الأخرى غير الحيوية، أي وقف الهدر.