يبدو أن ​الدولة اللبنانية​ تتجه فعلياً نحو تخفيض رواتب ​القطاع العام​، وإن لم تتضح الآلية التي سيتم إعتمادها في تطبيق هذا الإجراء بعد. فتصريح رئيس الوزراء ​سعد الحريري​ بعد جلسة ​مجلس النواب​ الأخيرة جاء صريحاً وواضحا لجهة إتخاذ إجراءات تقشفية مؤلمة، ولإقرار موازنة هي "الاكثر تقشفا في تاريخ لبنان".

ولكن تغاضي الدولة عن الكثير من المزاريب التي يمكن من خلالها خفض الإنفاق و​تقليص العجز​، وتوجهها فقط نحو رواتب الموظفين في القطاع العام، يطرح الكثير من التساؤلات، كما أن لهذا الإجراء تداعيات سلبية كبيرة على السوق وعلى العجلة الإقتصادية.

وفي هذا السياق، يشرح الخبير الإقتصادي والمالي وليد أبو سليمان في حديث خاص لـ"الإقتصاد"، بأن "تخفيض الرواتب قد يخفف من العبء على خزينة الدولة اللبنانية، وبالتالي سينعكس بشكل تلقائي وإيجابي على نسبة العجز، ولكن بنفس الوقت هناك جوانب سلبية لهذا الإجراء، حيث سيساهم في الحد من القدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام، وبالتالي سيبطّىء من حركة العجلة الإقتصادية".

وتابع "لكن ما يتم التداول به في أروقة الحكومة هو فرض ضرائب على "الشطور"، وليس على كافة موظفي القطاع العام، فالتوجه قد يكون نحو الموظفين الذين يحصلون على رواتب مرتفعة. ولكن تبقى العبرة في التنفيذ".

ولفت أبو سليمان إلى "وجود الكثير من مكامن الهدر و​الفساد​ التي يجب على الدولة أن تتجه نحوها لتحقيق وفر على الخزينة قبل المس برواتب القطاع العام، ووعلى رأسها محاربة التهرب والتفلت الضريبي الذي يشكل حوالي 10% من ​الناتج المحلي​ الإجمالي للبنان، أي ما قيمته 5 مليارات دولار سنويا، وهذا رقم كبير جداً".

وأضاف "من جهة اخرى، كلنا على دراية بأن معظم ديننا العام هو للمصارف المحلية، وإذا أرادت الدولة إشراك موظفي القطاع العام في الخطة التقشفية وإجبارهم على التضحية، فيجب أيضا على ​القطاع المصرفي​ أن يتحمل جزء من هذه التضحية، وذلك عبر خفض نسبة الفوائد على خدمة الدين، فكل خفض بنسبة 1% سيوفر على الدولة اللبنانية حوالي 700 مليون دولار سنويا".

وأكمل قائلا "بالإضافة إلى كل ذلك هناك العديد من مكامن الهدر التي يمكن التوجه نحوها، فالرؤساء والنواب السابقين مثلا يكلفون الدولة سنويا أكثر من 30 مليار ليرة (20 مليون دولار)".

وردا على سؤالنا حول الخوف من إنهيار ​الليرة اللبنانية​، خاصة أن هناك إمتناع تام من قبل ​المصارف التجارية​ عن الإقراض بالليرة، وحصر الإقراض فقط بالدولار الاميركي .. قال أبو سليمان "الهاجس والخوف اليوم هو من تخلف الدولة اللبنانية عن دفع مستحقاتها – إن كان بالليرة او بالعملات الأجنبية – ولكن منظومتنا المالية في لبنان "مدولرة" بنسبة 70%، أي أن 70% من ​الكتلة النقدية​ والودائع هي بالدولار الأميركي، في حين أن الليرة اللبنانية تشكل 30% فقط من هذه الكتلة النقدية، وقيمتها تبلغ حوالي (45 مليار دولار)، و​مصرف لبنان​ يمتلك إحتياطات أجنبية كبيرة تكفي لإمتصاص كافة الكتلة النقدية الموجودة بالليرة، وبالتالي ليس هناك أي خوف على الليرة، ولكن الخوف كما ذكرت هو من تخلف الدولة عن دفع مستحقاتها، لأنه حينئذٍ سيصبح الأمر خطير جدا".