يدرك أي مراقب للنظام العالمي، السباق المحتدم بين ​الصين​ و​الولايات المتحدة​ الاميركية للتربع على العرش العالمي على مختلف الاصعدة ، ف​بكين​ لا تخفي جهدا لتحفيز الدول على اتباعها في قيادتها، وتعزير الشراكة على المستوى التجاري معها، مستفيدة من امكانياتها الاقتصادية فهي تعمد الى بسط سيطرتها على القارة الافريقية من خلال تحميلها اعباء ​الديون​ لبناء الطرق وشبكات السكك الحديد ، كما لا يخفى على احد الجهود التي تبذلها الصين لاستقطاب ​الدول الاوروبية​ في ظل ما تعيش به هذه الدول من حالة تشرزم وعدم استقرار ولعل ابرزها غموض الصورة حول "البريكسيت" والصعوبات الاقتصادية التي تمر بها ​ايطاليا​.

ليأتي مشروع طريق الحرير الجديد او مبادرة "الحزام والطريق" ليقدم للعالم الرؤية الصينية للعولمة او كما يصفها البعض بالصورة الجديدة للهيمنة الصينية، ويرتكز هذا المشروع على التنسيق السياسي، وربط البنى التحتية، وفتح القنوات التجارية، وتدفق التمويلات، والتواصل بين الشعوب، ودعا الرئيس الصيني ​الدول العربية​ الى الانضمام الى هذه المبادرة باعتبارها "الشراكة المربحة للجميع"، ولعل اهتمام الصين بالدول الاوروبية لا يقل شأنا عن اهتمامها بالدول العربية فهي لا تفوت فرصة او جهدا لتدعو هذه الدول الى الشراكة، وباتت بكين اليوم تعتبر شريكا ​استراتيجيا​ للدول العربية على الصعيد التجاري حيث تقدر قيمة ​التبادل التجاري​ بين الطرفين بنحو 218 مليار دولار في 2018 وتأمل الدول العربية أن تتجاوز هذه القيمة 600 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة ، كما تعمد الصين الى إحياء الممرّات البحرية القديمة لخلق طريق حرير بحري يكمّل الطريق البرّي .

ولكن يبقى السؤال هل سيولي العرب وجوههم شرقا؟ واي دور سيلعبه ​الخليج العربي​ في هذه المبادرة ؟ وخاصة ان هذه الدول ما زالت تنظر لهذا المشروع  بعين الريبة والحذر ،على الرغم من ان الصين أصبحت ترتبط مباشرة بال​منطقة الخليج​ية عن طريق ​ميناء​ "جوادر" الباكستاني المطل على بحر العرب، وهل من شأن هذا المشروع ان يعيد للمنطقة العربية دورها كمركزا لل​تجارة​ العالمية ؟  وما هي صحة الشكوك الاميركية في النوايا الصينية الكامنة؟ كل هذه الاسئلة وغيرها حملها موقع "الاقتصاد" الى ​الخبير الاقتصادي​ ​الاردن​ي د.مازن مرجي.

مرجي : الخوف ان تكون مبادرة "الحزام والطريق" الصينية سم قاتل يغرق الدول بالديون التي قد لا تقوى على سدادها

- بداية ما هي اهمية مشروع  مبادرة "الحزام والطريق" او ما يعرف ​بطريق​ الحرير الصيني ؟

ياتي هذا المشروع في مرحلة انتهت فيها الصين من الانتقال من مرحلة البناء الذاتي للدولة، حيث عمدت الى توفير قاعدة عالمية للاستثمار اعتمادا على وفرة الموارد المختلفة ورخص كلفة المهارات الفنية والعماله العادية ومدخلات الانتاج وبالتالي النجاح في تحقيق السيطرة على  اكبر حصة سوقيه عالمية تشمل الاسواق الكبرى مثل الولايات والمتحدة و​اوروبا​ ودول اسيا.

والان وبعد تحقق لها ذلك وتوفر لها فوائض مالية هائلة، فقد جاء دور الانطلاق الى تشغيل واستثمار هذه الفوائض المالية خارج الصين بهدف تعزيز التواجد الكبير الذي تحقق للمنتجات الصينية في كل اسواق العالم وايضا التوسع اكثر، من حيث زيادة الحصة ​السوقية​ ودخول تلك الاسواق بشكل اقوى والسعي لاختراق اسواق جديدة وتحقيق المزيد من النفوذ والسيطرة وبالتالي تعزيز القدرة ​التنافسية​ لمنتجاتها مقابل منتجات الدول الأخرى وخاصة في ظل الصراع التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة والذي تحول مؤخرا الى حرب تجارية معلنة مع الادارة الاميركية الحالية اي ادارة ترامب حيث لجأ الطرفان الى فرض القيود الجمركية والغرامات على منتجات البلد الآخر.

 واليوم يبدو ان هدف القيادة الصينية ليس فقط تحقيق التوسع الإقتصادي التجاري وتأمين اسواق جديدة لضمان استمرارية التفوق في هذا المجال، وانما اصبح جليا انها تسعى لتوسيع قاعدة النفوذ السياسي وحتى العسكري تمهيدا للوصول لمرتبة القوة العالمية العظمى المؤثرة بشكل واضح على  الساحة العالمية وذلك من خلال ال​استثمارات​ الضخمة في البنى التحتية لعشرات الدول ليس فقط النامية او الفقيرة وانما تسعى حتى للسيطرة والتغلغل في عمق، والسيطرة على ركائز اقتصاديات الدول والاسواق المتطورة حيث يتم الاستحواذ والسيطرة وامتلاك الموانئ واحواص السفن والمطارات والمراكز التجارية والمدن الصناعية او تمويل تجديدها وتحديثها او عبر انشاء ​بنى تحتية​ ضخمة من خلال توفير الاموال كقروض بفوائد عادية او ميسرة وشبه مساعدات والتي تم اطلاقها عبر المبادرة التي سميت مبادرة "الحزام والطريق" والتي اطلقتها الصين عام 2013 وهي مستمرة الى الان.

- برأيك هل سيؤدي هذا المشروع الى هيمنة الصين على ​الاقتصاد العالمي​ وخاصة على الدول الافريقية؟ وكيف سيكون رد الفعل الاميركي على الخطوات الصينية ؟

اما بخصوص رد الفعل الاميركي الذي أشرنا اليه سابقا فهو نابع من الشعور بالخطر من الخطط الصينية الطموحة التي تمتلك فوائض مالية هائلة جدا تسعى لتعزيز السيطرة والنفوذ العالمي للصين على حساب النفوذ والسيطرة الاميركية التي ما زالت ترى في نفسها القوة العظمى الوحيدة التي تنفرد بالتحكم في ​الاسواق العالمية​ وفي القرار السياسي والعسكري العالمي كما ان الادارة الاميركية ترى في هذا الزحف الاستثماري الصيني نحو مختلف ارجاء العالم انه زحف قائم على ثروات هائلة حققتها الصين لكونها اكبر مصدر للسوق الأميركي الذي يعتبر  اقتصادها الاقتصاد الأكبر عالميا ويستهلك سوقها المحلي نصف تجارة السوق الاستهلاكي العالمي مما ادى الى اكبر ​عجز تجاري​ بين البلدين.

من جهة اخرى تستشعر الولايات المتحدة بان هناك محاولات صينية جادة لاضعاف ​الدولار الأميركي​ الذي هو العملة الاساس في التداولات العالمية في عدة قطاعات واهمها ​اسعار النفط​ وبالتالي تحاول احلال عملتها الوطنية "​اليوان​" محل الدولار في كثير من الصفقات التجارية وخاصة تلك التي تعقدها مع الدول التي تعتبر خارج المنظومة والسيطرة الأميركية.

- في ما يتعلق بالدول العربية ، اي دور ستلعبه الدول العربية في هذا الاطار؟

هناك تعاون وثيق للدول العربية في دول مثل ​السودان​ و​مصر​ و​الجزائر​ والاردن و​جيبوتي​.

ففي مصر تم توقيع اتفاقيات مع الصين لتمويل استثمارات ومشاريع بحدود 18 مليار دولار في إطار مبادرة "الحزام والطريق".

وهناك استثمارات صينية في الجزائر بحدود 1.7 مليار دولار، في قطاعات البناء والزراعة و​قطاع الخدمات​.

اما في ما يتعلق ب​دول الخليج​ العربي ومدى تاثرها بالتحركات الصينية واستحواذها على اكبر الموانئ المطلة على منطقة الخليج العربي وهو ميناء جوادر الباكستاني باستثمار كبير قدر ب 62 مليار دولار اميركي فان دول الخليج وعلى راسها ​سلطنة عمان​ قد بدات بالفعل في تهيئة نفسها لتكون ضمن منظومة الدول المساهمة والمستفيدة من المشروع الصيني فبدأت بتقديم التسهيلات اللازمة لذلك لحيث تكون اما نقاط عبور او جسر ومرافئ تستقبل وتسهل امر انسياب السلع والبضائع الصينية بالاتجاهات المختلفة الى داخل هذه الدول او عبرها او بالتعاون معها.

والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي ان دول الخليج مثل غيرها من دول العالم والتي ترتبط تاريخيا وحاليا بعلاقات تجارية واسعة مع الصين لن يكون بإمكانها الا ان تكون جزءا من طريق الحرير الحديث القادم مثل "​تسونامي​ اقتصادي" يجتاح العالم من بكين الى لندن على ​سكك حديدية​ وطرق برية ومن شواطئ الصين الى اقصى الموانئ والمرافئ البحرية.

اما عن الدور الذي قد يلعبه الاردن ضمن المشروع الصيني "الحزام والطريق"، فقد بدأت البلاد فعلياً بالاستفادة منه على ارض الواقع، حيث انه وبسبب ظروفه الاقتصادية الذاتية وكدولة فقيرة في ​الثروات​ الطبيعية ومحدودية ​الايرادات​ المالية فهو مثل الكثير من ​الدول الفقيرة​ او النامية تسعى لان تكون جزءا من هذا المشروع وايضا شريك بأية مشاريع دولية قد تساهم في رفد البلاد في المشاريع و​الاستثمارات​ العالمية وبالتالي استقطاب الخبرات ورؤوس الأموال على شكل مشاريع مشتركة تمول بالقروض على أشكالها وبالتالي خلق تنمية اقتصادية وفرص عمل هي بامس الحاجة لها.

وهنا فالاردن هو فعلا ضمن منظومة الدول التي سعت للاستفادة من هذا المشروع الصين الكبير وقام فعلا بالاتفاق معها على اقامة عدد من المشاريع الكبرى، بعضها تم انجازها واخرى قيد الانجاز، منها مشروع توليد الطاقة من ​الصخر الزيتي​ بأسلوب الحرق المباشر وتمتلك الصين 45% من هذا المشروع (بحدود 990 مليون دولار). وهناك ايضا سعي للدخول في تمويل مشروع السكك الحديدية، وتم توقيع عدة اتفاقيات في ​مجال الطاقة​ المتجددة في ​الأردن​ بقيمة مليار و600 مليون دولار ( 1.6 مليار دولار) كما ان هناك محاولات لمساهمة الصين في تمويل مشىروع ​الطاقة النووية​،  بحصة تصل لـ 50%.

- كما ان هناك تعاون اردني صيني في مجالات متعددة اخرى تشمل انشاء جامعة صينية في الاردن.

وتبقى النقطة الذي يجب التنبه اليها هو ان العالم بدا يخشى فعلا من ان الهجوم الاستثماري الصيني القادم بقوة مالية قد تصل الى ثلاث ترليون دولار فائضة تسعى لاقتناص كل فرصة استثمارية على سطح الكرة الارضية وان تقديم الصين للقروض والتمويل المباشر والاستحواذ على اهم واكبر المرافق والبنى التحتية قد يكون قد اغرق العشرات من الدول المشاركة والتي يعاني الكثير منها من صعوبات اقتصادية غير محدودة، بمئات المليارات من الدولارات تتظر اليه دول مثل ​الولايات المتحدة الأميركية​ ومنظمات عالمية مثل ​البنك الدولي​، تهديدا مباشرا لها وفخا ومصيدة للمغفلين من دول العالم.

وفي هذا الإطار اقول : الخوف ان تكون المبادرة الصينية "الحزام والطريق"  عبارة عن "النسخة الصينية من القاتل الإقتصادي" تغرق الدول بالديون التي قد لا تقوى على سدادها".