خاص ــ الاقتصاد

قضت ​محكمة​ الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي محمد بدران، بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة عشر سنوات، بحق أمينة السرّ التنفيذية في بنك المدينة ​رنا قليلات​ وتغريمها 50 مليون ليرة، وتنفيذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقها وتجريدها من حقوقها المدنية، ومنعها من التصرف بأموالها المنقولة وغير المنقولة ومن إقامة أي دعوى تتعلّق بأحوالها الشخصية طيلة مدة فرارها، وتعيين رئيس قلم المحكمة قيّماً على أموالها طيلة هذه المدّة. بعدما أدانتها بجرم الاستيلاء على مبالغ ضخمة من أموال بنك المدينة بلغ مجموعها 21 مليون دولار أميركي، عن طريق تحويلها الى حسابات خاصة بها.

وألزمت المحكمة المحكوم عليها، أن تسدد مبلغ 22 مليار 379 مليون ليرة لبنانية، و5.400.000 دولار أميركي على سبيل الردود لصالح بنك المدينة ش. م. ل، مع تعويض عن العطل والضرر قدرته المحكمة بمبلغ 100.000.000 ليرة لبنانية، وأعلنت المحكمة براءة المتهم "م. أ." من الجرائم نفسها لعدم كفاية الدليل واسترداد مذكرة القاء القبض الصادرة بحقه من دون تنفيذ.

وأوردت وقائع الحكم أن بنك المدينة، تقدم بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، اتخذ فيها صفة الادعاء ضدّ المتهمين رنا قليلات و"م. أ"، عرض فيها أن السيدين عدنان وإبراهيم أبو عياش يملكان 99% من أسهم بنك المدينة، حيث كان الأول يتولى مهام رئيس مجلس الادارة والمدير العام، في وقت كان الثاني نائبه، وأن رنا قليلات بدأت العمل في المصرف سنة 1989 وتدرجت وترفعت وتوسعت سلطاتها بمباركة وموافقة عدنان وإبراهيم أبو عياش، الى أن حازت في العام 2000 على حق التوقيع من فئة A وأصبحت هي الآمرة والناهية.

وبحسب وقائع القضية، فإن رنا قليلات بدأت تظهر للآخرين على أنها زوجة عدنان أبو عياش، وذلك ضمن مخطط جرمي يهدف الى الاستيلاء على أموال بنك المدينة، بموجب أفعال تعتبر قانوناً تبييضاً للأموال، وسرقتها بالاشتراك مع آخرين، وذلك من خلال فتح حسابات باسمها، لدى البنك المدعي (المدينة) وتغذيتها بموجب تحاويل مالية مزورة، لتظهر أن حسابها دائن بالنسبة للمصرف، ليصار بعدها الى سحب شيكات باسم ولمصلحة شريكها المتهم "م. أ."، ومن خلال سحب شيكات من حساباتها لدى البنك المدعي الممولة بأعمال و​اختلاس​ وسرقة من أموال بنك المدينة والمودعين لديه، وذلك لمصلحة "أ.".

ووفق ما ورد في مضمون الشكوى كان "م. أ." يقوم بقبض التحاويل المرسلة من رنا قليلات عبر حساباته لدى ​البنك اللبناني الكندي​ ــ فرع الدورة وغيره من ​المصارف​، ويقوم بفتح ​حسابات مصرفية​ باسمه ولمصلحته لدى بنك المدينة، ليصار الى تحويل الأموال المختلسة عليها، وأنه (أي "م. أ.") كان يستعمل هذه الأموال بالاتفاق مع رنا قليلات وقد تمكّنا وفقاً لهذه الآلية من ​اختلاس أموال​ بنك المدينة بحيث بلغ مجموعها 21 مليون دولار أميركي استعملها "م. أ." في عمليات تملّك عقارات وسيارات كان يسجلها على اسم اشخاص آخرين بهدف منع المصرف من ممارسة حق الارتهان العام على مجمل الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة له.

واعتبر المصرف المدعي (بنك المدينة) أن أفعال "م. أ." ورنا قليلات، ألحقت به أفدح الأضرار المادية والمعنوية، لا سيما وأنهما استمرا بها بعد الأزمة التي رزح تحتها في العام 2003 عند ارتجاع الشيكات في المقاصة، ​علم​اً أن المتهمة قليلات مشتبه بارتكابها أفعال ​تبييض أموال​ بموجب قرار هيئة التحقيق الخاصة لدى ​مصرف لبنان​، الا أن المتهم "م. أ." تقدم بمذكرة أدلى بموجبها بأن هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، عينت مديراً مؤقتاً لبنك المدينة وآخر لبنك الاعتماد المتحد (الذي كان يملكه عدنان أبو عياش)، فور وضع يدها على جميع الملفات العائدة لبنك المدينة في العام 2003، وأن الهيئة قررت بموجب قرار في العام 2003 رفع ​السرية المصرفية​ عن جميع حساباته المصرفية، وتجميد تنفيذ جميع عقود البيع و​العقارات​ الخاصة به الى حين انتهاء التحقيقات.

وأضاف المتهم "م. أ."، أنه بعد انتهاء التحقيقات المشار اليها من قبل الهيئة المذكورة والنيابة العامة التمييزية والمدير المؤقت المعين من مصرف لبنان، جرى التوصل الى عدم وجود أي علاقة له أو شبهات بعمليات ​تبييض الأموال​ أو التزوير أو غيرها من الجرائم، موضحاً بأن الهيئة قررت تحرير الحسابات العائدة له لدى جميع المصارف العاملة في لبنان، والأموال والموجودات العائدة له لدى جميع المؤسسات المالية ومؤسسات الصرافة، وإعادة السرية المصرفية عليها، ورفعت اشارة التجميد وتنفيذ جميع عقود البيع أو شراء العقارات العائد له.

وعطفاً على مذكرة المتهم "م. أ."، تقدم بنك المدينة بمذكرة في 14 آذار 2017 أدلى بموجبها بأن دور المتهم تمثل بتسهيل جرائم تبييض الأموال، بحيث كان يستعمل حساباته، كحسابات وسيطة لإيداع الأموال المسروقة من بنك المدينة ومن ثم تبييضها عبر شراء العقارات، وتسديد أموال الى المقربين من رنا قليلات.

وفي معرض التحقيق الابتدائي أنكر "م. أ." ما أسند اليه، وأوضح أنه يعمل في مجال العقارات ويتولى جميع ​المعاملات العقارية​ التابعة لبنك المدينة وزبائنه منذ العام 2000، بعدها كلفه إبراهيم أبو عياش ورنا قليلات بشراء عقارات كانت تسجل باسمه أو باسم رنا أو أشقائها أو مقربين منها، مؤكداً بأن جميع الأموال التي حولت الى حسابه المصرفي استعملها في شراء العقارات وتسجيلها واتمام المعاملات اللازمة لها، وأنه كان يوقع أحياناً شيكات على بياض الى رنا قليلات التي كانت تشتري بعض العقارات وتحدد المبلغ وتكتبه على الشيك بخط يدها لتستطيع تغطيته، مضيفاً أنها حولت الى حسابه مبلغاً من المال رغبة منها بشراء فيلا في منطقة الرابية عائدة للوزير الياس المرّ، لكنها عادت واشترتها عن طريق وسيط عقاري آخر، فأعاد لها المبلغ الذي حولته، وأجرى محاسبة معها، مشيراً الى أنه لم يكن يملك الحق بالتوقيع نيابة عن المصرف، ولم يكن على علم بمصدر الأموال التي كانت تسدد كثمن للعقارات.

وخلال استجوابه أمام المحكمة أيّد "م. أ." أفادته السابقة، وأكد أن مشتري العقارات، أي آل عياش وقليلات كانوا يسددون ثمن العقارات مباشرة بين المشتري والبائع، وفي بعض الأحيان كان يسدد هو من ماله الخاص بعض المبالغ الصغيرة ثم يستردها لاحقاً من المشتري، مشيراً الى أن حوالتين أجريت من حساب رنا قليلات الى حسابه المصرفي، وكانتا بهدف شراء فيلا في الرابيه، غير أن الصفقة لم تتم، عندها عمد الى تحويل الأموال مجدداً الى حساب قليلات في بنك المدينة بناء لطلبها.