البلد في حالة ترقب، وليس من الغريب على ال​لبنان​ي أن يعايش هذا الوضع، فقد اعتاد، مع مرور السنوات، على "الانتظار"؛ فنحن نقتات على الوعود، واذا عدنا لبعضة أشهر الى الوراء، سنلاحظ أننا انتظرنا تشكيل الحكومة، انتظرنا تنشيط حركة ​السياح​ة والأسواق خلال ​موسم الأعياد​، انتظرنا ​الإسكان​، وغيرها من المواضيع العالقة.

وحتى اليوم، لا زال الانتظار سيّد الموقف، فنحن ننتظر إقرار ​الموازنة​، ننتظر التماس الإصلاحات والحدّ من الفساد، ننتظر مصير أموال "سيدر" خاصة بعد أن وجه ​البنك الدولي​ أكثر من رسالة تحذير الى لبنان، يحثّ فيها الحكومة على إجراء الإصلاحات المطلوبة لوقف الهدر والفساد في المؤسسات، وفي مقدمة ذلك، إصلاح ملف ​الكهرباء​ الذي يكبّد الخزينة سنويا أكثر من 2 مليار دولار،...

لعلّ المرحلة المقبلة تحمل معها انفراجات وخطط، من شأنها أن تنشل البلاد من ​الركود​، وتحرك العجلة الاقتصادية، وتعيد الرؤية الايجابية الى الأجواء.

فهل سيؤدي ضغط البنك الدولي الى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض؟ هل أن البلد يتجه فعلا الى شافة الانهيار والإفلاس؟ وهل من الممكن أن يؤثر الهجوم على حاكم مصرف لبنان، على الاستقرار المالي والنقدي؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها رئيس دائرة الأبحاث في "بنك لبنان والمهجر" مروان مخايل، في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

أصبحنا في الشهر الرابع من العام 2019، ولا زال الحديث حول الإصلاحات قائما دون التماس أي نتائج على الأرض، فهل ستنجح الحكومة الحالية في ​مكافحة الفساد​ والهدر خاصة مع زيادة تحذيرات البنك الدولي؟

يتم اتخاذ بعض الخطوات على الأرض من أجل محاربة الفساد، لكنها بحاجة الى المزيد من الوقت لكي تظهر الى العلن.

أما بالنسبة الى موضوع الإصلاحات الأخرى التي من المفترض على الحكومة أن تقوم بها، فنلاحظ أنها في حالة تأخر. فقد حصلت هذه الحكومة على الثقة منذ حوالي شهر وثلاثة أسابيع، وبالتالي يجب أن تحصل الأمور بشكل أسرع الى حد ما.

ونتمنى أن تقر خطة الكهرباء والموازنة، على أن تكون الموازنة القادمة تقشفية، ولكن في الوقت ذاته قابلة للتطبيق والالتزام بكل بنودها، دون أن تؤدي الى تراكم ​الديون​ والتأخر في الدفع.

فالإصلاحات لا تتطلب الكثير من الوقت، لأن التأخير قد يؤدي الى خسارة أموال "سيدر"؛ فعل سبيل المثال، سوف يتم إقرار خطة الكهرباء والبدء بتنفيذها، كما سيتم إقرار مشروع الموازنة والبدء بتطبيقها، وستكون حينها الأجواء ايجابية للمجتمع الدولي من جهة وللمستثمرين من جهة أخرى، الذين ينتظرون خطوات ايجابية تقوم بها الحكومة من أجل استعادة الثقة بلبنان وإعادة أموالهم اليه.

أما من ناحية ​السياحة​، فنشهد مؤخرا على حركة سياحية جيدة خلال آذار ونيسان وخاصة من السياح العرب، كما أن التفاؤل موجود من موسم الاصطياف القادم.

من جهة أخرى نسمع أن البلد يتجه نحو الانهيار والإفلاس؛ الى أي مدى يمكن اعتبار هذا الكلام دقيق؟ وهل يمكن طمأنة الناس حول مستقبل البلاد؟

لا شك في أن الوضع الاقتصادي في لبنان صعب ودقيق، وإلا لما كنا بحاجة للقيام بالإصلاحات من أجل الحصول على أموال "سيدر"، ولكننا بالتأكيد لا نتجه نحو الإفلاس. فهذا المصير قد يكون حقيقة واقعة إن لم يتم اتخاذ أي إجراءات من أجل تفاديه.

فنحن نسير اليوم في حلقة مفرغة، اذ نعاني من عجز مرتفع، ومن فقدان ثقة المستثمرين، ومن غياب ​التحويلات​ الخارجية،... وبالتالي فإننا بحاجة الى كسر هذه الحلقة في مكان معين من أجل الدخول في دائرة ايجابية. ومن هنا، اذا تم إقرار الموازنة وخطة الكهرباء، وحصلنا بعدها على أموال "سيدر"، واستعدنا ثقة ​المجتمع الدولي​ والمستثمرين والمودعين، سندخل حتما في هذه الدائرة الإيجابية، وسينتعش الاقتصاد حينها، كما سنشهد على مشاريع جديدة في البلاد.

وبالتالي فإن الأولوية اليوم هي للموازنة ولخطة الكهرباء، ومن ثم يجب التركيز على خطة اقتصادية مستقبلية مفصلة، ونابعة من ما ورد في "خطة ماكينزي"، والتي تضم إجراءات فعلية لتحفيز الاقتصاد والنهوض بالقطاع الانتاجي من أجل تحسين نمو الصادرات وسدّ العجز الكبير في ​الميزان التجاري​.

هل من الممكن أن يؤثر الهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على الاستقرار المالي والنقدي في البلاد؟

في الوضع الحالي، لا يمكن لأي شيء أن يؤثر على الاستقرار النقدي، وخاصة في ظل الحديث عن الإصلاحات القادمة.

كيف تقيم الربع الأول من العام 2019، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي؟

خلال شهر كانون الثاني، شهدنا على الكثير من الأحداث السلبية مثل التأخر في تشكيل الحكومة، وتخوف الناس، وسحب الأموال من ​المصارف​، وتخفيض تصنيف لبنان،... كما كانت الفائدة بين المصارف تترواح ما بين 60% و80%.

ولكن في المقابل، عندما تشكلت الحكومة في شباط، انخفضت هذه الفائدة الى 4% و5%، ما يعني أننا شهدنا على تحسن وارتياح في السوق.

أما في نهاية شهر شباط، فعاد السوق مرة أخرى الى القليل من التعثر، وذلك بسبب موضوع محاربة الفساد والتجاذبات السياسية الحاصلة في هذا الإطار.

وبالتالي يمكن القول أن التحسن موجود حتما خلال الربع الأول من العام، وذلك خلال شباط وآذار. ومن هنا، نتمنى أن تستمر الحكومة في القيام بالإصلاحات من أجل استكمال مسيرة التحسن، وإعطاء المزيد من الدفع للاقتصاد، من أجل الاتجاه نحو الأجواء الإيجابية.