كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن مشروع اقامة سد في مرج بسري التي تقع بين قضائي جزين في الجنوب وجزين لتأمين ​المياه​ الى بيروت وجبل ​لبنان​، وكثرت التحركات المناهضة له لاسباب عدة. وقد قامت ​الدولة اللبنانية​ عبر مجلس الانماء والاعمار باجراء دراسات لفترات طويلة حول طبيعة المنطقة من كل النواحي واستملكت 97% من اراضي المرج لصالح الدولة وهي اليوم عند ابواب بداية تنفيذ المشروع خلال اشهر قليلة.

في المقابل، بدأت اعتصامات اسبوعية معارضة لهذا المشروع وذلك لعدة اسباب اهمها ان السد، وفي حال اقامته، سيؤدي الى حدوث ​زلزال​ مدمّر قد يصل الى 7 درجات على مقياس ريختر ويستهدف لبنان و​سوريا​ و​فلسطين​ معا،ً خاصة وان هذا السد يقع في منطقة زلزالية بامتياز اذ يمر بالقرب من فالق بلدة روم وفالق آخر من بلدة بسري، وقد أدى تحرك هذه الفوالق الى حدوث زلزال مدمّر للمنطقة امتدت الى مناطق اخرى في العام 1957، وادت ايضاً الى وقوع اضرار جسيمة في البشر والحجر. أضف الى ذلك، وبحسب المعارضين، سيدمّر السد الاراضي الزراعية والخضراء ويقضي على مزروعات نادرة ومتنوعة واشجار مثمرة ويقضي على بيئة ذات هواء منعش وعليل يتواجد في منطقة بعيدة عن اماكن السكن.

هزّ هذا المشروع الرأي العام الجزيني واللبناني، وفي 4 نيسان الجاري، عقدت ندوة في ​مجلس النواب​ وجرى بحث فيه عن مشروع سد بسري، كما صدرت توصيات بضرورة تسليم كل الدراسات الموجودة بعهدة مجلس الانماء والاعمار والبحث بها.

وللاضاءة على الموضوع، كان لـ"الاقتصاد" لقاء مع مدير مشروع بسري لدى مجلس الانماء والاعمار ايلي موصللي والناشط البيئي بول ابي راشد والنائب عن منطقة جزين ابراهيم عازار.

اشار مدير مشروع سد بسري لدى مجلس الانماء والاعمار ايلي موصللي الى ان من المنافع الاقتصادية الايجابية لانشاء سد بسري هو اولاً تغطية العجز في المياه الذي تعاني منه منطقة بيروت الكبرى والتي تحتوي على 1.6 مليون نسمة يحصلون على فترة 3 ساعات من المياه في منازلهم كل 24 او 48 ساعة في فصل الصيف، وبفضل السد سيتم تأمين ضعف او 3 مرات اكثر من كمية المياه المتوفرة حالياً، ومثالاً على ذلك، فان منطقة جعيتا تزوّد منطقة بيروت الادارية بـ250 الف متر مكعّب في اليوم من المياه، ولكنها تنخفض الى ما بين 50 الف و60 الف متر في اليوم مكعّب خلال فصل الصيف. وفي بسري، سيتم تزويد بيروت كمية مياه تصل الى 500 ألف متر مكعّب في اليوم خلال فصل الصيف، مضيفاً انه "بالنسبة للمنفعة الاقتصادية المباشرة على الافراد فان سد بسري سيؤمن المياه مجاناً للجميع وبالتالي سيوفر 4 مليون دولار على جيوبهم يومياً جراء شرائهم للمياه من الصهاريج".

وفي ما يتعلق بالمنطقة المحيطة بالمشروع، لفت موصللي الى ان "الشوف وجزين وشرق ​صيدا​ ومناطق اقليم الخروب ستستفيد بشكل مباشر من حصتها من مياه المشروع، كما سيتم تأمين محطة ​كهرباء​ بقدرة 12 ميغاوات موجودة في معمل بول قرقش تولد منه مصلحة الليطاني ونحن سنزيد هذه ​الطاقة​ بمقدار 12 ميغاوات بالرغم من ان هذه القدرة غير كافية على صعيد لبنان بأسره ولكنها ستكون مناسبة جداً لمنطقة معينة وتكفيها لمدة 24 على 24 ساعة خاصة وان استهلاك الكهرباء في هذه المناطق ليس بكمية الاستهلاك في بيروت وجبل لبنان".

أما على صعيد المنافع الاقتصادية غير المباشرة لمشروع السد، فذكر ان "هذا الاخير سيؤمن فرص عمل لابناء المنطقة التي تحتاج لفرص عمل وخاصة خلال فترة البناء. واذا تكلمنا عن فترة ما بعد البناء والتشغيل، فسيكون هناك حاجة لموظفين في بعض الاختصاصات من عمال ومهندسين لتشغيل السد. كما سنخلق مشاريع بيئية نموذجية على ان تكون ادارتها مع السلطات المحلية. واذا قمنا بانشاء بحيرة علينا ان نخلق جذباً سياحياً غير ملوّث لها على ان تكون منظمة. وفي النهاية، هذه المشاريع ستنفذ ضمن محيط المشروع من خلال اقامة المطاعم والمساحات العامة.. كما اننا نخطط لبناء متحف صغير في محيط المشروع يحتوي على الآثار المنتشرة في بسري ويكون تحت ادارة احدى البلديات في المنطقة او اتحاد بلديات."

وحول الاضرار الاقتصادية، لفت موصلي الى ان هناك "خسارة في القطاع الزراعي في تلك البقعة ولكن ليس كما يتم تصويرها بان الاراضي في بسري كلها زراعية، اذ ان هناك قسم من وادي السهل قابلة للزراعة وهي ليست ​مستثمر​ة بشكل كبير بالرغم من وجود بعض الخيم الزراعية ومعظم هذه الاراضي غير مستثمرة ان كان من ناحية الشوف او من ناحية جزين بسبب انحداراتها الشديدة وغياب الطرقات للوصول اليها. وان الاراضي القابلة للزارعة تشكل نسبة 25% من مساحة المرج وهناك جزء من الـ25% مستثمر ضمن زراعات موسمية واخرى دائمة مثل ​الزيتون​. التعويض المباشر سيكون عن طريق الاستملاك والدفع المادي المباشر لاصحاب الاراضي، ونحن نعمل على موضوع التعويض الايكولوجي ايضاً".

وعن معارضة الاهالي للمشروع، اعتبر موصلي ان "هذه المعارضة كلام شعبوي يراد فيه باطلاً بحيث ان ​الشباب​ لا يدعون وسيلة الا ويتكلمون فيها عن الموضوع وهم يعلمون انه تم دراسته في مرحلة معيّنة، فموضوع الزلازل تحديداً قد تمت دراسته بشكل تفصيلي ودقيق من العام 2013 حتى العام 2017، والمراحل التي مرت بها هذه الدراسة هي: أولاً مسح نيوتكتوني اي تحديد الفوالق الزلزالية الاساسية الموجودة في المنطقة وعلى صعيد لبنان بشكل عام وقد استعنا لهذه الغاية بخبراء محليين واجانب. بموجب هذا المسح تم تحديد الفوالق وتأثيرها ومعرفة تلك الناشطة من غير الناشطة، وبناء على هذه الخريطة تم تحديد أثر الفوالق الذي يسمى تقييم مخاطر السلامة بحيث نأخذ كل المعطيات الفنية على صعيد الفوالق الزلزالية ونعرف منها من اي فالق قد يحدث زلزال وما هو تأثيره على المنطقة. واما المرحلة الثالثة فهي القيام بدراسة ديناميكية لتأمين ثبات السد على اقصى درجات الزلازل. وقد اقيمت هذه المرحلة في مكتب شركة فرنسية."

كما نفى موصللي المعلومات التي تتحدث عن ان السد قد يولّد زلزالاً وواضعاً اياه في "خانة ​الشائعات​ التي يتم تداولها من قبل المجموعات التي تحارب المشروع لاسباب مجهولة"، موضحاً ان "فالق روم موجود على عمق يصل الى 20 كلم تحت الارض ومن المستحيل ان تتسرب مياه البحيرة الى هذا العمق وتحرّك هذا الفالق."

وأوضح انه "من اجل حصول زلزال نتيجة وجود بحيرة، يجب توفر 3 شروط وهي: اولاً يجب على المنطقة ان تكون ناشطة زلزالياً ما يعني ان هناك فالق ممكن ان يتحرك في اي لحظة وتم انشاء بحيرة فوقه بحيث ان مياه هذها البحيرة دخلت الى الفالق وجعلته يتحرك ما يجعل المياه قوة ضاغطة على الفالق فيتحرك تلقائيا، ثانياً: قرب الفالق من مكان السد وثالثا: على الزلزال بان يكون عليه ضغط كاف ليتحرك وهناك غياب لهذه الشروط في بسري."

بدوره، اكد الناشط البيئي بول ابي راشد اننا "دخلنا في مرحلة التحركات الشعبية لمناهضة انشاء سد في مرج بسري وان اهالي بلدتي بسري ومزرعة المطحنة كانوا يعتبرون أن موضوع انشاء السد غير جدي، وبالتالي عندما بدأت بوادر العمل في تظهر في المشروع من خلال ادخال جرافات واقفال الطرقات فقد شعروا بجدية العمل وبدأوا بالتظاهرات والاعتصامات في المنطقة"، لافتاً الى انه "تم منعهم من دخول الاراضي التي كانت ترزع من اجدادهم وآبائهم، وان الجميع يعلم بوجود فالق زلزالي في المنطقة سيؤثر عليه بناء السد وقد تم تنظيم اعتصامات عدة وآخرها منذ اسبوعين حيث تم منع 200 شخص من الدخول لممارسة ​رياضة المشي​ وتمضية النهار بسبب حلول فصل الربيع، لذا فان الموضوع اصبح جدياً اكثر وخاصة لناحية التحركات من قبل اهالي المنطقة وحتى من كافة المناطق اللبنانية".

وعن الاضرار الاقتصادية التي ستنتج في حال تم تنفيذ مشروع بناء السد، قال أبي راشد ان "اولى هذه الاضرار هي دين كبير بقيمة 1.2 مليار دولار اميركي مع فوائده من قبل ​البنك الدولي​ وغيره من الجهات الدائنة لانشاء السد الامر الذي سيشكل ​كارثة​ جديدة على الاقتصاد الوطني، أضف الى ذلك، الضرر الاقتصادي على القطاع الزراعي اذ ان المنطقة تحتوي على سهل زراعي يختلف عن باقي السهول الزراعية في لبنان لانه يمتد بشكل طولي ضمن منطقة وسطية تحتوي، بحسب ما يخبره المزارعون، على تربة حامية الامر الذي يؤدي الى انتاج مزروعات كبيرة ومميزة عن باقي المناطق الزراعية".

وتابع "تشتهر الارض الزراعية في بسري بزراعة ​الفراولة​ اذ ان 70% من هذه الكمية يتم توزيعها في مختلف المناطق اللبنانية، وجزء منه يتم تصديره الى ​تركيا​، كما ان اشجار الصنوبر الموجودة هناك مميزة عن باقي المناطق وخاصة في غابة بكاسين، بالاضافة الى وجود اشجار الزيتون والخضار المتنوعة من فواكه وحمضيات"، مضيفاً ان "المياه التي تتسرب من نهر بسري في القنوات القديمة باتجاه بساتين مدينة صيدا ستتوقف وبالتالي فان البساتين الزراعية ستتضرر بالاضافة الى خسارة ​السمك​ النهري وخاصة بانه يتم صيده بشكل كبير من قبل الناس وضرر على السمك البحري وخاصة وان مياه النهر تحمل معها ترسّبات غذائية للاسماك البحرية التي تضع بيضها في المكان فالسد سيوقف مد هذه التسربات الغذائية الى الاسماك وبالتالي الى موتها".

وعن الاضرار الاقتصادية على الصعيد السياحي، قال أبي راشد ان "هناك خسارة اقتصادية كبيرة للمطاعم والمقاهي المنتشرة على طول النهر وخاصة انها مقصودة من وفود من كل المناطق اللبنانية، بالاضافة الى خسارة فرص التخييم والتنزه للشباب داخل المرج وقرب النهر".

واشار الى ان "المواطين المقيمين في القرى المحيطة بالسد لن تخاطر بالبقاء في منازلها بسبب وجود خطر زلزالي حقيقي نتيجة وجود فاليقين"، مضيفاً انه "اذا تم بناء السد وحصل زلزال كما يحذر الباحث الجيولوجي في الجامعة الأميركية في بيروت د. طوني نمر من ان الدمار سيشمل كل لبنان وان كلفته ستصل الى مليارات الدولارات وقد تصل قوة الزلزال الى 7 درجات وتطال فلسطين وسوريا".

بدوره، اشار النائب ابراهيم عازار الى انه "كان يجب ان تعقد الندوة حول سد بسري منذ سنوات قبل وصولي الى البرلمان لان كان هناك نوعاً من عدم التجاوب مع الهواجس والدراسات العلمية التي تتحدث عن ان هناك مخاطر معينة قد تعرقل انشاء السد"، لافتا الى اننا "نجحنا بفرض تسليم كل التقارير والدراسات الموجودة بحوزة مجلس الانماء والاعمار ووزارة الطاقية لناحية الشروط الهندسية والجيولوجية وكل المخاطر التي قد تنتج عن هذا المشروع لانه يبدو ان هناك تاريخاً زلزالياً في المنطقة المنوي انشاء السد فيها وليس سهلاً التعامل مع الامر".

وامل عازار أن" تتجاوب الادارات المعنية وتسلمنا كل الدراسات كي نستطيع ان نعرف حقيقة هذا المشروع وضرورة السير به من عدمه، ولقد قد تم اجتياز مراحل مهمة في هذا المشروع على الصعيد المؤسساتي اي مع البنك الدولي لناحية القرض وقسم كبير من الاعمال لتأمين المياه الى بيروت وضواحيها ولكن في الوقت عينه، اذا سيتسبب هذا المشروع بزلزال فلن يبقى بلداً في الاساس ليستفيد من هذا المشروع".

واضاف ان هناك مشكلة تتمثل في نظافة المياه التي ستروي بيروت والمناطق الاخرى وخاصة وان قسم من هذه المياه ستنخلط مع مياه الليطاني الملوثة فاذا ثبت ان المشروع لا يشكل اي خطراً زلزالياً او جيولوجياً في المستقبل وان لا امكانية لتأمين المياه من اماكن اخرى وبكلفة اقل يبقى عندنا موضوع ​تنظيف​ المياه وتكريرها وجعلها صالحة للاستخدام".