أَظهَرت البيانات المالية غير المدققة لمجموعة مصارف "ألفا" اللبنانية تراجعاً سنوياً بنحو 5.52% في أرباحها الصافية المجمعة إلى 2.27 مليار دولار أميركي عام 2018، مقارنة مع أرباح بلغت 2.4 مليار عام 2017.

مجموعة "ألفا" تضم 16 مصرفاً من أكبر المصارف اللبنانية التي تحوي كل منها ودائع زبائن تتخطى المليارَي دولار، وهي: بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، بنك البحر المتوسط، البنك اللبناني الفرنسي، بنك بيبلوس، بنك الاعتماد اللبناني، بنك بيروت، بنك بيروت والبلاد العربية، فيرست ناشيونال بنك، بنك إنتركونتيننتال لبنان، بنك سوسيتيه جنرال في لبنان، فرنسبنك، بنك لبنان والخليج، بنك الاعتماد المصرفي، بنك سارادار، والبنك اللبناني السويسري.

ولمعرفة المزيد حول اسباب هذا التراجع وعدد من المواضيع الأخرى كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مدير عام مساعد، ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عودة"، د. ​مروان بركات​:

ما هي أسباب تراجع أرباح مصارف "ألفا" اللبنانية في 2018؟

رغم الجهود التي بذلتها المصارف ألفا لضبط التكاليف التشغيلية، فإن الظروف التشغيلية الصعبة في السوق المحلية، والتي عكسها تقلّص واضح لمحفظة التسليفات خلال العام الماضي وتأثير الزيادات الضريبية محلياً، قد أدّت إلى تقلص في الأرباح الصافية للمصارف ألفا بنسبة 5.5% في العام 2018. وعليه، سجّلت المصارف ألفا تراجعاً في نسب المردودية، بحيث بلغت نسبة المردود على إجمالي الموجودات 0.91% في العام 2018، ونسبة المردود على الأموال الخاصة 10.31%، أي بتراجع مقداره 14 نقطة أساس و95 نقطة أساس على التوالي بالمقارنة مع العام 2017. هذا ويظهر تحليل مكوّنات نسب المردودية تراجعاً في نسبة استخدام الموجودات مدفوعاً بشكل رئيسي بتراجع نسبة الدخل من الرسوم والعمولات إلى متوسط الموجودات، في حين استقرت تقريباً هوامش الفوائد (لتتسع على الليرة اللبنانية وتتقلص على العملات الأجنبية)، علماً أن صافي الهامش التشغيلي ارتفع بعض الشيء في العام 2018. باختصار، لا شك أن المصارف اللبنانية بشكل عام ومصارف ألفا بشكل خاص قد شهدت سنة صعبة في العام 2018، في ظلّ تجاذبات سياسية محلية وتأخير في تشكيل حكومة جديدة لأشهر طويلة من العام، ناهيك عن ضغوط سوقية في أسواق التواجد في الخارج. غير أن الثقة بالنظام المصرفي اللبناني وثبات قاعدة الودائع والسيولة المصرفية السليمة مكّنت القطاع من مواجهة الصعوبات ومن تحقيق نمو في الودائع التي تشكّل المحرّك التقليدي لنشاط القطاع، وإن أقل من النمو المسجّل في السنوات السابقة، في حين حافظت المردودية بشكل عام على معايير مقبولة نسبياً، رغم تراجعها بعض الشيء خلال السنة الماضية.

كيف كان أداء القطاع المصرفي خلال الربع الأول من العام؟

عقب شهر صعب في كانون الثاني من العام الحالي حيث شهد لبنان انخفاضاً في قاعدة الودائع المصرفية بقيمة 2.2 مليار دولار خلال الشهر (بالتوازي مع عجز في ميزان المدفوعات قدره 1.4 مليار دولار)، عادت الودائع المصرفية لترتفع مرة أخرى في شهري شباط وآذار، بحيث سجلت خلال الأسابيع السبع المتتالية منذ تشكيل الحكومة، زيادات صافية في خمسة أسابيع منها وانخفاضات صافية في أسبوعين فقط وفق آخر الإحصاءات المتوفرة لودائع المقيمين، والتي ارتفعت في المجمل خلال شهري شباط وآذار. مع الإشارة إلى أن هذه الزيادة في الودائع المصرفية تعدّ أقل من تلك المطلوبة لتمويل العجوزات الهيكلية في لبنان. أما بالنسبة لأسعار الفائدة، فهي لم تنخفض بشكل ملحوظ بعد تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنها توقفت عن الارتفاع. تجدر الإشارة إلى أن متوسط سعر الفائدة على الودائع بالدولار الأمريكي كان قد ارتفع بمقدار 167 نقطة أساس على أساس سنوي، أي من 3.91% في كانون الثاني 2018 إلى 5.58٪ في كانون الثاني 2019، علماً أن الفوائد المرجعية في الخارج (Libor) كانت قد ارتفعت بنسبة 1% خلال السنة المذكورة. أما متوسط سعر الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية فكان قد ارتفع بمقدار 240 نقطة أساس، أي من 6.53% في كانون الثاني 2018 إلى 8.93% في كانون الثاني 2019.

ما هي تداعيات عدم إقرار ​الموازنة​ حتى اليوم، وخاصّةً أنها إحدى أهم الإصلاحات المطلوبة للحصول على أموال "​سيدر​"؟

إن إقرار الموازنة العامة حاجة ملّحة لانتظام المالية العامة في لبنان، ويحمل في طيّاته بلا أدنى شك إشارات مؤاتية للأسواق والمستثمرين ويساهم في تعزيز عامل ثقة العالم الخارجي بالاقتصاد الوطني، في حال تضمنت خفضاً في نسبة العجز المالي العام بـواحد في المئة كما ورد في البيان الوزاري. إلا أننا نرى أن إقرار موازنة عامة بحد ذاته ليس كافٍ إذ يجب أن يترافق مع تقدم مرجو على مسار الاصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها من الاصلاحات الاقتصادية إلى المالية والإدارية منها، والتي من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي وتحفّز كل من الإنتاجية والعجلة الاقتصادية وتحدّ بالتالي من الاختلالات القائمة على صعيد القطاع الخارجي والمالية العامة. عليه، من أجل ضمان هبوط آمن للاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة، فإن لبنان بحاجة إلى اعتماد إصلاحات هيكلية جذرية تعزز من نسبة تعبئة الموارد من ناحية (عن طريق مكافحة التهرب الضريبي)، وتخفّض من الإنفاق غير المجدي. من المهم هنا أن تقوم الدولة بخفض نسبة العجز العام إلى الناتج بشكل تدريجي خلال السنوات الخمس القادمة كما وعدت في مؤتمر "سيدر" أمام المجتمع الدولي وتعتمد إجراءات حسية في هذا السبيل.

كيف ترى المرحلة المقبلة للبنان مالياً ونقدياً؟

نعتقد أنه لا يزال هناك مجال لتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في المالية العامة بدلاً من التدابير ذات التداعيات السلبية الطويلة الأمد مثل تخفيض سعر صرف الليرة أو إعادة هيكلة الديون. إذ لا يزال هناك مجال لتخفيض العجز المالي العام وكبح نمو نسب المديونية من خلال عدد من التدابير المرجوّة على صعيد الإيرادات والنفقات العامة والتي تتمحور بشكل خاص حول زيادة تعبئة الموارد، وتحسين جباية الضرائب، وتقشف في الإنفاق، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتطبيق مقررات مؤتمر "سيدر" عقب تشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى إدارة رشيدة لموارد النفط والغاز.

فيما يتعلق بالتقشف في الإنفاق العام، هناك مجال لتخفيض النفقات غير الثابتة (خارج الأجور والرواتب وخدمة الدين والتحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان) بنسبة 20% على النحو الذي اقترحه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، ما من شأنه أن يحقق وفورات بمقدار 0.9 مليار دولار، أي ما يعادل 15% من العجز المالي للعام الماضي. وفيما يتعلق بإصلاحات قطاع الكهرباء، هناك إمكانية لكي يصبح القطاع مربحاً على المدى المتوسط​​، عقب خسائر قطاعية بقيمة 1.7 مليار دولار في العام الماضي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصلاح القطاع عبر بناء محطات الطاقة اللازمة، وضمان الكهرباء على مدار 24 ساعة ورفع رسوم الكهرباء. مع الإشارة إلى أن تعرفة الكهرباء في لبنان يمكن أن تزيد بما لا يقل عن 40% (أي من 9.5 سنت لكل كيلوواط ساعة حاليًا إلى 14 سنت لكل كيلوواط ساعة، وهي تبقى أقل من المتوسط ​​العالمي البالغ 19 سنتًا لكل كيلوواط ساعة)، عندها يتوقف اللبنانيون عن دفع فواتير مزدوجة وحصرها بفاتورة واحدة لمؤسسة كهرباء لبنان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفاتورة التي تُدفع للمولدات الكهربائية تبلغ حوالي 25 سنتًا لكل كيلوواط ساعة. أما فيما يتعلق بمكافحة التهرب الضريبي، نعتقد أن هناك مجال لسد ما لا يقل عن ربع فجوة التهرب الضريبي التي نقدر حجمها بحوالي 4.8 مليار دولار، تتأتى بشكل رئيسي عن ضرائب الدخل وفواتير الكهرباء والضريبة على القيمة المضافة والضرائب الجمركية والعقارية. ما من شأنه أن يضمن إيرادات سنوية إضافية بقيمة 1.2 مليار دولار، أي ما يعادل 2.25% من الناتج المحلي الإجمالي، يكاد يناهز نصف الجهد الإصلاحي الذي التزم به لبنان في مؤتمر سيدر.

في حال تم تنفيذ جميع هذه التدابير، لن يكون هناك عجز ملموس في المالية العامة على المدى المتوسط. أما وفي حال تم تنفيذ نصف هذه التدابير لاسيما نتيجة تجاذبات سياسية داخلية محتملة، هناك مجال لتخفيض العجز المالي العام من 11% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.5% في أفق أقصاه 5 سنوات وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة، مما يشير إلى أن أرقام المالية العامة لا تزال قابلة للاحتواء وأن البلاد لم تقع بعد في فخ المديونية، على الرغم من أوضاع المالية العامة الواهنة في المرحلة الحالية. هذا يدعو جميع الأطراف السياسية في البلاد إلى الشروع في خيارات صعبة عبر إصلاحات هيكلية أكثر إلحاحية والتي من شأنها أن تجنّب لبنان تجرّع الكأس المريرة الناجمة عن غياب المبادرات الإصلاحية مع ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الاستقرار المالي والنقدي في المدى الطويل بشكل عام.