يخبئ ملف الكهرباء مفاجأت كثيرة، تظهر الواحدة تلوى الاخرى وتطغى علىالزمن الجميل الذي عرفت فيه المؤسسة الانتاج الكافي ، النقل السليم والتوزيع العادل مع الادارة الكفوءة التي استطاعت تحقيقالارباح بعيدا عن التدخلات السياسية ، وبالطبع هي مرحلة ما قبل الحرب.

ولعل الخطة المطروحة اليوم من قبل وزارة الطاقة والموضوعة في عهدة اللجنة الوزارية ستصطدم بمواجهات عدة ، لاسيما في ما تتضمنه لجهة زيادة كميات الانتاج لتلبية الحاجة ولسد النقص الحاصل من جهة ، ولمواكبة الطلب المرتفع من جهة اخرى . فوفق بعض المعلومات ، مشروع بناء معمل انتاج في منطقة سلعاتا في الشمال،هوطرح قديم ، تم اتخاذ قرار بهخلال اواخر الستينات خلال فترة تولي توفيق البزري مهام وزارة الطاقة وتولي بديع لحود مهام مدير العام في ​مؤسسة كهرباء لبنان​، وذلك لضرورات بيئيية واجتماعية، اهمها نقل الانتاج من معمل الزوق الحراري الموجود بين المناطق السكنية الى منطقة سلعاتا في الشمال البعيدة عن الاماكن السكنية .

وبالفعل تم استملاك الاراضي اللازمة في حينها من اصحابها وهي بحوالي 200الف متر مربع بعدما تم تسديد القيمة الحقيقية لسعرها في تلك الفترة . الا انه رغم أنجاز هذه المرحلة الاولية من الاستملاكات لم يتم إنشاء اي معمل كهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان وظلت صرخات اهالي منطقة الذوق تتعالى مطالبة بتوقيف مصدر التلوّث الناتج عن انبعاثات معمل الذوق ،رغم انه في العام 1999، وبإيعاز من وزير الطاقة والمياه السابق القاضي سليمان طرابلسي ، جرى اجتماع موّسع بين اتحاد بلديات الزوق برئاسة نهاد نوفل والمدير العام في كهرباء لبنان السابق المهندس جورج معوض من اجل برمجة عملية نقل معمل الانتاج من معمل الذوق الحراري بعد إنشاء معمل في اراضي سلعاتا المستملكة . ولكن طرأت امور عدة ساهمت في تأخير المشروع الى ان نسف من اساسه في عام 2010 عندما طلبت وزارة الطاقة من الادارة في الكهرباء بإعادة الاراضي المستملكة في سلعاتا الى اصحابها بنفس المبلغ الذي تم الشراء فيه في الستينات ! اي بابخس الاسعار رغم الفارق الكبير في ارتفاع اسعار العقارات والاراضي بين المرحلتين .

بغض النظرعن ظروف عملية البيع الغامضة ، والتي لم تصب ابدا في مصلحة مؤسسة كهرباء لبنان على الاطلاق ، تلحظخطة وزارة الطاقة الحالية مشروع إنشاء معمل لإنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة حامات – سلعاتا، والمقدر قيمتها بحوالي 200 مليون دولار أميركي.

وفي معلومات اخرى متقاطعة مع الاولى ، تأتي الخطة لاستملاك عقارات معينة في المنطقة المنوي إنشاء معامل كهرباء عليها، في وقت انّ مؤسسة كهرباء لبنان في عام 1978، بناء على مرسوم رقمه 1301 وصدر في 15 ايار 1978 وهو موقّع من قبل رئيس الجمهورية آنذاك الياس سركيس، استملكت عقاراً لإنشاء محطة كهرباء في حامات، ما يعني انّ هناك عقاراً موجوداً ولاحاجة لشراء عقار جديد.

الموافقة ضمن رزمة واحة !

والى ذلك ، تقترح خطة الكهرباء المطروحة اتخاذ ​مجلس الوزراء​ قراراً بالموافقة عليها بكامل بنودها، والعمل على تسهيل سير المناقصات العلنية والاستملاكات والتنفيذ.

لاشك ان هذه النقطة هي احدى نقاط الخلاف المرتقب ان يتأجج عند مناقشة خطة وزارة الطاقة . بالمبدأ ، يعارض الرئيس نبيه بري بشدّة خيار بواخر الكهرباء، ويطالب بمعالجة الملف بشفافية مطلقة ، وهو يقول :"لقد جرّبنا البواخر، وكانت النتيجة كلفة كبيرة وإرهاقاً للخزينة، الآن صارت البواخر “جرصة”، ولا اعتقد انّ هناك مجالاً للعودة اليها".

وايضا ً، يهمس نوابه بعدم جديّة الخطة التي تتضمن استملاكات أراضٍ لمعمل في سلعاتا بقيمة 200 مليون دولار. فقدرة المعمل 550 ميغاوات، وكلفة إنشائه لا تصل إلى 500 مليون دولار، أما جدوى إنشاء هذا المعمل، فهي غير واضحة.

كل هذه المناكفات تجري تحت مجهر ​البنك الدولي​ الذي التزم بمنح لبنان ​قروض​اً بقيمة 4 مليارات دولار في مؤتمر «سيدر» تنفق على مشاريع جديدة في البنية التحتية. وهو حذّر السلطات اللبنانية من أن عدم الاتفاق على الخطّة سيؤدي إلى تعليق قروضه للبنان والتوقف عن تمويل المشاريع.

وقد شدد البنك الدولي على الارتباط بين خطة الكهرباء، وتخفيض العجز في الموازنة من زاوية ان ثلث العجز سببه عجز الكهرباء.

و عن الاصلاحات المربوطة بالقروض يقول نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج:" كل هذه الإصلاحات رغم البدء بها لا زالت لا ترتقي إلى المستوى المرتقب وهذا ما قلناه بكل صراحة إلى الحكومة اللبنانية."

يحتاج لبنان إلى 3884 ميغاواط ليغطّي كامل الطلب الاستهلاكي على الكهرباء. الخطّة المعروضة على مجلس الوزراء تلحظ هذا الأمر، إلا أنها تقسم تنفيذه إلى مرحلتين: المرحلة المؤقتة تتضمن إنشاء أو استقدام معامل إنتاج بقدرة 1450 ميغاواط، والمرحلة الدائمة تتضمن إنشاء معامل بقدرة 3100 ميغاواط. الخطّة تلحظ أيضاً في المرحلة المؤقتة، أن يتم العمل على خفض الهدر الفني وغير الفني إلى الحدود المقبولة عالمياً بموازاة العمل على تعزيز شبكات النقل وتحسين الجباية، ما يسهم في «خفض العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان المتوقع أن يكون 1.4 مليار دولار في 2019، ليصبح 574 مليون دولار في 2020، ثم يتحوّل العجز إلى مدخول في عام 2022، حيث يكون مجموع إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان خلال الفترة 2020 ــــ 2025 نحو 221 مليون دولار.

ومن المعلوم ان البنك الدولي ومانحون دوليون آخرون ساعدوا في ترتيب تعهدات بقيمة 11 مليار دولار على شكل قروض ميسرة ومساعدات في مؤتمر عُقد في ​باريس​ قبل عام لتشييد بنية تحتية جديدة في لبنان، لكنه قال إن الأموال تتوقف على الإصلاحات. ولكن اين الاصلاحات ؟

هيئة ومجلس قبل الخطة

من جملة الانتقادات على خطة الكهرباء المعروضة اليوم موقف حزب القوات اللبنانية الذي يشدد على وضع خطوات عملية فعلية على خطة حولها التباس من أين يجب أن تبدأ. ويطالب حزب القوات بوضوح بتعيين هيئة ناظمة ومجلس إدارة للإشراف على الخطة ومتابعة الملف.

ويؤكد الحزب انه لن يسمح بصرف أي كيلواط على الشبكة طالما الهدر في الشبكة مستمر. ويتساءل عما «يمنع تنفيذ خطوتين أساسيتين اليوم قبل الغد: الهيئة الناظمة ومجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان.

وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني تبدي اليوم الاستعداد لتقبل اي انتقادات بناءة حول خطة وزارتها . وهذا امر جيد ،ولكن العبرة تبقى في استيعاب ملاحظات اشارت الى مكامن الخلل وشدت على وجوب معالجة نقاط الهدرالفني والتقني والمالي في الكهرباء. وهي كثيرة ،ومن بينها كيف تعاود الكهرباء شراء نفس الاراضي باسعار مرتفعة بعدما باعتها باسعار متدنية منذ فترة ؟

لماذا لاتتم معالجة الهدر ووقف اعمال السرقة على الشبكة قبل دفع الاموال من اجل رفع قيمة الانتاج وإنشاء المعامل ؟

ماذا عن جهوزية خطوط النقل ، هل هي قادرة على استيعاب كمية الانتاج الجديدة ؟

اين اصبح موضوع الهيئة الناظمة للكهرباء التي من مسؤولياتها مراقبة كل هذه الاعمال ؟

ماذا عن تعيين مجلس ادارة جديد للكهرباء خصوصا وان معظم اعضاءه قدم استقالته ورفض البقاء في منصب غير فعّال ؟

هل من اجوبة وافية في الخطة ؟

في الكهرباء موضوع البواخر "جرصة" وللاستملاكات قصة . فهل تكون الخواتيم سعيدة ؟.