ينتظر ال​لبنان​يون، بتفاؤل، حلول موعد موسم اصطياف 2019، وذلك بعد أن خسر الكثير منهم باب رزقه جراء التراجع الكبير الحاصل خلال السنوات الماضية.

فقد بُنيت الكثير من التطلعات على نجاح القطاع ​السياح​ي، والآمال مرتفعة هذا العام بحصول حركة اقتصادية ايجابية، بعد عودة الاستقرار الأمني والسياسي، واستعادة "جزء" - اذا صح التعبير - من ثقة ​المجتمع الدولي​ بلبنان.

وترافقت هذه التمنيات مع توقعات بعودة السائح الخليجي بقوة، بالاضافة الى الانفتاح نحو أسواق جديدة لاستقطاب المزيد من الجنسيات، لعلنا نشهد على تطور في النشاط السياحي. فالمؤسسات السياحية تترقّب المؤشرات الإيجابية التي تبعث بعض التفاؤل بموسم ناشط.

وتوقع البعض أن يحقق القطاع مداخيل تصل الى 6 مليار دولار، كما راهن وزير ال​سياحة​ أفيديس كيدانيات على أن يكون العام الجاري 2019 أفضل من العام 2010، أي خلال "موسم العز"، حين حطمت ​السياحة​ الأرقام القياسية.

فهل أن هذه التطمينات مبالغ فيها؟ كيف سيسهم مؤتمر "نحو سياحة مستدامة" بتنشيط القطاع؟ وهل أن التعاون بين القطاعين العام والخاص قابل للتحقيق؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها أمين عام اتحاد النقابات السياحية في ​لبنان​ ​جان بيروتي، في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

- ما هي تعطلعاتكم بعد انتهاء مؤتمر "نحو سياحة مستدامة"؟ ماذا تتوقعون من نتائجه؟

قدم المؤتمر تجارب الدول التي حققت تقدما ملحوظا في قطاع السياحة، كما تطرق الى الواقع اللبناني من خلال طرح الرؤية المستقبلية، والتركيز على الأسواق التي نتعاطى معها، بالإضافة الى كيفية تطوير القطاعات لتكون على مستوى طموحاتنا، وبمستوى الأرقام التي حققناها في 2010.

ولكن لو نجحنا في الوقت الحاضر بالوصول الى عدد السياح المحقق في العام 2010، سيبقى التفاوت موجودا بشكل كبير جدا في إنفاق السياح القادمين الى لبنان. اذ كنا نحقق مداخيل تصل الى 8.5 مليار، في حين أننا اليوم لا ننجح في الوصول الى حوالي 3.8 مليار دولار؛ وبالتالي لا نزال تحت نسبة 50% من المدخول السياحي الذي كنا نحققه. وهنا تكمن المشكلة الأكبر.

كما أن تجربة الدول التي تعرفنا اليها خلال المؤتمر، كانت مفيدة للغاية، وخاصة عندما تحدث الأمين العام السابق للمنظمة العالمية للسياحة، وأكد على أن الوطن العربي بأكمله يريد لبنان، والمشاكل التي نعيشها محليا في السياسة الداخلية، يجب أن لا نعتبرها عائقا أمام مجيء السياح الى لبنان.

اذ كنا نعتقد أن التجاذب الاعلامي الحاصل هو السبب الأساسي لغياب السائح، في حين تبين أن أقرب الناس الى لبنان - باستثناء اللبنانيين المغتربين الجدد، أي الذين سافروا حديثا - هم من يتابعون الأخبار اللبنانية بالتفاصيل، بينما بالنسبة الى الباقين، لا يعتبر هذا الأمر عائقا أمام عدم مجيء السائح.

ولا بد من الاشارة الى أن السياح بدأوا بالتوافد نحو سوريا، في ظل كل الأجواء المحيطة بالبلاد، وذلك انطلاقا من أهمية مكاتب السفر في الخارج، التي تخلق البرامج التشجيعية، وتؤكد على أن الأمن مستتب؛ فيحصل السائح بذلك على ضمانته من المكتب المنظم.

وتبين لنا أن حوالي 300 ألف سائح لبناني سافروا الى الخارج في رحلات منظمة، خلال العام 2018، وبالتالي فإن المشكلة تكمن في التسويق للبنان في الخارج، ما ليس من مسؤولية وزارة السياحة، بل يقع على عاتق الشركات التي تركز اليوم على تنظيم الرحلات من لبنان الى الخارج، وليس العكس.

وقد تطرقنا الى كل هذه الأمور خلال المؤتمر، من أجل معالجتها، والتأكيد على أننا قادرون على النهوض بالقطاع اذ عملنا وتعاونا معا.

- هل يمكن تحقيق مداخيل سياحية مشابهة للعام 2010؟ أم أن الأرقام المتداولة مضخمة ومبالغ فيها؟

لا أستبعد أن تحقق السياحة أرقاما ممتازة، ولكن لا زلنا بعيدين كل البعد عن أرقام العام 2010، وذلك بالنسبة الى الأرقام المالية وليس عدد السياح.

فبالنسبة الى عدد السياح نحن قادرون، بالطريقة التي تتبعها وزارة السياحة، على تحقيق هذه الأرقام، في حين أن المشكلة الأساسية تكمن في ​الإنفاق السياحي​. والفرق بين 2010 و2019، هو أن السائح الخليجي الذي ينفق بين ثلاثة وأربعة أضعاف ما ينفقه السائح العادي.

وبالتالي نعول هذا العام على استعادة هذا السائح بسبب ظروف لبنان الايجابية، والمشاكل الحاصلة مع ​تركيا​ و​مصر​. فالسائح الخليجي عاد منذ تاريخ رفع الحظر والى حد اليوم، ونحن نشهد حتما على زيادة في أعداد القادمين، لكن هذا العدد غير كاف. مع العلم أنه من المتوقع أن يرتفع مع حلول ​شهر رمضان​ وانتهائه؛ فالفترة الراهنة لا تعتبر موسم أعياد وعطلات في الوطن العربي.

والجدير بالذكر أن لبنان يعد وجهة مطلوبة، وقد أصبح اليوم حاجة. كما أن مداخيل السياحة، في ظل الظروف القائمة، هي حاجة ملحة لميزانية الدولة. ومن هنا، نتمنى على كل الوزارات والمسؤولين اللبنانيين، أن يعوا أن ​القطاع السياحي​ هو الوحيد القادر على ​إنقاذ​ الاقتصاد الوطني، وبالتالي يجب تضافر الجهود لخدمة هذه الغاية.

ومن جهة أخرى، علينا أن نخلق أسواقا جديدة، والعمل على خلق تنوع في السياحة. فالخليجي والعربي هو سائح الفرص والعطلات، وسائح الدراسة خلال فصل الشتاء، هو السائح الاستشفائي أيضا. ولكن هناك العديد من السياحات الأخرى المتوفرة لدينا، ومنها السياحة الدينية، الثقافية، الرياضية،...

فعلى سبيل المثال، تم تنظيم بطولة واحدة للتايكوندو في لبنان، وقد استقطبت 900 لاعب شغلوا مع فرقهم وعائلاتهم والمنظمين، أكثر من 1000 غرفة لمدة أسبوع.

ومن هنا، يجب الاهتمام، بجدية، بهذا النوع من السياحة لأنها ذات فائدة عالية على البلاد. كما أنه من واجبات ​القطاع الخاص​ أيضا التعاون مع الدولة لتحقيق هذا الهدف.

- برأيك، هل يمتلك لبنان بالفعل مقومات السياحة المستدامة؟

كل المقومات موجودة في لبنان، وعلينا العمل على ​الشركات الوطنية​ بالدرجة الأولى، بالتعاون مع وزارة السياحة، من أجل تأمين وسائل الجذب.