في جوهر تعهدات رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ خلال مؤتمر المانحين في ​باريس​ اي سيدر العام الماضي، تم التأكيد على الالتزام "بتصحيح مالي" بما لا يقل عن 1% سنويا من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات اعتبارا من ميزانية 2019.

وجاء في البيان الوزاري أن هذا سيتحقق من خلال زيادة الإيرادات وتقليص ​الإنفاق​، بدءا من خفض العجز السنوي لمؤسسة ​كهرباء لبنان​، والذي قال ​البنك الدولي​ إنه يمثل عبئا مربكا على الأوضاع المالية العامة.ويعتبر الإصلاحات في قطاع ​الكهرباء​ من أولى أولويات الحكومة، مع لحظ إشراك القطاع الخاص في هذه الإصلاحات.

نعم، ملف الكهرباء اكثر من إرباك ، واكثر من فتيل يوّلد الاختلاف ،وهو صاعقة قادرة على تفجير التفاهمات السياسية والأخطر وضع تأمين التيار بشكل طبيعي في خبر كان .

منذ العام 1990 اكثر من خطة حول الكهرباء وضعت ونوقشت ونفّذ القسم منها إلا انها لم تفضالى النتائج المرجوة ، وبقيت الشبكة تّواقة الى التيار بشكل دائم ، وإن تم تأمينها في مرحلة معّينة عندما فرض التوافق السياسي هذا الإجراء .

وللتذكير، حتى بعد الغارات الإسرائيلية التي كانت تستهدف منشآت الكهرباء عبر محطات النقل الرئيسية كانت تتم عودة التيار بشكل سريع أدهش الخبراء الاجانب الذين كانوا يستكشفون مواقع الدمار والخراب لاسيما عام 1999.

ان هذا السرد يأتي للإشارة الى ان تأمين التيار الكهربائي بحاجة الى توافق سياسي بامتياز.

بالامس، قالت وزيرة الطاقة ندى البستاني ": ان كل يوم يمر ونحن نترك وضع الكهرباء على ما هو عليه، يكلفنا الكثير. واذا ما بدأنا بتنفيذ الخطة بعد أسبوع من اليوم سنكلف ​الدولة اللبنانية​ أكثر من 150 مليون دولار كل شهر. ان بلدا كلبنان لا ينقصنا أي شي لحل مشكلة الكهرباء، الا ان نتوافق حول قرار ونفهم أن حل المشكلة ليس لحزب واحد لا بل هو للمواطن اللبناني الذي يتحمل تبعات هذا الامر في حياته اليومية والاقتصادية".

خصص مؤتمر سيدر 4 مليارات دولار لقطاع الكهرباء الذي أعطي الاولية في سلم الإصلاحات المطلوبة لا بل المشروطة بتقديم المساعدات . و في 21 آذار ، باشر ​مجلس الوزراء​ بدرس الخطة التي وضعتها الوزيرة البتساني وهي خطة الوزير باسيل لعام 2010 ، قبل ان يتفق على تشكيل لجنة وزارية تضم الوزراء غسان حاصباني وعلي حسن خليل واكرم شهيب وكميل ابوسليمان، مهمّتها دراسة خطة الكهرباء تفصيلياً وإبداء الملاحظات بشأنها، والعودة، خلال اسبوع، إلى مجلس الوزراء لإقرارها والبدء بتنفيذها.و طمأن وزير الاعلام جمال الجراح بعد الجلسة الاولى الى ان "ليست هناك امور مهمة قد تكون محور خلاف في هذه الخطة".

و يقول "إن السياسة العامة هي زيادة الإنتاج وتخفيض العجز"، مشيرا الى أنه "تم التوافق على تخفيض الهدر الفني وغير الفني الى حدود 11%، وسنعمل على جباية الأموال المتراكمة والمستحقة لمؤسسة كهرباء لبنان، وذلك ضمن مسار تحصيل ما يترتب للمؤسسة.

من المعلوم أن نسب الهدر غير الفني في قطاع التوزيع وصلت إلى معدلات مرتفعة تحرم الخزينة ما يقارب 220 مليون دولار سنويًا. وبالرغم من أهمية استخدام التكنولوجيا وأساليب الإدارة الحديثة في اكتشاف مصادر الهدر إلا أن إيقاف السرقات والتعدي على منشآت المؤسسة يحتاج إلى قرار سياسي.

من جهته ، الوزير علي حسن خليل شدد على أن يذهب ملف الكهرباء إلى المناقصات، ولن يقبل بغير ذلك.

ويلفت إلى أنّ خطة الكهرباء تقول بإنتاج 1450 ميغاوات في الفترة الإنتقالية، وكلّ 100 ميغاوات سيكلّف 80 مليون دولار وهذا رقم كبير جدًّا، مركّزًا على أنّ خطة الكهرباء هي نفسها خطة العام 2010 مع بعض التحديثات مع جدولة جديدة للتواريخ، وسيتم الاستماع الى طروحات وزيرة الطاقة والمياه.

كل الحلول التي وضعت حتى تاريخه لقطاع الكهرباء لم تسفر سوى عن زيادة في التقنين والمزيد من إهتراء الشبكة، التي بدل ان يتم ربطها بمعامل انتاج جديدة ، او حتى بمجموعات جديدة تمت اعادة تأهيلها لزيادة التغذية، فُرضت عليها بواخر تركية رست قبالة اكبر واقدم معملي انتاج وهما الزوق والجية الحراريين لتعويض النقص المتزايد في التغذية، بكلفة اجمالية تتجاوز المليار دولار سنوياً يضاف اليها مليار دولار كلفة تأمين المحروقات عن طريق السلفات من الخزينة للمؤسسة . وكانت النتيجة بدل رفع ساعات التغذية زيادة نسبة التلوّث وفق ما فضحه تقرير "غرينبيس" مؤخراً . ورغم كل التسويق الذي دفعت لاجله الكثير وما زالت الشركة التركية لم تتمكن من دحض حقيقة مساوءواضرار الاعتماد على هذه البواخر .

تشير الأرقام الرسمية إلى أنّ 40% من إجمالي الدين العام البالغ نحو 90 مليار دولار قد تم صرفه على قطاع الكهرباء، . وفي غضون ذلك، تم صرف اكثر من 36 مليار دولار على القطاع منذ العام 1992حتى 2018.

فضلا عن ذلك ، ان الخدمة المقدمة هي من الاسوأ في العالم بحسب تقرير التنافسية لمنتدى الاقتصاد العالمي الذي صنّف لبنان في المرتبة 135 من 138 دولة، وكل تأخير في الحل لمشكلة الكهرباء يساهم في المزيد من تراكم الديون.

زيادة الانتاج يقابلها زيادة هدر

نعم ، هناك حاجة الى المزيد من الانتاج لرفع ساعات التغذية . ولكن ساعات تغذية اكثر يعني هدر اكثر بحسب ما تفيد به "للاقتصاد" مصادر خبيرة في شؤون الكهرباء .

وفق حزب القوات اللبنانية الذي وضع تصوّره لمعالجة مشكلة الكهرباء هناك هدر تقني وغير تقني يراوح بين 40و 50 المئة من الطاقة المنتجة، و50% من الطاقة المنتجة يحصل لصالح خزينة الدولة ويجب معالجته قبل زيادة الانتاج على الشبكة. وأي انتاج اضافي يعني زيادة في الهدر بغياب أي معالجة للشبكة لجهة الجباية والتعديات والفوترة والتدقيق ، والعدادات الذكية والهدر التقني.

ومن اجل السير بالحلول العملية يجب:

1- تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ومن ثم العمل على تطوير القانون 462.

2- تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان.

3-تشكيل لجنة طوارئ وزارية للإشراف على تنفيذ الإجراءات المطلوبة لحل مشكلة الكهرباء

4- إطلاق العمل في تخفيض الإهدار التقني وغير التقني.

كما من الضروري تطوير وإعادة بناء المعامل الحالية لزيادة إنتاجيتها كي تبلغ الـ65% وجعلها تعمل على الغاز وزيادة عدد المعامل على الحلول الدائمة والأولوية يجب ان تكون للحلول الدائمة. وبعد تطبيق هذه الحلول تدريجياً، وكلما تزداد الطاقة يجب إعادة النظر بالتعرفة لأنها أقل بكثير من كلفة الانتاج والنقل والإدارة، وذلك بهدف وقف الخسائر في كهرباء لبنان.

وبعد ماذا عن دور القطاع الخاص؟

دور القطاع الخاص

لم يتّمكن القطاع الخاص الذي تمّ إدخاله ليحل مكان المؤسسة في كثير من المهام من انجاز المطلوب ؛ولم ينجح هذا القطاع في تعويض فشل المؤسسة، سيما وأن مجمل المشاريع تمت من خلال عقود باهظة الثمن وترافقت مع مشاكل فنية وإدارية وقانونية أرهقت طاقات المؤسسة. وهناك ضرورة برأي بعض الخبراء في ملف الكهرباء لأن يجري مجلس الوزراء ومجلس النواب مراجعة عميقة لقانون الخصخصة الذي لم ينفذ حتى تاريخه ، وإعادة الدور لمؤسسة الكهرباء كمؤسسة مستقلة ، بدون تغييب دور القطاع الخاص كشريك استراتيجي، وليس ابدا ًكبديل عن المؤسسة .

التعرفة

رغم رداءة القطاع والخدمة ، هناك مؤيدون لفكرة أن التعرفة الكهربائية المعتمدة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان يجب رفعها لتصحيح الخلل بين كلفة الإنتاج وسعر المبيع. إلا أن الجميع يتحفظ تجاه هذه الخطوة بناء لأمرين : الأول مرتبط بالوضع الاقتصادي المأزوم المستوى المعيشي الصعب الذي وسع شريحة الطبقات الفقيرة ، والثاني يتعلق بعدم صوابية زيادة التعرفة قبل تحقيق نجاحات ملموسة في ملف الهدر بكل أشكاله وتأمين طاقة إضافية تسمح للمواطن بالتخفيض أولًا ثم بالاستغناء عن فاتورة المولدات الخاصة الإضافية.