إحتل مؤتمر "​بروكسل​ -3" عناوين الصحف ووسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي، حيث ترأس رئيس الوزراء ​سعد الحريري​ وفد ​لبنان​ الى المؤتمر، بغياب الوزير المعني بهذا الملف، وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب. وطالب الحريري خلال المؤتمر بتأمين 2.9 مليار دولار، وضمان استقرار المشاريع الطويلة الامد وتأمين التربية والتعليم للصغار، إضافة لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة وتمكين النساء، ودعم وتطوير نظام الحماية في لبنان وتوسيع اطار المشاريع ذات الصلة.

وقد برزت جوانب الخلاف في الحكومة من خلال هذا المؤتمر، بدءا من شكل الوفد المشارك، وصولا إلى تصريحات بعض السياسيين المشككة بهذا المؤتمر وأهدافه، مما يدل على حالة من التشنج التي تُظلّل عمل الحكومة غير المُفعّلة بعد.

وقبيل مغادرة الوفد إلى "بروكسل" سدد وزير الخارجية ​جبران باسيل​ وابلا من الانتقادات الى هذا المؤتمر من منطلق اعتباره مسهلاً لتوطين النازحين السوريين، في حين ردّ "تيار المستقبل" على باسيل بهجوم قاسي، مما يثبت بأن عمل الحكومة لن يكون مفروشاً بالورود في المرحلة المقبلة، خاصة ان ملفات الاشتباك في البلد كثيرة، وكلّ واحد منها قادر على تفجير ​مجلس الوزراء​ من الداخل.

فهل سيكون لمؤتمر "بروكسل – 3" أي تأثير إيجابي على ملف النازحين ؟ وهل فعلاً هناك أهداف مبطنة للمجتمع الدولي لتسهيل عملية توطين النازحين أو إبقائهم لأطول فترة ممكنة في الدول المضيفة ؟ هل هناك فعلا شروط على لبنان لتوظيف سوريين في مشاريع مؤتمر "سيدر" المنتظرة بنسبة تصل إلى 70% ؟ ماذا عن الخلاف الجليّ في الحكومة ؟ وكيف سينعكس ذلك على باقي الملفات التي تنتظر الحلول ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​ في مقابلة مع "الإقتصاد".

هل سيكون لمؤتمر "بروكسل – 3" أي تأثير إيجابي على ملف النازحين ؟ وهل فعلاً هناك أهداف مبطنة للمجتمع الدولي لتسهيل عملية توطين النازحين أو إبقائهم لأطول فترة ممكنة في الدول المضيفة ؟

أنا لا أعتقد أن هناك عملية أو نية من قبل أي طرف لتوطين النازحين في لبنان، ولكن بدون شك فإن الدول المانحة تسعى لمساعدة الدول المستضيفة للنازحين، لهدف معيّن، وهو ضمان عدم إنتقال هؤلاء إلى ​أوروبا​. فالأموال التي يتم دفعها لا تهدف فقط لمساعدة إنسانية، بل لمحاولة تأمين حياة شبه طبيعية للنازحين، لكي لا يطرقوا أبواب أوروبا مجدداً.

فهناك مصلحة أمن قومي بالنسبة للأوروبيين، والإثبات على ذلك هو المبالغ المرتفعة التي يتم الحديث عنها، وتخصيصها لهذا الملف.

لكن يمكننا أن نلوم الأوروبيين على امر معيّن، وهو موقفهم غير الواضح بالنسبة للمشاركة في الأعباء في هذا الملف، فالمشاركة بالأعباء لا يتم فقط من خلال تخصيص المساعدات المالية، ولكن في إعادة عملية توزيع النازحين على الدول المضيفة بشكل أكثر عدلاً. حيث أن لبنان يتحمل العبء الأكبر مقارنة بمساحته وعدد سكانه.

من جهة اخرى وبالعودة إلى الخلاف الحاصل في الحكومة، والإنقسام بين الأفرقاء حيال هذا الملف، فأنا أعتقد أن الفريق الرافض لبقاء اللاجئين تحت أي ظرف من الظروف، يسعى لإتخاذ موقف سياسي، وتحقيق مكاسب سياسية لا أكثر، وموقفهم عبارة عن قنبلة دخانية لا اكثر، وهو بعيد عن أي مقاربة واقعية ودقيقة وموضوعية. فمن يعيق عودة النازحين ليس الدول الأوروبية، بل النظام السياسي الحاكم في ​سوريا​، الذي يعد عقبة أساسية أما عودة هؤلاء إلى مناطقهم.

فليس من المنطق أن نقوم نحن والأوروبيين بمفاوضة "​النظام السوري​" من أجل عودة "السوريين"، فالنظام هو الذي يجب أن يسعى لإستعادة مواطنيه. لذلك فإن العقبة كما ذكرت هي النظام السوري، وهو يرفض عودتهم لأسباب تتعلق بالديمغرافيا، والتوزيع المذهبي خاصة أن هذه الحرب أخذت طابعاً مذهبياً وطائفياً. أضف إلى ذلك عدم قدرة النظام حاليا على تأمين مقومات الحياة الأساسية لهؤلاء، لضمان عدم إحتجاجهم ومعارضتهم له مرة أخرى.

من ناحية ثانية أصبح هذا الملف ورقة على طاولة الفاوضات، والنظام السوري والإيرانيين والروس يستخدمونه كورقة ضغط على ​المجتمع الدولي​، والدليل على ذلك هو إختفاء المبادرات التي تم الحديث عنها مؤخرا لأعادة النازحين، كالمبادرة الروسية، ومبادرة ​حزب الله​ محليا للمساعدة في العودة الطوعية، وغيرها من المبادرات الأخرى.

هناك حديث عن شروط أيضا على لبنان لتوظيف سوريين في مشاريع مؤتمر "سيدر" المنتظرة بنسبة تصل إلى 70% ؟ ألا تعتقد ان هذه محاولة لدمجهم في المجتمع وإطالة مدة إقامتهم ؟

لا أعتقد ذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى هذه النوعية من العمالة خلال الفترة المقبلة، فلبنان لا يمتلك يد عاملة قادرة على إعطاء الإنتاجية الكاملة في هكذا مشاريع.

ففي التسعينات خلال عملية إعادة الإعمار، تواجد في لبنان بحدود المليون سوري، وعمل معظمهم في اعمال البناء والبنى التحتية، وبالتالي نحن بأمس الحاجة لهذه اليد العاملة، وليس بالضرورة أن يكون توظيفهم هو بداية أو محاولة لدمجهم او لتوطينهم.

ما رأيك بالخلاف الواضح الذي ظهر جلياً مؤخرا في الحكومة ؟ وكيف سينعكس ذلك على باقي الملفات التي تنتظر الحلول ؟

الفريق السياسي القريب من المحور السوري الإيراني في لبنان يعرف تماماً أن المشكلة في ملف النازحين ليست عند الأوروبي، وأن الحل في هذا الموضوع بيده. ولكن كما ذكرت فإن هذا الطرف يحاول إستخدام هذه الورقة للضغط على المجتمع الدولي من أجل وقف ​العقوبات​ المفروضة عليهم، وإشراكهم في الحوار والمناقشات حول الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر "سيدر".

أما على المستوى الداخلي فهناك ملفان مطروحان على طاولة مجلس الوزراء، وهما ملف التعيينات وملف الكهرباء، وما نراه من أخذ ورد هو محاولة للضغط في ملف معين، من أجل الحصول على بعض التنازلات في الملف الأخر. ولا شك أن هذه الطريقة في التعامل ستعرقل عمل الحكومة، وتعطّل الكثير من الملفات المطروحة.

وللأسف "المكتوب يقرأ من عنوانه"، ومن الواضح أن عمل الحكومة وإنجاز الملفات لن يكون بالامر السهل. فالكل يعرف أن ملف الكهرباء هو من أهم الملفات التي تحتاج لحل، وأنه مصدر أساسي للهدر والعجز الحاصل، ومؤتمر "سيدر" كرر مراراً بأن العمل على هذا القطاع وتحريره، سيزيل ضغط كبير عن الإقتصاد الوطني، ولكننا لا نرى أي جدية في مجلس الوزراء في التعاطي مع هذا الملف.