تانيا، فتاة عشرينية، ​لبنان​ية، درست وتخرجت من كلية الصيدلة في ​الجامعة اللبنانية​، وكأي شاب أو شابة أخرى بدأت رحلتها الشاقة (نعم شاقة) في البحث عن عمل. جميعنا ن​علم​ كيف هي هذه الرحلة في لبنان، بلد المحسوبيات واعتماد كل العوامل في ​التوظيف​ قبل الكفاءة، بالإضافة الىالوضع الإقتصادي الصّعب الذي يمر فيه بلدنا منذ سنوات ما أدى الى إقفال عدد من الشركات ومنها شركات ​الأدوية​ التي تعتبر ملاذ وظيفي مهم لخريجي الصيدلة.

تقول ندى "عدا عن إرسال سيرتي الذاتية الى الشركات والى الصيدليات الكبرى، بدأت بزيارة الصيدليات في المنطقة التي أقطن فيها لسؤالهم عمّا إذا كانوا بحاجة لموظفين ولإبقاء سيرتي الذاتية لديهم في حال توفّرت أي فرص فيما بعد". وعن عامل المفاجأة في هذه الجولة تقول: "في صيدليتين، عند دخولي وقبل حديثي عمّا أريد بالظبط كنت أتفاجأ بأن الموظفين في الصيدلية من الجنسية السورية، ليؤكد لي صاحب الصيدلية فيما بعد أنه ليس بحاجة الى موظفين"، مضيفةً: "غضبت نعم، ليس بسبب الموظفة فحسب بل من الوضع بشكل عام. منذ الصغر وأنا أسير على خطة معيّنة من المدرسة والنشاطات التعليمية ثم الجامعة على أن تبدأ الآن رحلة تحقيقي لذاتي، إلا أنني لا أجد الفرصة التي أنطلق منها، وذلك لأنني مواطنة في بلد لا يضمن حصول أبنائه على حقوقهم، لأنني مواطنة في بلد لا حرص فيه الأبناء على بعضهم البعض".

حال تانيا حال الكثير من اللبنانيين وليس فقط ​الشباب​ منهم، أرباب أسر خسروا عملهم للإستعاضة عنهم بعاملين سوريين يتقاضون رواتب أقل، ولكن هل وصل اللجوء الى توظيف غير اللبنانيين والسوريين خاصة الى مجال الصيدلة، الذي يتطلّب خمس سنوات على الأقل من الدراسة بجهد؟ وهل الصيدليات أيضاً باتت تضع ​الأجور​ الزهيدة فوق أي اعتبار؟

فاتن جابر وهي صاحبة صيدلية في بلدة قناريت الجنوبية، تشير الى أنها أمضت سنوات في الخارج وعندما عادت الى لبنان وافتتحت صيدليتها الخاصة تقدّم للوظيفة عدّة سوريين "الا أنني رفضت، ليس في الموضوع عنصرية، ولكن من يمضي الوقت في الصيدلية من الأفضل أن يكون ابن البيئة أو المنطقة التي تقع فيها ليعتاد عليه الناس بشكل أسرع".

أما الصيدلي في منطقة سن الفيل، داني نصار،فيؤكد أنه ليس مع توظيف السوريين "إلا أن اللبنانيين باتوا لا يقبلون براتب يصل إلى ألف دولار حتّى...ما يدفع بالبعض من الصيادلة للإستعانة بيد ​عاملة​ أجنبية".

وعند سؤاله عن الشق القانوني للموضوع، قال نصّار: "لا أعتقد أن توظيف السوري كمساعد في الصيدلية غير قانوني"، أما جابر فلم تكن متأكدة من الموضوع.

هل يسمح القانون اللبناني بتوظيف السوريين كمساعدي صيادلة؟

يوضح المحامي بالإستئناف، والمستشار المعتمد لدى عدة هيئات دولية د. ​شربل عون عون​ أنه"بدايةً، أي مواطن سوري يحتاج الى إجازة عمل ليشغل الوظيفة مهما كان نوعها، وهو الأمر الذي لا يحصل في معظم الحالات. ثانياً، مسموح للسوريين العمل في ثلاث مجالات فقط: الزراعة، النظافة والبناء، لا غير...من هنا، فإن عملهم حتى كمساعد صيدلي غير مسموح به".

وعن الجزاء الذي يتعرّض له صاحب الصيدلية في حال مخالفة القانون، يقول عون: "العقاب بشكل عام يكون بمحضر ضبط بحق صاحب العمل حيث يجب أن يدفع ​غرامة​ لوزارة العمل تتراوح بين المليون والمليونين، ليس هناك رقماً ثابتاً".

إذاً هي وظيفة غير مشروعة للسوريين لأنه لا يمكنهم إستصدار إجازة عمل حتى، وعما إذا كان عباس وهبي صاحب واحدة من الصيدليتين اللتين زارتهما تانيا على علم بهذا الموضوع، فيؤكد صاحب "صيدلية اللجا في بيروت" أنه لا يوظّف سوريين لأن الأمر مخالف للقانون "هم يقضون هنا فترة تمرين فقط، أي لا يتقاضون مالاً".

وهنا، يشكك نقيب الصيادلة غسان الأمين في موضوع التدريب مؤكداً أن معظم الحالات هي حالات توظيف شاذةوأن القانون اللبناني يمنع عمل السوريين في مجال الصيدلة في لبنان منعاً باتاً "وحتى إن كان في فترة تمرين أو يعمل كمساعد للصيدلي فلا يحق له أن يتولى هو بيع الأدوية، كما ممنوع أن يبقى وحده في الصيدلية، يجب أن يكون مرافقاً للصيدلي، ولكن للأسف مع ذلك توظف بعض الصيدليات في لبنان السوريين"، مشيراً إلى أنه "هنا يأتي دور وزارة العمل ومفتشيها الذين يجب أن يتشددوا في مراقبة الموضوع للحفاظ على لقمة عيش الشباب اللبناني".

وعن الإجراءات التي يمكن للنقابة أن تتخذهامن ناحية الجزاء في هذا الموضوع، يوضح الأمين أنه "يمكن إحالة الصيدلي الى مجلس تأديبي إلا أن المهمة الأساسية هي لوزارة العمل".

بشكل عام، هي قوانين واضحة لا لبس فيها، إلا أنه وكما جرت العادة في لبنان فإن الشيطان يكمن في ​آلية​ التنفيذ، في تطبيق القوانين كما في ​مكافحة الفساد​. أما بشكل خاص، فالمشكلة في بعض أفراد المجتمع الذين لا يمانعون أبداً قتل أحلام أخوتهم في الوطن من أجل حفنة من الدولارات. هي روح ​المواطنة​ التي تنقص هؤلاء وتنقص المسؤولين غير الجديرين بالثقة الممنوحة لهم للعمل على بناء مستقبل أفضل. أشباه وشبيهات تانيا كثر، فإن نسبة 36% من الشباب اللبناني يعاني من ​البطالة​، هؤلاء يفتقدون للأمل في نيل الحياة التي يستحقونها، وكل ذلك، من أجل حفنة دولارات.