تحوّلت من م​علم​ة ثانوية الى رائدة في مجال العلوم، وبعد سنوات من العمل المتواصل والدؤوب، أصبحت ضمن قائمة تضم خمس عالمات رائدات من مختلف أنحاء العالم.

تخصصت في ​الولايات المتحدة​، لكنها حملت أحلامها وآمالها، وعادت الى بلدها الأم، حيث انطلقت في وطن قست عليه الأيام وحددت إمكانياته، لتثبت بذلك أن الصعوبات لا تحدّ من طموحات الإنسان، وأنه بالمثابرة والإصرار والاجتهاد والشغف، سيصل الانسان الى أعلى

درجات النجاح. فبالمواظبة، تحوّلت مسيرتها من نجاحات صامتة الى إنجازات صارخة!       

إنها البروفيسور في الكيمياء، ومديرة مركز حماية الطبيعة في "الجامعة الأميركية في بيروت"، نجاة عون صليبا، التي كرّمتها مؤسسة "لوريال" و"اليونسكو" عن عملها الرائد، في تقييم تحولات الملوثات الجوية في ​لبنان​ و​الشرق الأوسط​ وفهمها، وتحديدًاً المواد السامة والمسرطنة الناتجة عن انبعاثات الأجهزة المشبّعة بالنيكوتين، القابلة وغير القابلة للاحتراق، مثل النرجيلة و​السجائر​ الإلكترونيّة.

ففي 11 شباط الماضي، ولمناسبة "اليوم الدولي للمرأة والفتاة في مجال العلوم"، أعلنت  "لوريال" و"اليونسكو" عن أسماء الفائزات، في النسخة الواحدة والعشرين من "برنامج لوريال -اليونسكو من أجل المرأة في العلم". ومن بين الأسماء الخمسة، جاء اسم العالمة اللبنانية نجاة عون صليبا، التي حازت على ​جائزة​ "لوريال- ​يونيسكو​" في مجال الكيمياء التحليلية، وكيمياء الغلاف الجوي. وستحصل كل واحدة منهن على مبلغ 100 ألف يورو، وسيتم الاحتفال بإنجازاتهن في ​باريس​، خلال حفل تكريمي سيقام في 14 آذار 2019 في المقر الرئيسي للـ"يونيسكو".

وبالاضافة الى ذلك، حازت مع فريقها البحثي المتعدد الاختصاصات، على جائزة "الجمعيّة النفسانيّة الأميركيّة"، وعلى جائزة التميز العلمي من المجلس الوطني للبحوث العلميّة عن فئة علوم البيئة.

وفي موازاة عملها البحثي، تنشط البروفيسور صليبا في مجال تعميق وزيادة وعي السلطات الحكومية ومنظمات الصحة الدولية والمجتمعات الأهلية حول نتائج أبحاثها، وتسعى للتأثير على السياسات الصحية العامة. فقد أسست أول قاعدة بيانات حول الملوثات الجوية الرئيسية في لبنان، وأثبتت أنّ حرق ​نفايات​ البلد في الأماكن المفتوحة أدى إلى ارتفاع نسبة المواد السامة في الهواء بحوالي 1500%.

كان لـ"الاقتصاد" هذا الحديث الشيق والمميز مع البروفيسور صليبا:

   معنويا، ماذا يعني لك الفوز بجائزة "لوريال - يونيسكو"؟   

​​​​​​​

هذه الجائزة مهمة للغاية بالنسبة لي، وذلك لأننا نعمل بالعادة بصمت، ولا يعرفنا الجمهور كثيرا، وبالتالي هناك فئة كبيرة من الأشخاص الذين لا يقدرون مدى الجهد الذي نقوم به من أجل تقديم المعلومات المفيدة. كما لا يعلمون أن إمكانيات العمل في مجال العلوم في لبنان متواضعة، وأن هناك شريحة من الناس الذين يعملون بهذه الإمكانيات، لتقديم أفضل النتائج.

فأنا أقول دائما أن العالم يتحرك على متن الطائرة، في أننا نسير على الحمار! فالمعدات المتاحة محليا، ضئيلة ومتواضعة، بالمقارنة مع تلك الموجودة في بلدان أخرى، كالولايات المتحدة على سبيل المثال.

الى أي مدى تعتبرين أن الإضاءة على ​النساء​ العاملات في مجال العلوم مهم، وخاصة في لبنان؟

إن لم نسهم في خلق العلم والمعرفة، لن نتمكن من الاستمرار. فكل إنسان يبرع في مجاله، ويقدم لمجتمعه وبلده قدراته وخبراته كافة، و"يعطي ألف عافية"، ولكن خلق المعرفة مهم للغاية لكل المجتمعات.

وهذا المفهوم بالتحديد، يولد من خلال الأبحاث التي نقوم بها، والتي تتيح لنا التعرف الى الأبعاد الجديدة، وفهم الأفكار العصرية.

اذا عدنا الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى بداياتك المهنية، هل يمكن وصف هذه الانطلاقة بالصعبة؟

البداية كانت صعبة حتما، فعندما انطلقت واستلمت بنفسي مختبرا كاملا، كانت الإمكانيات الموجودة أقل ما يُقال عنها أنها متواضعة، كما كانت الآلات والمعدات الحديثة شبه غائبة.

لكن "الجامعة الأميركية في بيروت" لطالما شكلت محيطا داعما ومساندا، اذ فتحت المجالات أمام الراغبين في القيام بالأبحاث، وخلقت الفرص المناسبة، وقدمت كل الدعم اللازم لكل من يهتم بالبحوث، بمختلف أنواعها.

ومن هنا، طورت نفسي بنفسي من خلال ​ساعات العمل​ المتواصلة والطويلة. والتقدم الذي وصلت اليه اليوم، هو ثمرة المثابرة والتعب، وليس الراحة والاسترخاء. فنحن نقضي ساعات طويلة في العمل من أجل الحصول على المعلومات المفيدة للناس.

   هل أن العمل لأوقات طويلة جعلك تشعرين بالتقصير تجاه وقتك الخاص وعائلتك؟

نعم بالطبع، فكل الوقت المستثمر في العمل يؤدي الى تراجع وقت المخصص للمجتمع والعائلة والحياة الخاصة.

ورغم أنني أشعر بتقصير واسع تجاه عائلتي، فقد وضحت للجميع، منذ بداية الطريق، أن عملي يهمني الى أقصى الدرجات، وأنني بحاجة ماسة الى دعمهم من أجل الاستمرار؛ فـ"أنا هيك" ولن أتغير أبدا!

ولحسن الحظ، قدروا ما أقوم به، وقدموا لي كل الدعم اللازم، بل وأكثر!

ما هي الصفات التي يجب أن تتمتع بها المرأة الراغبة في النجاح في مجال العلوم؟

الصفات الأبرز تتمثل في الصبر و"طولة البال". ففي مجال الشعر مثلا، سيسمع الناس قصيدة معينة ومن ثم يقررون ما إذا أحبوها أم لا، وكذلك الأمر بالنسبة الى مجال التصميم. لكن عالم العلوم، مختلف كليا، فنحن نخلق فكرة معينة، ونتحاور حولها، ونتحدث عنها، ونقوم بدراستها، ونتطرق الى جوانبها كافة، ومن ثم نعمل على بلورتها قبل أن نجربها. وقبل الموافقة على النتيجة 100%، نتأكد منها لمرات عدة. وبالتالي نمر بعملية طويلة قبل تقديم أي فكرة الى المجتمع.

​​​​​​​

وأنا أقول دائما لطلاب الماجستير أنهم لن يتمكنوا من إبراز ما تعلموه، أو حتى عرضه، قبل سنتين على الأقل.

ومن هنا، أشدد على أن الوقت أساسي في مجال عملنا، وأن ثمرة الدراسات والأعمال لا تظهر بين ليلة وضحاها.

هل تعتبرين اليوم أنك حققت كامل طموحاتك المهنية؟

لم أفكر يوما بالعمل من أجل الحصول على الجوائز والتكريمات، لكن جائزة "لوريال - يونيسكو" جاءت بمثابة تتويج لرحلتي المهنية.

وبالتالي فإن هدفي الأساس في هذه الحياة، هو استكمال مسيرتي في مجال العلوم، لأنني أهوى العلم والمعرفة، وأعشق نقل المعرفة أيضا؛ اذ أن مشاركة المعلومات هي عملية جميلة ومهمة.

ماذا تنصحين العاملين في مجال العلوم أو الراغبين في الانخراط في هذا العالم؟

مجال العلوم بالتحديد بحاجة ماسة الى الدراسة والمثابرة، فنحن لا نعيش في الفراغ، بل نأتي لإكمال الأفكار والاكتشافات السابقة.

وبالتالي نرتكز على العديد من المعلومات الموجودة بالأساس من قبلنا.

ولا بد من الاشارة الى أن هناك عدد كبير من النساء والرجال العاملين، واللامعين أيضا، في مجال العلوم في جامعة الـ"AUB"، ومن خلال الجائزة التي نلتها، أسعى للإضاءة والتركيز على هؤلاء الأشخاص.

برأيك، ما هو الإنجاز المهني الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

الإنجاز الأكبر بالنسبة لي هو إيصال أعمالي الى العالمية. وهذا ما يعطيني الثقة والدافع من أجل الاستمرار.

فالتقدير يدل على أن ما نقوم به في لبنان مهم وضروري، كما هو الحال تماما في مختلف دول العالم؛ اذ لا أريد أن يشعر طلابنا أبدا، أن نشاطنا هو أدنى أو أقل شأنا من غيرنا.

ما هي نصيحة نجاة عون صليبا الى المرأة؟

أقول للمرأة ولكل شخص طموح: "أن النتائج قد لا تظهر بشكل سريع، ولكن اذا أحب الانسان شيئا ما، يجب أن يضع أهدافه أمامه، ويتجهد لتحقيقها، كما عليه أن يسعى بكل ما لديه من قوة وإمكانات وقدرات من أجل الوصول اليها. والأهم أن يتحلى بالصبر و"يطول باله"، قدر الإمكان. وحينها، لن يقف أي عائق في دربه".

من جهة أخرى، أتمنى أن تهتم المرأة بمجال العلوم أكثر، فالمعرفة جميلة، والعلوم هي الحياة والدنيا، لأنها تعرفنا الى شيء من حولنا: الجسم، التفاعلات في المجتمع، ​المياه​، الهواء، الأشجار، وغيرها. فـ"الدني كلّا علم... وعلوم!".