لا شكّ أن الأيام الماضية كانت حافلة على الصعيد المالي في ​لبنان​، فبعد جلسات الثقة للحكومة في المجلس النيابي التي عادت لتشعل ملفات ​الفساد​ والهدر خاصّةً قضية الـ11 مليار الشهيرة، لم يحتمل رئيس الوزراء و​وزير المالية​ الأسبق فؤاد السنيورة ما تم تداوله حول الفترة التي كان فيها وزيراً للمالية ورئيسا للوزراء فأكد بمؤتمر صحفي ان "الـ 11 مليار دولار ذهبت فرق فوائد و​سلف​ للكهرباء والرواتب، والانفاق الذي تم لم يكن مخالفا بل قانونيا بكامل الاوصاف بموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي وخضع للاصول المنصوص عنها في قانون المحاسبة". كما تناول في مؤتمره مدير عام وزارة المالية ​آلان بيفاني​ والحديث عن عدم وجود مستندات.

وفي حين رفض الوزير خليل توجيه الإتهامات لأحد، كشف بيفاني المستور خلال مؤتمر صحافي، وتحدث عن ارتكابات وتلاعب بحسابات المالية العامة وتزوير مستندات في حقبات سابقة تعود الى التسعينيات. وتجدر الإشارة إلى ان ​ديوان المحاسبة​ تسلّم بشخص رئيسه القاضي احمد حمدان، ​الحسابات المالية​ والأرقام من وزارة المال لإجراء عملية التدقيق اللازمة.

ولمزيد من التفاصيل حول تأثير هذه السجالات ونهايتها، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. ​حسن خليل​:

هل ترى أننا سندخل فعلاً بمرحلة فتح ملفات الفساد، أم أنك مع الرأي الذي يرى أن "قوى السلطة لن تحاسب نفسها"؟

الجواب هو خليط من الأمرين، أرى أن فريقا سيحاول فتح المزيد من الملفات والسير بها الى النهاية وفريق آخر سيحاول إقفالها، وبالمناسبة هذا الفريق يضم أكثرية القوى السياسية، لكن لا شك أن ما قام به المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني هو عمل هزّ به هذه الشركة التضامنية التي تشكلها بعض الأحزاب اللبنانية.

وتجدر الإشارة الى أن بيفاني لم يتناول سوى جزء يسير من القصة ومن الجرائم المالية التي ارتكبت منذ العام 1993 حتى اليوم في لبنان، أهمها اتخاذ الوطن والمجتمع بأكمله أسيراً لوهم ​الليرة اللبنانية​ وسوء أمانة نظام الودائع. بلد كلبنان دخل اليه 180 مليار دولار، وحجم اقتصاده بين 40 و50 مليار دولار، 400% من الناتج القومي فيه ودائع ويعاني من مبدأ الإستجداء بدءاً من ​باريس​ 1 الى 2 و 3 واليوم "سيدر" ويعتمد على ​المجتمع الدولي​ بدلاً من قدراته الذاتية، كل ذلك يأتي نتيجة سوء استخدام الودائع وطبع الليرة اللبنانية والعيش في وهم تثبيت سعر الصرف من أجل تمويل منظومة الفساد القائمة الأمر الذي لن يؤدي الا الى الإنهيار للنظام المالي بالإضافة لتهديد الكيان اللبناني. اليوم لا زلنا نملك الفرصة لإلتقاط الوضع لأن الحلول موجودة ولكن المشكلة التي يعاني منها لبنان هي غياب الأخلاق.

- هل ترى أنه وبعد فتح كل هذه الملفات من الممكن محاولة إقفالها؟

نعم، وبدرجة كبيرة. لا أثق بالقضاء اللبناني، ومن المتوقع أن يصلوا الى تسوية فيما بينهم لإغلاق الموضوع وتفادي المحاسبة.

- أشار الوزير خليل إلى أن موازنة العام 2019 لن تقرّ إلا مع قطع الحساب، هل ترى أن إقرارها سيكون قريب، في الوقت الذي تم فيه فتح الملفات؟ وكيف سيؤثر تأخير إقرارها على أموال "سيدر"؟

لا أتوقع أن يتم إقرار الموازنة قريباً لأن هناك طرف يريد استكمال ​الإنفاق​ والإقتراض والجباية على قاعدة الإثني عشرية، وأعتقد أن هذا هو المنحى الذي ستتخذه الأمور لأنهم لن يتفقوا على بنود الموازنة.

أما بخصوص أموال "سيدر" فمن الطبيعي أن تتأخر مع تأخر إقرار الموازنة. أنا متشائم جداً بخصوص الشأن المالي في لبنان، لا زالوا كلٌّ يبحث عن حصته ولا نرى نية للإصلاح.

وتجدر الإشارة الى أن كافة الوفود الدولية التي تزور لبنان تشير الى أن المسؤولين اللبنانيين هم من الأقل تحمّلاً للمسؤولية في العالم. لا زالوا غير مقتنعين أن الحل لهذا الوضع هو عملية جراحية وليس فقط "خفض عجز ​الكهرباء​".

- هل هناك قدرة فعلية للحكومة الحالية على خفض ​عجز الموازنة​ وزيادة الإيرادات، مع إشارة الوزير خليل إلى أنه غير راضٍ عن موازنة 2019 بسبب ما تتضمّنه من إنفاق؟

وزير المالية ينتمي الى فريق سياسي رئيسي في البلد، عندما يتخذ هذا الفريق قرار بوقف ​المحاصصة​ يمكن للوزير خليل أن يعبّر عن عدم رضاه بخصوص الإنفاق.

- هل ترى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو الخيار الأمثل في هذه المرحلة؟

نعم بالتأكيد. الإقتصاد الوطني اليوم بحاجة الى رأس المال ورأس المال موجود في ​القطاع الخاص​، لذلك فإن الحل يكمن بإبقاء الرقابة الحكومية لمنع الإحتكار، والعمل على جذب الإستثمار الأجنبي والمحلي لتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.