قبيل الانتخابات النيابية في ايار الماضي عقد وزير الاشغال يوسف فنيانوس مؤتمرا صحافيا اعلن فيه عن انجاز مجموعة من المستثمرين في ​القطاع الخاص​ المخطط الاولي لمشروع طريق الشمال السريع واعادة تنظيم وتأهيل ساحل المتن من نهر بيروت حتى انطلياس، وقد اوضح فنيانوس يومها ان المشروع صار بعهدة المجلس الاعلى للخصخصة لدراسته .

قبل ذلك بشهر عقد مؤتمر سيدر وأقر قروضا ميسرة للدولة ال​لبنان​ية ناهزت 12 مليار دولار لتمويل 280 مشروعا لتأهيل البنى التحتية في لبنان .

وعلى الرغم من ان مشروع طريق الشمال السريع يندرج في اطار تأهيل البنى التحتية ويمكن ان ينال حصته من تمويل سيدر الا ان القيمين عليه يؤكدون انه مشروع طموح يمكن ان ينفذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ولا يكلف الدولة ليرة واحدة ، علما ان كلفته تناهز الملياري دولار ، بل على العكس فانه سيعزز وارداتها منه.

فهل ينال هذا المشروع نصيبه من الاهتمام الحكومي ليعالج عدة ازمات مستعصية ومزمنة ، ليس اقلها ازدحام السير في هذه المنطقة الحيوية.

نبذة تاريخية

حتى منتصف القرن الماضي كان ساحل المتن يتكون من شواطىء رملية وبساتين ليمون واشجار باسقة منتشرة على امتداد الطريق الساحلي بين بيروت ونهر الكلب.

ومنذ انشاء الحجر الصحي (الكرنتينا) دأبت السلطات المتعاقبة على اقامة المنشآت الملوثة في شمال بيروت ، بهدف ابعادها عن قلب العاصمة ، فتم انشاء الحجر الصحي اولا ثم المسلخ ثم مكب ​النفايات الصلبة​ الذي تحول في بداية السبعبنيات الى معمل حديث لمعالجة القمامة المنزلية. وقد امتدت المنطقة الموثة الى الدورة ومناطقها الصناعية حيث أقيمت مستودعات ​النفط​ و​الغاز​ العشوائية ، واستحدث مكب عشوائي للنفايات في البحر المقابل للساحل ، حيث تتدفق على طول الشاطىء مياه المجارير الآسنة التي تلوث البحر بدون معالجة او مراقبة ، وانتهى الامر الى اقامة "مطامر فنية"  للنفايات ، وما زال العمل بها ناشطا في كل من ساحلي برج حمود والجديدة .

في عام 1960 تم انشاء اوتوستراد الشمال الساحلي للتنقل السريع ، ولكنه ما لبث ان تحول الى شارع مكتظ بالسكن والمتاجر، ما أدى الى تعطيل مهمته الاساسية كطريق عبور سريع من بيروت  الى الشمال ، كما عطل امكانية استخدام وسائل النقل العام ، التي تتعارض مع المرور السريع لانه يحول دون امكانية تجهيز الشارع بالمسارات المخصصة لهذا النقل مثل الممرات والمواقف والارصفة ، ومن المعروف عدم امكانية استعمال المسار ذاته للمرور العابر السريع وللنقل الحضري العام . ففي الوقت الذي يطالب الجميع بتوفير وسائل النقل العام للمواطنين ، يتم تجاهل عدم امكانية تلبية هذه المطالب ما لم يتم الفصل بين الوظيفتين وتأمين مسارين مختلفين لهما .

في التسعينات تم طرح مشروع تأهيل ساحل المتن (LINORD) وكان هذا المشروع مخصصا لتوفير اراض لاستعمالات تجارية مختلفة ولكنه أغفل أهمية اعادة وظيفة الشاطىء واستعادته للبلدات المجاورة وتجاهل انعكاسات هذا الامر على المستقبل العمراني والسياحي لساحل المتن.

عدا عن المآخذ التي تناولت المشروع في الاصل ، فقد لحق به تشويه خطير من جراء قيام مطامر للنفايات في كل من برج حمود والجديدة ، واستحداث كاسرات الموج التي تحول دون التواصل بين السكان والشاطىء ، ما يستدعي تطوير المشروع الاساسي واعادة تنظيم المنطقة المعنية ما بين نهر بيروت وانطلياس.

الحل

يعتبر مقدمو مشروع طريق الشمال السريع واعادة تأهيل ساحل المتن انه ازاء هذا الواقع  اصبح من الضروري انشاء واجهة بحرية جديدة تعيد للشاطىء قيمته الطبيعية والبيئية ، من شأنها السماح باعادة النظر بشكل شامل ومستدام ، بقضايا التنقل والتنظيم المدني والبيئة الخاصة بالمنطقة الساحلية وذلك بعد استعادة املاك الدولة البحرية واعادة تكوين الشواطىء الرملية العامة . يرافق ذلك تطوير منصات وممرات مخصصة للمشاة ذات جودة مشهدية عالية تؤمن العبور فوق الطريق السريع والوصول السهل والممتع للمشاة الى شاطىء البحر المستعاد الى الملك العام .

وفي الوقت نفسه، يجب تأمين الحماية للتوازن البيولوجي والبيئي لمياه البحر، من خلال انشاء محطات تكرير لمعالجة ​المياه​ المبتذلة التي تصب على طول الساحل ومكافحة التآكل والحفاظ على المواقع والمناظر الطبيعية بالاضافة الى صون وتنمية النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالبحر ، كموانىء الصيد والنشاطات السياحية والترفيهية وما الى ذلك.

ومن أجل تحسين بيئة هذا الجزء من الساحل وتنظيم التمدد العمراني فيه، بات من الضروري مراجعة أنظمة البناء بهدف التحكم بالعمران عليه بشكل افضل، واعادة النظر بتصنيف منطقة الدورة الصناعية بهدف استبدال الانشطة الصناعية الملوثة تدريجيا بمبان مخصصة للنشاطات التجارية والمكاتب والسكن.

لذا يجب تطوير مشروع لينور، وتنفيذه بالتلازم مع مشروع طريق الشمال السريع.

فما هو هذا المشروع ؟

طريق الشمال السريع

قدم القيمون على المشروع ملخصا بالانشاءات المطلوبة للتنفيذ وهي :

1- انشاء طريق سريع مقفل ما بين نهر بيروت ونهر ابراهيم ، يقام على الاملاك العامة المتوفرة ، لتحاشي الاستملاكات الباهظة التكلفة ، والتي يتطلب انجازها مهلا طويلا ، ما يعطل امكانية التقيد بالمهل المطلوبة للانجاز ، وتتضمن هذه الطريق خمسة محولات دخول وخروج بالاضافة الى النفق المشار اليه في الفقرة التالية .

2- انشاء نفق بطول 11 كلم ما بين نهر الكلب وطبرجا يوفر مسارين في كل اتجاه ، قابلة للتوسعة الى ثلاثة مسارات في المستقبل، ومجهز باحدث وسائل الوقاية و​الامان​ لراحة العابرين وسلامتهم.

3-اعادة دراسة وتنظيم وتطوير منطقة (لينور)لاعادة تكوين الشواطىء البحرية ذات المشهدية المميزة الجاذبة للمستحمين وللسياح ولاعادة التواصل بين السكان وبحرهم .

4- اقامة المنشآت البحرية وكاسرات الموج لحماية الشواطىء الرملية ولتجهيز المساحات المستعادة والمستحدثة بالبنى التحتية والطرقات والحدائق العامة والساحات وممرات المشاة .

5-دراسة ومعالجة مطامر النفايات التي تتراكم في منطقة لينور لمنع اضرارها وللتخلص من افرازاتها وتحويل مواقعها الى حدائق عامة وملاعب وسوى ذلك من المنشآت العامة.

6-جرف الرواسب المتراكمة في جوار الشاطىء الى عرض البحر وضخ الرمول من البحر لردم واستدامة الشواطىء الرملية المستحدثة .

7- مواكبة تنفيذ المشروع ، مع بلورة الحلول للمشاكل المستعصية المعطلة للنمو الاقتصادي ولرفاه المواطنين والمسيئة الى كرامة اللبنانيين وسمعة وطنهم ، وبشكل خاص :

أ-اعادة تنظيم وتجهيز الاوتوستراد الحالي العابر للتجمعات السكنية والتجارية وتحويله الى طريق حضري،صالح لتوفير وسائل النقل العام لخدمة السكان على جانبيه،وانشاء مسارات وممرات ومواقف واشارات ضوئية ، مع المحافظة على الاساسية للطريق لتنقل من لايرغب استخدام الطريق السريع.

ب-توفير المكان في جوار نهر بيروت لاقامة مجمع حديث لمعالجة المياه المبتذلة والنفايات الصلبة لبيروت والمتن ، ومن الممكن ان يقضي عقد الشراكة باسناد مسؤولية تنفيذ وتشغيل هذا المجمع الى الشريك الخاص.

اسباب موجبة

يتوخى هذا المشروع الطموح توفير حلول جادة وممكنة ، لمعالجة الازمات المستعصية والمزمنة ، لدفع عجلة الاقتصاد ولتوفير عائدات للخزينة العامة العاجزة وبشكل خاص :

1-معالجة ازمات السير الخارنقة ومضاعفاتها المكلفة للاقتصاد وللعمران والمحفزة لنزوح سكان المناطق الى ضواحي العاصمة المكتظة .

2-معالجة التشوهات الشائنة التي حصلت على طوال الشاطىء من نهر بيروت حتى انطلياس لتفادي انعكاساتها على البيئة والصحة العامة و​السياحة​ والعمران وسمعة لبنان وكرامة مواطنيه.

3-معالجة الاختناقات الناجمة عن عدم توفر المكان لاقامة المنشآت الضرورية لمعالجة النفايات الصلبة والمياه المبتذلة ، لايجاد حل مقبول للازمة المتمادية والمتفاقمة منذ ثلاثة عقود.

فوائد اقتصادية وبيئية

تتلخص فوائد المشروع بـ:

1- تأمين طريق للمرور السريع ، ما بين بيروت والشمال ، يتيح التواصل السهل والمستدام ، والضروري لتوفير السبيل لسكان العاصمة لقضاء حاجاتهم وتعليم ابنائهم ، دون حاجتهم للسكن في بيروت او في ضواحيها ، ولاتاحة فرصة توفير نظام للنقل العام للمواطنين ، اسوة بسائر البشر.

2-اعادة تنظيم وتاهيل ساحل المتن من نهر بيروت حتى انطلياس (مشروع لينور سابقا) ، لاستعادة التواصل بين السكان والبحر ، ماء وهواء ورمالا .

3- رفع التعديات الشائنة على الاملاك البحرية والملك العام ، بغية توفير الارضية اللازمة لاقامة المرافق العامة الضرورية لرفاه الناس وكرامتهم وسمعة بلادهم .

4-تنظيف شاطىء المتن وبحره من رواسب النفايات والمياه المبتذلة ومن الاوساخ والسموم الملوثة للبحر وللبيئة والتي تحول دون تواصل المواطن وبحره الذي كان يوما ملعب اجداده.

5-اخلاء ساحل المتن من خزانات النفط والغاز العشوائية، واخلاء البحر من التمديدات و​المنشآت النفطية​ الملوثة للبيئة ، التي تشكل خطرا دائما على السلامة العامة ، ما يستوجب نقل خزانات النفط والغاز المنتشرة على الشواطىء الشمالية الى مجمع مركزي يقام في منطقة البداوي المكرسة لهذه الغاية والممملوكة من ​الدولة اللبنانية​.

ان تطوير مشروع لينور، وتنفيذه بالتلازم مع مشروع طريق الشمال السريع، سيؤدي الى توفر مسار في الملك العام ، متاح لهذه الطريق ما بين نهر بيروت وانطلياس، كما يؤمن المكان المناسب لاستعمل الردم الناتج عن حفر النفق (حوالى ستة ملايين متر مكعب ) مما يتيح توفير موقع لانشاء مجمع معالجة المياه المبتذلة وحرق القمامة في نفس الموقع الملحوظ سابقا في مشروع لينور على ضفاف مصب نهر بيروت . وسوف يوفر فرصة استحداث نشاطات سياحية وترفيهية و​عقارات​ صالحة للاستثمار وللتملك وتـأمين مداخيل اضافية يتم تقاسمها ما بين الشريكين العام والخاص.

الكلفة والتنفيذ

وفقا للدراسات الاولية يمكن تقدير كلفة المشروع الاجمالية ، بحدود ملياري دولار ، نصفها مخصص لانشاء الطريق السريع(بما في ذلك النفق ) والنصف الآخر يكرس لتطوير وتجهيز ساحل المتن . يضاف الى هذا المبلغ حوالى نصف مليار دولار لبناء مجمع معالجة المياه المبتذلة والقمامة الصلبة ومجمع خزانات النفط في الاماكن المخصصة لكل من المجمعين اذا تم اعتماد هذا الخيار.

من المرجج ان يكون القطاع الخاص في لبنان ، بالتعاون مع الشركات الدولية ، قادرا على تأمين تمويل متطلبات المشروع ، لقاء العائدات التي ستجنيها شركة المشروع من عائدات استثمار طريق الشمال للمرور السريع والمرافق المستحدثة في المنطقة المعنية ، بالاضافة الى تملك نسبة من الاراضي الفائضة التي سيتم تقاسمها بين الشريكين العام والخاص.

يتطلب تنفيذ المشروع ، مهلة تقديرية لا تتجاوز اربع سنوات ، تبدأ من تاريخ الموافقة المبدئية على ملف المشروع المقترح وعلى تكليف الجهة التي يناط بها اعداد الدراسات اللازمة للسير في المشروع وفقا لمندرجات القانون رقم 48  بتاريخ792017، الذي ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.