مهما وزّع المسؤولون الآمال حول سلامة الاوضاع الاقتصادية ومتانة ​السيولة​ و رشوا الوعود عن آلاف فرص العمل الآتية فإن  الواقع مغاير ، لأن الطفر سكن معظم الجيوب، و​الفقر​ قصد اغلبية الاحياء، ومسلسل أقفال المؤسسات التجارية والصناعية بلغ ذروته مشرّداً آلاف العمال والموظفين والاجراء والمستخدمين .

"الويل لأمة جاع ابناؤها ولم يكترث فيها  حكامها".

انها الحرب الاقتصادية الاصعب ، وغير المعروف موعد انتهائها لأن كل الحلول المطروحة لا تلامس الواقع .

البعض يرد رداءة الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد الى إمساك السلطة السياسية بها منذ اتفاق الطائف . وهناك شبه  قرار بعدم الاستثمار، مما يعني ليس هناك أي عمل يحفّز النمو.

ولكن في المقابل هناك زيادة في الضرائب وارتفاع في النفقات غير المجدية.

وفق المحللين إن ​الأزمة الاقتصادية​ الخانقة أجبرت أعدادا كبيرة من الشركات على وقف نشاطها بشكل كامل أو الاضطرار ل​تسريح​ آلاف الموظفين والعمال.

آخر ألامال التي وزعت بتوفير 900 ألف فرصة عمل  للشباب اللبناني من خلال برنامج الحكومة لإعمار ​البنية التحتية​، الذي حمله لبنان إلى مؤتمر "سيدر".

الا ان بعض المراقبين يرى أن هذه الوعود مستحيلة وأن برنامج الحكومة لإعمار البنية التحتية الذي يستمر 10 سنوات لا يمكنه توفير حوالي 90 ألف وظيفة سنويا.

بل ان منح ​قروض​ مؤتمر "سيدر" تشكل فرصة مهمة أمام ​الاقتصاد اللبناني​ لأنها قادرة على توفير ما يقارب 20 ألف وظيفة سنويا.

بالامس ، ضجت قبة البرلمان بفضيحة ​التوظيف​ات التي تمت بشكل مخالف للقوانين بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017.

البعض يركّز على الأرقام فيما  يراها البعض الآخر مشكلة في ​​​مخالفة​​​ القانون لا في الرقم ان كان 1000 او 5000 او اكثر او اقل فهناك مخالفة للمادة 21 من ​سلسلة الرتب والرواتب​ التي تمنع التوظيف والتعاقد . وهي تنص على مسح شامل للملاك والحاجات خلال 6 اشهر والمسح لم يحصل حتى اليوم.

في ​القطاع العام​ توظيف وفي ​القطاع الخاص​ تسريح . عجب هذا الاختيار الذي يجهل مفهوم الانتاجية بعدما تجاهل حقيقة العملية الحسابية .

ونهاية العام المنصرم،  تسارعت ​مواقع التواصل الاجتماعي​ ووسائل الإعلام الى نشرتصريح  لوزير الاتصالات ، رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة والزراعة ​محمد شقير​ يعلن فيه أن 2200 مؤسسة أقفلت في العام 2018 موزعة بين مؤسسات وفروع لمؤسسات وصرف عدد كبير من العمال، الأمر الذي ينعكس حكماً ارتفاعاً كبيراً في نسب معدلات البطالة. في وقت أعلنت فيه وزارة المالية أن 3250 مؤسسة ومحلا تجاريا تقدمت بالتصريح حول توقفها عن العمل.

ولكن بالتأكيد ليس هناك  اي احصاء جدي . والارقام غير نهائية .

ما هي حقيقة هذه الارقام ؟ وما هي الدوافع الحقيقية لإقفال المؤسسات والشركات في لبنان؟

زمكحل​: سنة 2018 كانت سنة الهدر الاقتصادي  في لبنان بامتياز

رئيس تجمع​ رجال  وسيدات الاعمال في لبنان والعالم الدكتور فؤاد زمكحل يرى انه ليس هناك من ارقام دقيقة حول هذا الموضوع، لأن الكثير من الشركات لا يكشف عن تحجيم اعماله او تصفيتها لدى المراجع المختصة اي وزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

ولكن الأهم في ذلك يبقى انعكاس هذا الاقفال على الاقتصاد ككل ، وعلى تصاعد نسبة البطالة وانعدام فرص العمل .

ويقول زمكحل لـ"الاقتصاد" سنة 2018 كانت من اصعب السنوات في لبنان على القطاع الخاص، وخصوصاً ​الشركات الصغيرة​  والمتوسطة منها . هذا لأن هذه الشركات هي ذات مديونية عالية ، وهي تنمو عليها وتقفل ديونها بالنمو.

السيولة لم تعد موجودة ، و​المصارف​ التي كانت تؤمن هذه السيولة للشركات عن طريق ال​إقراض​ واجهت ازمة نقدية. ولم ينتبه احد ان سنة  2018 كانت سنة الهدر الاقتصادي .

لقد مررنا على مدى 9 اشهر ونحن بانتظار تشكيل حكومة بعد الانتخابات التي أجريت في آيار الفائت. غياب السلطة التنفيذية عطّل الكثير من المشاريع واوقف عجلة إطلاق مجموعة كبيرة منها فكانت الخيبة بامتياز مع عدم توافر السيولة وما تتركه من تداعيات على عدم القدرة على التطوّر والتوظيف.

في الواقع، هناك عدد كبير من الشركات في كل القطاعات لم يعد بامكانه الاستمرار ، لا بل كبر حجم خسائره . وارقام وزارة المالية على صعيد ​الايرادات​ يلحظ هذا التراجع الكبير.

فارقام نسبة البطالة المتصاعدة تعكس الوضع المزري للمؤسسات وهي بنسبة 25،6%وفق ​البنك الدولي​.

فهناك الكثير من اللبنانيين الذين خسروا وظائفهم بطريقة رسمية. واليوم لم يعد هناك اي ارباح . في السابق ، كان هناك قطاعان يحققا الارباح وهما المصارف وقطاع العقارات والابنية الذين شكلا الركيزة الاساسية للاقتصاد. الا انه في 2018، لمسنا  الازمة النقدية التي واجهها ​القطاع المصرفي​ وسط التوترات السياسية، وما تبعها من تراجع في التدفق المالي. اما ​القطاع العقاري​ فهو يعاني الجمود ونسبة التراجع على الطلب فيه بلغت 30%.

في السنوات السابقة ، كانت الشركات تحاول زيادة مديونيتها لمواكبة الازمة . ولكن مع ارتفاع الفوائد الى 8و9% احجمت  المصارف عن إقراض المؤسسات تداركاً من زيادة المخاطر التي ستترتب .

اذاً العملية الحسابية بسيطة ؛ لا سيولة وفي المقابل الفوائد مرتفعة.

استبشرنا ببعض الحلول مطلع العام 2019 رغم خيبات الامل  السابقة ، لاسيما مع كل هذا الاهتمام الدولي بلبنان الذي ترجم في المؤتمرات التي عقدت من اجله كمؤتمر سيدر ، ​روما​ و​بروكسيل​ وغيرها ...ولكن تأخير السلطة التنفيذية المطلوب منها مواكبة المشاريع التي رصدت لها الاموال من الخارج بالتزامن مع انجاز الاصلاحات المتفق عليها انعش هذه الخيبات مجددا وحال دون ايجاد الثقة اللازمة لدى المستثمرين.

ويختم زمكحل صحيح ان تمويل المشاريع يعيد النمو للاقتصاد، ولكن لا يجوز ترّقب النتائج في المدى القريب ، خصوصاً ان هذا التمويل سيتم وفق المعايير الدولية على صعيد الرقابة والتنفيذ.

بالاضافة الى ذلك ، فان السلطة التنفيذية تعاني اليوم من عدة مشاكل . والمشكلة الابرز تختصر بالديموقراطية التوافقية لتمرير المشاريع .

وإذ ابدى أسفه لوصف هذا الوضع السوداوي أمل ان تسلك الامور نحو الافضل في اسرع وقت ممكن .

الجدير ذكره هو ان تقرير البنك الدولي الأخير عن "ممارسة ​أنشطة الأعمال​ 2019" احتلّ لبنان المرتبة 142 من أصل 190 دولة لناحية سهولة ممارسة الأعمال. وفيما النتائج المبهرة التي تحقّقها ​الإمارات العربية المتحدة​ لم تكن مفاجئة وهي التي احتلّت المرتبة 11 عالمياً فإنّ مقارنة موقع لبنان مع دول المنطقة تطرح علامات استفهام كبيرة حول قدرته على جذب ​الاستثمارات​ وحتى في حال الالتزام بشروط مؤتمر "سيدر" ومباشرة المشاريع الموعودة. واستناداً إلى التقرير لا يتفوّق لبنان من حيث سهولة ممارسة الأعمال إلا على ​الدول العربية​ التالية: ​موريتانيا​ (148) و​الجزائر​ (157) و​السودان​ (162) وجزر القمر (164) و​العراق​ (171) و​سوريا​ (179) و​ليبيا​ (186) و​اليمن​ (187) و​الصومال​ (190)، وهي دول تعاني أساساً من حروب وغياب الاستقرار الأمني والسياسي إضافة إلى افتقارها إلى المقوّمات الاقتصادية التي يتمتّع بها لبنان. أما الفرق بيننا وبين ​الأردن​ فـ 38 مركزاً لصالح الأخير، رغم افتقاره إلى ​الموارد الطبيعية​ ومعاناته مثلنا من ​الأزمة السورية​ ومشكلة اللاجئين التي خلّفتها.

يأخذ الفقر حيّزاً مُهماً في تقرير البنك الدوّلي، حيث يُشدّد على مكافحة الفقر، وهذا الأمر لا يتمّ إلّا من خلال خلق الوظائف في القطاع الخاص، حيث أنّ عدم توظيف اليدّ العاملة اللبنانية مسؤولة عن هذا الفقر كما ينّص عليه التقرير.

كل المشاريع المقدمة تنصب اليوم على خلق فرص عمل للمتخرجين ​الشباب​ . هذا جيد. ولكن ماذا عن الموظفين والعاملين والاجراء الذين ما زالوا في عطاءاتهم واصبحوا بدون وظيفة وعمل بسبب ظروف مرتبطة باصحاب العمل قد تكون مادية فعلاً، كما قد تكون مزاجية بعد تراجع الارباح ؟ من المسؤول عن هذه الشريحة ؟