تعاني الصناعة ال​لبنان​ية، كغيرها من القطاعات الاقتصادية المحلية، من أزمة كبيرة خلال السنوات الأخيرة الماضية، اذ شهد هذا القطاع انخفاضا ملحوظا في نشاط المصانع وتراجعا واسعا في ​عجز الميزان التجاري​، ما أدى الى إغلاق عدد كبير منها، لعدم قدرتها على الاستمرار.

ومع تشكيل الحكومة الجديدة ونيلها الثقة، يأمل الصناعيون أن يسجل القطاع أداء أفضل، خاصة وأن الوزير الجديد وائل أبو فاعور وعد بإصلاحات على مستوى دعم المصانع وتحسين الصادرات الصناعية.

فهذا القطاع الذي يعاني بالأساس من تحديات عدة مثل التهريب، وإغراق الأسواق المحلية بالبضائع الأجنبية، والمنافسة غير الشرعية، وتراجع الحركة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والضرائب، وصعوبة تصريف المنتجات، وضعف القدرة التنافسية من جهة والقدرة الشرائية للمستهلكين من جهة أخرى،... هو بحاجة اليوم حتما الى "نهضة" فعلية، والى سياسات رشيدة تسهم في تدعيم ركائزه.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع نائب رئيس جمعية الصناعيين ​زياد بكداش​، للحديث عن المشاريع التي تطرق اليها الوزير أبو فاعور، وأوضاع المفاوضات حول معبر نصيب، بالاضافة الى أولويات المرحلة الراهنة.

ما رأيك بالمشروع الذي أطلقه الوزير أبو فاعور لدعم الصناعيين والمصانع وخاصة تلك المحاذية لنهر الليطاني؟

مشروع دعم المصانع المحاذية لنهر الليطاني يعد بمثابة خطوة جيدة جدا بالنسبة الى الصناعيين؛ فبعض المصانع شاركت في تلويث النهر، ولكن لو كان الصرف الصحي السليم مؤمن من قبل الدولة، لما كانت وصلت الى هذه المرحلة.

وللأسف، نرى دائما أن الإعلام يتهم الصناعة بأنها الملوثة، مع العلم أن التلوث الصادر عن المصانع لا يشكل أكثر من 5%، أما النسبة المتبقية فتأتي من المستشفيات، وقنوات الصرف الصحي التي من المفترض أن تؤمنها الدولة.

هل هناك تفاؤل من المرحلة المقبلة في ظل الأصداء الايجابية للحكومة الجديدة والإصلاحات التي يتكلم عنها الوزراء بشكل عام؟

نحن الصناعيون في حالة دائمة من التفاؤل، اذ لا يوجد أي حل آخر أمامنا! كما أن معظم الأسماء الموجودة في الحكومة الجديدة، لا غبار عليها. ولكن كلنا نعلم أن جميع هذه الأسماء تابعة لأحزاب أو تم تعيينها من قبل الأحزاب، وبالتالي نتخوف من أمر أساسي، كنا قد عايشناه خلال جلسات الثقة، وهو موضوع المناكفات والتجاذبات الأمنية والسياسية بين مختلف الأفرقاء.

فاليوم توجد مواضيع حساسة للغاية في البلاد، وعندما يتم التطرق اليها في ​مجلس الوزراء​، تؤدي الى مشاكل عدة، كما تؤثر على فعالية عمل الحكومة.

ومن هنا، نتمنى أن لا يعيد التاريخ نفسه؛ ففي الماضي، عندما كان أي وزير يقدم مشروعا مفيدا للبلاد، ترفضه الكتلة التي لا يتبع لها وتسعى الى إيقافه.

وبالتالي فإن تفاؤلنا حذر، لأن المشكلة في لبنان سياسية أكثر من ما هي اقتصادية. ولكن من خلال ما نراه ونسمعه، نلاحظ أن الحكومة مجتمعة، والأحزاب بشكل عام ترى أن الموضوع الاقتصادي لا يحتمل المزيد من التأجيل، لكننا لم نلتمس الى حد اليوم أي خطوة فعلية على الأرض.

وبالاضافة الى ذلك، يتكلم الجميع عن محاربة الفساد، مع العلم أن هذا الفساد موجود من قبل بعض الأشخاص الذين يريدون بأنفسهم محاربته.

ما هي أولويات المرحلة الراهنة، خاصة وأن القطاع الصناعي قد وصل اليوم الى مستويات خطيرة؟ وما هي طلبات جمعية الصناعيين من ​الدولة اللبنانية​؟

مؤخرا اجتمعنا مرات عدة كجمعية صناعيين، وأشدنا بالملحقين التجاريين الذين يصل عددهم الى حوالي 20 شخصا، ويعدون بمثابة سفراء اقتصاديين لنا، فهم إنجاز للحكومات المتراكمة، ويشكلون الإنجاز الثاني بعد إعادة إعمار بيروت.

أما الأولويات فكثيرة بالنسبة الى الصناعة من جهة والى الاقتصاد من جهة أخرى. فكلنا نعلم أن المشكلة الاقتصادية لا تنطبق على الصناعة فحسب بل على مختلف القطاعات. وبالتالي فإن أولوياتنا الأساسية تتمثل في:

أولا، فتح المزيد من الأسواق؛ ووجود الملحقين الاقتصاديين هو لخدمة لهذه الغاية.

ثانيا، تخفيض تكاليف المصانع المحلية، وذلك لكي تتمكن من منافسة الصناعات الأجنبية، لأن قدراتنا التنافسية تراجعت الى حد كبير.

ثالثا، إعادة النظر بالاتفاقيات التجارية بيننا وبين البلدان الأخرى، والتي ليست لمصلحة لبنان. فقد لاحظنا أن كل الدول التي وقعنا معها اتفاقيات، زادت صادراتها بنسب أكبر من صادرتنا، وذلك لأنها بعض البلدان لا تطبق 100% الاتفاقيات الخارجية.

ومن هنا، نتمنى أن تسعى الدولة اللبنانية الى الاهتمام بأي اتفاق تجاري أو ثنائي لا يتم تطبيقه، ووضع الرسوم على هذه البلدان التي تصدر الينا ولا تلتزم بالاتفاق.

هل عادت المحادثات حول وقف استيراد بعض المنتجات من الخارج وحول تخفيض الرسوم المفروضة للعبور من معبر نصيب؟

لقد حصلنا على موافقة من وزارة الاقتصاد ومجلس الوزراء بالنسبة الى موضوع استيراد بسكويت "الويفر"، ولكن علمنا مؤخرا أنه تم تجميد هذا القرار.

فمشكلة الاستيراد لم تصل بعد الى حل، ونحن نتابع هذا الموضوع اليوم مع الوزير الجديد، لأننا نعلم جميعا أن الأعمال كانت متوقفة في ظل وجود الحكومة القديمة، وعدم اجتماع المجلس.

وقد اجتمعنا منذ حوالي أسبوع مع وزير الاقتصاد منصور بطيش، ونحن متفائلون، لكن الأمور تتطلب المزيد من الوقت.

أما بالنسبة الى موضوع معبر نصيب، فالمفاوضات لا زالت متوقفة أيضا، لأن الموضوع سياسي؛ مع العلم أن بعض الوزارء في الحكومة السابقة كانوا يزورون ​سوريا​ ويقولون أنهم يسيرون بالتفاوض، ولكن الى حد اليوم، لا يوجد أي جديد حول هذا الموضوع. وفي الأفق القريب لا نرى أي جديد أيضا.

ولا بد من الاشارة الى أن حل مشكلة معبر نصيب سيزيد نسبة الصادرات بشكل كبير، فهناك العديد من الأشخاص الذين يفضلون التصدير عن طريقه لأسباب عدة ومنها التكلفة المتدنية، والوقت السريع، وإمكانية دمج الشحنات (groupage).

والمطلوب من الدولة اللبنانية إما حل مشكلة المعبر بأي أسلوب ممكن، وإما إيجاد طريقة لتخفيض تكاليف الشحن من بيروت عن طريق البحر.

فغالبية المصانع التي لا تصدر منتجاتها سوف تغلق أبوابها، كما أن أي مصنع لا يعمل لمدة 16 ساعة يوميا لن يصمد.

والمصانع الكبيرة التي تستثمر مبالغ كبيرة بحاجة حتما الى العمل لساعات طويلة والى تصدير منتجاتها لكي تستمر.

كما أن هناك صناعات محلية موجودة منذ سنوات طويلة في الأسواق، ولا زالت قادرة على الصمود، ما يدل على أن هذه المصانع قادرة على النمو والتطور والتوسع، ولكن المطلوب فقط لفتة من الدولة اللبنانية للمعاملة بالمثل بيننا وبين أي بلد آخر في العالم، بالاضافة الى محاربة موضوع الإغراق لأنه يؤذي صناعاتنا الى حد كبير.