بالامس القريب ، اكد المدير الإقليمي للبنك الدولي في دول ​المشرق​، ساروج كومار جاه أن التعهدات ال​مالي​ة التي تعهد بها ​البنك الدولي​ خلال مؤتمر ​باريس​ لدعم ​الاقتصاد اللبناني​ "سيدر" لا تزال قائمة، مشيرا إلى تطلع البنك إلى العمل مع حكومة لبنان للمساعدة في تطبيق المشاريع ذات الأولوية في مختلف القطاعات.

وجاء ذلك في تصريح أدلى به مسؤول البنك الدولي، عقب حضوره الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، ، للبحث في الخطوات اللازمة للإسراع في تنفيذ برنامج مقررات مؤتمر "سيدر".

البعض يرى في مقررات مؤتمر "سيدر " ممراً نحو خصخصة بعض القطاعات.

ورغم بعض التحفظات ، للخصخصة إيجابيات عدة في إدارة موارد الدولة، فقد ساعدت إلى حد بعيد، في تفعيل الأسواق المالية في بعض ​الدول النامية​.  وافضت عن نتائج جيدة انعكست على المنافسة والمناخات الاستثمارية والتجارة. وكانت العائدات من جراء الخصخصة كبيرة، وساهمت إلى حد بعيد بتخفيف العبء المالي عن الشركات المملوكة من الدولة، وبالتزامن ، ايضا زادت في مداخيل الدولة من الضرائب.

شهدت أواسط العقد 1990 – 2000 تنامياً في عمليات الخصخصة في دول ​أوروبا​، ولا سيما في ​إيطاليا​ و​فرنسا​، حيث تمت خصخصة "​إير فرانس​" و"كريدي ليوني".

توسعت  عملية الخصخصة جغرافياً، إذ تمت خصخصة ما يقارب00 80 شركة مملوكة للدولة في 90 بلداً (2000 شركة منها تقع في الدول التي تقترض من البنك الدولي). وفي عام 2008،  انجزت ما يقارب 32 دولة نامية حوالي 196 عملية خصخصة، بما قيمته 38 مليار دولار.

ويشكل قطاع ​الطاقة​ أهمية كبيرة في عملية الخصخصة هذه. و هناك عدد كبير من الدول النامية التي تعاني نقصاً كبيراً في هذا القطاع بفعل  النمو السريع في الطلب على الطاقة، قياساً مع اكتظاظ الدول بالسكان أمثال ​البرازيل​ و​الصين​ و​الهند​ و​إندونيسيا​، كذلك كون هذا القطاع يتطلب قدرات مالية هائلة، غالباً ما يتزامن مع عدم قدرة الدول على تأمين الأموال في الأسواق المحلية ودفعها في اتجاه الخصخصة.

وبعض المراقبين يلحظ أن شركات الطاقة المملوكة من الدولة، في العديد من الدول، تشكل أكبر نسبة من الشركات المخصخصة.

ماذا عن لبنان ، ما هي القطاعات  الاقتصادية المفترض خصخصتها بشكل ملّح  في لبنان والتي يكون مردوده ذات جدوى اقتصادية ؟

المر

برأي ​الخبير الاقتصادي​ الدكتور بشير المر اننا لم نكن في لبنان  ابداً بحاجة الى مؤتمر" سيدر" لجلب القروض رغم ان فائدة المساهمين هي 1،5 %.  فالاموال الموجودة في ​المصارف اللبنانية​ كافية لتوظيفها في مشاريع منتجة وحيوية  ضمن صيغة معينة يضعها مصرف لبنان.

وفي ما يتعلق بالخصخصة ، يعتبر المر ان ثمة ضرورة ملحة  لتخصيص قطاعي ​الكهرباء​ والنقل العام .

فعلى صعيد الكهرباء،  من الضروري التفكير بالاعتماد على الطاقة البديلة ، وهي متعددة مثل ​الطاقة الشمسية​، الهوائية ، المائية والطاقة المنتجة من ​النفايات​ بدل التركيز على الطاقة الموّلدة من الفيول اويل و​الغاز​. فنحن في لبنان ،  نستورد بما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً من ​المحروقات​ لصالح سواء ​كهرباء لبنان​ او اصحاب المولدات الخاصة . وهي تشكل ما نسبته 30% من الاستيراد.

ولفت المر الى اهمية استخدام النفايات وتحويلها الى طاقة. والكلفة هنا محدودة قد تكون بحدود مليار دولار   مرتبطة فقط بنقل النفايات من المناطق وليس بالقيمة التشغيلية التي هي شبه معدومة او بتحويلها الى طاقة . فالجدوى الاقتصادية كبيرة وتوّفر الكثير من الاموال .كما انها تؤمن التغذية المطلوبة من الكهرباء،  عدا عن ايجاد الحل الملائم للمشكلة البيئية المعضلة والخطيرة .

كما بالامكان الاعتماد على السدود المائية وهي مصدر هام ​لإنتاج الطاقة​ .

ويقول المر "للاقتصاد": قطاع الانتاج في الكهرباء مربح . وبالامكان إدخال عدة شركات اليه فيما ان ​قطاع النقل​ يبقى مع الدولة بحكم الاستملاكات، و​البنية التحتية​ والشبكة  التي تعود ملكيتها لها . الا انه في غضون ذلك، بالامكان تسليم التوزيع والجباية للقطاع الخاص ايضاً.

اذاً من الافضل ان يكون الانتاج والتوزيع بيد الشركات الخاصة ؛ فالشركة المنتجة تقوم بمهام الجباية من منطلق مصلحتها . وفي هذا السياق ، يمكن  تطبيق نظام ال بي او تي لعدة سنوات، يكون بموجبه ا التشغيل والاستثمار للشركات مقابل عائدات محددة ومتفق عليها للدولة. كما ان دخول عدة شركات ضمن المنطقة يضمن المنافسة المشروعة  .

اما بالنسبة لقطاع المواصلات و النقل العام  ، فوفق المر الشبكة الحالية الموجودة هي مضرّة للبيئة وذات تكلفة . ومن المعلوم ان ثاني سلعة في قائمة المستوردات  في لبنان هي السيارات . وفي المقابل ، ليس هناك شبكة مواصلات ونقل عام منظمة. من هنا ، من الضروري إنشاء شبكة نقل تربط المناطق ببعضها ، ولبنان بالخارج بما يؤمن سهولة  التنقل الداخلي ويسهّل التجارة الخارجية. وهذا يساعد ايضاً في تخفيف الضغط السكاني عن المدن ويعالج ملفاً اجتماعياً حساساً.

والمشروع يتضمن بناء خط  سكة حديد لقطار سريع يشارك فيه عدد من الشركات تطبيقاً لنظام

ال بي او تي عن طريق استدراج العروض وتقديم الاسعار، علماً ان حجم الاستثمار ليس قليلاً .

ومن المفترض ان يمتد  الخط من عكار في الشمال الى بيروت ومنها الى الناقورة. وخط آخر من الهرمل في البقاع الى زحلة وشتورا باتجاه جزين ومنها نحو ​صيدا​ فبيروت .

اي شبكة  مواصلات جديدة لها مردود ايجابي في الاقتصاد.

الجدير ذكره ، ان لبنان لزّم دراسات الجدوى لثلاثة مشاريع من ضمن 20 مدرجة في البرنامج الاستثماري الحكومي، الذي يشمل 280 مشروعاً معظمها يتصل بالبنية التحتية في كل القطاعات. وتشكل هذه الخطوة صفارة انطلاق لتطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي تأخر سنوات، بفعل ألف سبب وسبب تبدأ بالتجاذب السياسي الذي يبلغ ذروته عند  توزيع حصص الكتل والأحزاب في الحكومات .

لم تكد ​الحكومة اللبنانية​ الجديدة تبصر النور، حتى استتبع البنك الدولي تشكيلها، بسلسلة تحذيرات، مفادها ضرورة الإسراع في معالجة أمّ الأزمات في لبنان، أي أزمة الكهرباء. ورأى البنك الدولي ومسؤولون بالأمم المتحدة، إنه يجب على الحكومة اللبنانية الجديدة أن تعطي الأولوية لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد أن قضت أشهراً في خلافات بشأن تشكيل ​مجلس الوزراء​، وأن تسعى إلى معالجة الانقطاعات اليومية للتيار الكهربائي، وما تتحمله الدولة من تكاليف ضخمة.

وقال المدير الإقليمي المعني بلبنان و​العراق​ و​سوريا​ و​الأردن​ وإيران في البنك الدولي، ساروج كومار جا، إن الكهرباء "هي المجال الذي نريد التحرك فيه سريعا جدا"، مع جلب البنك لتمويل بشروط ميسرة، للمساعدة في الإصلاحات، لافتاً إلى أن مشكلات القطاع أبعدت المستثمرين، وتسببت في "ضغط مالي هائل على الحكومة"، التي تضخ مبالغ كبيرة في دعم الكهرباء التي توفرها الدولة.

وإذ أعلن المدير الإقليمي أنه سيوصي بقوة، بأن تمنح الحكومة اللبنانية أولوية للاهتمام ب​قطاع الطاقة​، رأى أن على لبنان المضي قدماً في خطة تحويل مرفق كهرباء لبنان إلى شركة، وفي خفض الدعم الحكومي للكهرباء.

من جهته، قال المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني، إنه يجب على حكومة الرئيس سعد الحريري أن تعطي أولوية للإصلاحات، التي وعد بها لبنان في مؤتمر سيدر العام الماضي، حين قدم المانحون تعهدات بالدعم، مشيراً إلى أن "إحراز تقدم في ​مكافحة الفساد​ وإصلاح قطاع الكهرباء سيكونان ضروريان لاستعادة الثقة وإعادة تنشيط الاقتصاد وتعزيز النمو والإستقرار والتوظيف في الأجل الطويل".

ويبقى السؤال هل ستبدأ  الخصخصة في القطاع الاكثر سخونة وهو الكهرباء؟

ام هناك فرملة لاي توجه يخرج  عن المصالح والمكاسب الفردية ؟

تعتبر  المادة 89 من الدستور اللبناني واضحة، ولاسيما من ناحية خصخصة المرافق العامة، حيث تنص على أنه لا تجوز خصخصة أي التزام أو امتيازات لاستغلال مورد من موارد البلاد الطبيعية، او مصلحة ذات منفعة عامة. ماهو وضع الكهرباء والنقل العام في هذه الحال ؟

الايام القليلة المقبلة كفيلة باستقدام الاجوبة في ضو الاصرار والوعود من المسؤولين على حل مشكلة الكهرباء العار.