هو فخر لبلده ​لبنان​، ونتاج طبيعي للقيم الطيبة المغروسة في نفسه، والتي صقلت شخصيته وعززت من انتمائه لوطنه ومجتمعه. اذ يحمل معه بشكل يومي، إرادته وآماله بتأمين غد أفضل لأكبر عدد ممكن من الأشخاص.

في بداياته، قست عليه الأيام، ومرّ بمراحل صعبة قبل أن يصل الى ما هو عليه اليوم، فانطلق من الصفر، وقرر أن يشق طريقه، ويواظب على النضال بكل قوة وصلابة وإصرار وعزيمة، ليثبت أن "النجاح لا يتطلب عذرا، والفشل لا يترك أي مبررات"، وأن "الإصرار والعزم، وحدهما الدافعان نحو النجاح".

بجهده وإصراره حقق إنجازات أوصلته الى حيث يحلم كثيرون أن يكونوا، فإلى جانب نجاحه كرجل أعمال، هو ينجح يوميا "كإنسان" من خلال نشاطه في "بنك الغذاء اللبناني".

يصفه ابنه وائل بـ"صاحب الهمة"، في حين يؤكد ابنه وسيم أنه "عرف كيف يحوّل الى الأبيض كل ما كان سوادا"، ومن جهتها تقول ابنته دانيه، أن والدها "طبيعي الى أقصى درجة، شاعري ومرهف بامتياز".

تخصص سنو في إدارة الأعمال في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، و"جامعة ​لندن​"، وعمل في مجال التجارة، وتفرغ لتجارة الألعاب. وهو اليوم نقيب بائعي ومستوردي الألعاب في لبنان، وراعي جمعية "طفولة" لتأهيل غرف المستشفيات الخاصة بالأطفال المصابين بالسرطان، ومؤسس "بنك الغذاء اللبناني".

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع مدير "Lebanese Food Bank"، رجل الأعمال اللبناني ​كمال سنو​، للتعرف اليه عن كثب:

- أخبرنا باختصار عن بداياتك المهنية وخلفيتك الأكاديمية؟

والدي كان صاحب معمل لتصنيع منتجات التبغ، ولكن بعد قدوم الفرنسيين، أقفلوا المعمل، وتراجع وضعنا المادي بشكل كبير. ورغم اليأس الذي شعر به الوالد، عمد الى افتتاح متجر صغير لبيع السجائر، والتنباك، والطوابع،... من أجل تأمين لقمة العيش.

ومن هنا اضطررنا، شقيقي وأنا، الى تأمين متطلبات العيش، لأننا لا نقبل أن نطلب المساعدة من أحد. فبدأنا بالعمل من المنزل على تصنيع الشوكولاتة والزبدة والحليب. ولم تكن البرادات حينها موجودة بكثرة، فكنا نستعين بثلاجات الجيران مقابل إعطائهم بعض المنتجات. واستمرينا بهذا المشروع لحوالي سنتين.

وقبل سنة من التخرج من "الجامعة الأميركية في بيروت"، سمعت أن "جامعة لندن" تعفي الطلاب من الأقساط، في حال كان مستواهم العلمي جيدا جدا. فتوجهت الى هناك بالباخرة، وبعد فترة من الدراسة قال لي المدير أنني لم أصل المستوى المطلوب، وطلب مني العودة الى لبنان. فقلت له أن هناك عدد كبير من الطلاب من ​ماليزيا​، ​إندونيسيا​، ​باكستان​، ​السعودية​،... أي ​الدول الإسلامية​، لا يعرفون قراءة اللغة العربية، في حين أنه يرغبون قراءة القرآن، واقترحت أن أعلمهم دون أي مقابل. فأعطاني خمسة أيام فقط لتنفيذ المشروع، وخلال هذه المدة القصيرة، نجحت الدروس في استقطاب حوالي 400 طالب.

ولدى عودتي الى لبنان، كنت بحاجة الى رأس مال، وفكرت بمشروع يدرّ الأرباح، دون الحاجة الى استثمار مالي كبير. وبعد فترة، توجهت الى ​غرفة التجارة​ ووزارة الصناعة من أجل التعرف الى عدد المعامل الموجودة في لبنان، اذ قررت دراسة واقع هذا المجال. وفي العام 1965، أي بعد سنة من العمل، نشرت كتاب "Lebanese Industrial Directory"، الذي يضم معلومات حول 1000 معمل لبناني تقريبا. وقد تم اعتماده كالمرجع الوحيد للصناعة في لبنان، وأرسلته وزارة الخارجية الى السفارات كافة.

فجنيت حوالي 35 ألف ليرة من هذا الكتاب؛ ومن هنا انطلقت وأكملت المسيرة!

وفي السبعينات، توجهت الى سوق القزاز في بيروت لبيع الألعاب، لكن اليهود كانوا حينها الأكثرية، وبالتالي يتحكمون بالسوق؛ فعل سبيل المثال، اذا أردت بيع منتج ما بـ10 قروش، يعمدون الى بيعه بـ5 قروش. ومن هنا، ضغطوا علي بشكل كبير لكي أغادر السوق.

فقررت القيام بفكرة جديدة، فأطلقت عربة أسميتها "كاش فان"، وضعت فيها الألعاب، وتوجهت الى الحدود من الناقورة الى البقاع و​عكار​ لبيعها. ومع الوقت، بات لدينا 6 سيارات "كاش"، واقتربنا من ​طرابلس​، بحمدون، والمتن، وغيرها من المناطق.

واليوم، تضم شركاتنا 400 موظفا، يعملون في مجموعة "Toy Market"، التي تشمل ثلاث شركات، بالاضافة الى شركة "Premium Partners"، المنتشرة في 12 مكتبا خارج لبنان، والتي نتعامل من خلالها مع شركات عالمية كبرى مثل "​نستله​" و"​ماكدونالدز​".

- برأيك، ما هي صفات النجاح والاستمرارية؟

بعمر الست سنوات كنت أتعلم في المدرسة الابتدائية النموذجية "بيت الأطفال"، وخلال فترة الغداء، كان الأولاد يجبرون على وضع فوطة حول العنق، وذات يوم جاءت المديرة ورأت أنني لا أضعها، فسألتني عنها وقلت أنني لا أعرف مكانها، فطلبت مني الوقوف على الكرسي والقول أمام الجميع أنني لم أحضر الفوطة، ولهذا السبب لن أتناول الطعام. لكنني رفضت ذلك رفضا قاطعا، وقاومت، وقلت لها أنني لا أريد تناول الطعام لكنني لن أقف أبدا على الكرسي.

أما العبرة من هذه القصة فهي أنني لا أرضى أن تهان كرامتي أمام أحد؛ فاذا قمت بعمل خاطئ أتقبل النقد الهادئ وليس العنيف والمؤذي.

وبالنسبة لي، عندما أصمم على هدف معين، لا بد أن يتحقق! وفي إطار عملي أسير باستقامة، والمطلوب من الموظفين أيضا أن يسيروا على هذا النهج؛ وأنا أفتخر حقا بموظفي شركاتنا. فخلال حرب تموز 2006 على سبيل المثال، لا بد من الاشادة بموظفي الشركة الذين أبدعوا وضحّوا بأنفسهم. فبفعل القذائف، خُلعت أبواب مستودع في منطقة كفرشيما، وبادر الموظفون الى إعادة إغلاق الأبواب بألواح حديدية، وناموا في المستودع كي لا تتم سرقته.

- ما هي الانجازات التي تحققت في "Lebanese Food Bank" الى حد اليوم؟ وما هي الخطة التي تسعون الى تنفيذها خلال العام الجاري؟

في لبنان، يعيش 400 ألف مواطن تحت خطر ​الفقر​، وبالتالي اذا لم يتمكنوا من الوصول الى الطعام، سيقومون بكل ما يلزم من أجل تأمين لقمة العيش، وقد يلجأون أحيانا الى بيع أنفسهم، أو السرقة،... وهنا يمكن الخطر الحقيقي على المجتمع.

في "Lebanese Food Bank"، نحصل من المطاعم والفنادق وشركات الـ"catering" على الطعام الزائد، كما نجمع ​المواد الغذائية​ التي اقتربت مدة انتهاء صلاحيتها، من المعامل والمتاجر. وذلك بهدف توزيعها على الفقراء بشكل يومي.

وفي البداية، كان الأمر صعبا للغاية وكنا نعاني كثيرا لإيجاد متبرّعين، ولكن اليوم باتت المؤسسات تطلب منا التعاون معها، ومن هنا، تمكنا من تقديم الطعام بشكل يومي، لحوالي 2000 و3000 شخصا. لكن هذا العدد لا يكفي حتما.

ومؤخرا، حصلنا على سيارات جديدة، وبات لدينا ثمان سيارات، وبالتالي سنتمكن بذلك من توصيل الطعام الى عدد أكبر من الأشخاص؛ مع العلم أنه من المفترض أن يكون العدد 50 سيارة.

ولكن مهما فعلنا، لا يمكن أن نصل الى إطعام 400 ألف شخص يوميا، أولا لعدم قدرتنا على تأمين الطعام لهذا العدد الكبير، وثانيا بسبب كرامة اللبناني، الذي يفضل الموت جوعا بدلا من مدّ يده.

كما أن الجهات الداعمة تثق بنا بسبب شفافيتنا ومصداقيتنا العالية، فنحن نتعاون مع الجمعيات المحلية، وقد اخترنا 75 جمعية من أصل 11200 جمعية موجودة في لبنان. ومن هنا، نعمل على توثيق كل مبادرة نقوم بها، وبهذه الطريقة سيتمكن كل شخص يقدم لنا الطعام من معرفة العائلات المستفيدة من تبرعاته.

والجدير ذكره، أن إرادتي في إنجاح هذا المشروع وضمان استمراريته، كبيرة ولامتناهية، فأنا أقدم له غالبية وقتي، وذلك بسبب الشعور الرائع الذي يغمرني عندما ألتمس أهمية هذه المبادرة، ومدى مساهمتها في تحسين أوضاع الناس.

- هل وصلت الى طموحاتك المهنية كافة أم لديك المزيد من المشاريع المستقبلية التي تسعى الى تحقيقها؟

لدينا مشاريع جديدة بشكل يومي، وفي ذهني الآن أكثر من 500 مشروع قابل للتنفيذ على الفور.

فأنا أسعى دائما الى رفع معنويات الناس، وتشجيعهم على تنفيذ أفكارهم.

- ما هي السمات التي تحرص على نقلها الى أولادك الذي يديرون اليوم الشركات التي أسستها في الماضي؟

أولادي يعملون على النهج ذاته الذي أعتمده، فهم لا يغشون الزبائن بل يعملون دائما بالحق.

- ماذا تقول لجيل ​الشباب​ اللبناني؟

النصيحة الأولى والأهم هي عدم الهجرة من لبنان، فبلدنا ليس فندقا نبّدله متى شئنا، بل هو وطن الخيرات والمعرفة والأفكار.

ومن هنا، أنصح الشباب أن يركزوا على الصناعات الصغيرة، ويعمدوا الى توسيعها في المستقبل.

بالتالي عليهم الانطلاق، ولو بفكرة متواضعة، وعدم غش المستهلك من ناحية جودة المنتجات المقدمة؛ اذ يجب أن يبيع التاجر المنتج الذي سيرغب في تقديمه لنفسه، أي بأفضل جودة ممكنة!

وحتى ولو انطلق رائد الأعمال بمبلغ صغير، نحن مستعدون الى تقديم كل الدعم المادي اللازم لكي يطور أفكاره، بسبب تركيزنا على دعم الصناعات الصغيرة التي تولد من مهارات الناس ومواهبهم. ففرص العمل كثيرة في لبنان، حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

ولا بد من الاشارة الى أن اللبناني يتحلى بذوق رائع، وفكر واسع، ومعرفة كبيرة، ونظرة استثنائية، وذلك بسبب انفتاحه وتواصله مع الحضارات المختلفة.

من جهة أخرى، أنصح رجال الأعمال اللبنانيين أن يهتموا أكثر بالمشاكل الاجتماعية الموجودة في البلاد.