اقر مجلس الوزارء بالامس البيان الوزاري الذي ستنال الحكومة على اساسه ثقة المجلس النيابي الاسبوع المقبل كما هو متوقع . وقد افرد البيان لمعالجة ازمة ​الكهرباء​ بنودا خاصة لعل ابرزها البند الخامس والمتعلق باصلاحات قطاعية لا سيما ​قطاع الطاقة​ ـ فاكدت الحكومة الالتزام بالشراكة مع ​القطاع الخاص​ لتأمين التغذية بالتيار الكهربائي في اسرع وقت ممكن وذلك وفقا للقوانين والانظمة المعمول بها ، لا سيما القانون 288 للعام 2014.

بعد نيل الحكومة لثقة المجلس النيابي يجدر المبادرة فورا الى تنشيط الورشة الحكومة لمعالجة جذرية ونهائية لأم الازمات في لبنان ، اي الكهرباء ، وهي وحدها تكلف الخزينة عجزا سنويا يقدر بملياري دولار.

وكما هو معروف للجميع فان الحلول والخطط موجودة ، والمطلوب اتخاذ القرارت التنفيذية الفورية لاطلاق ورشة تأمين انتاج 3000 ميغاواط اضافية تدريجيا ، تغطي العجز الحالي ، وتزيد للسنوات المقبلة . وبما ان مؤتمر "سيدر" خصص حزمة من المساعدات والقروض تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار لقطاع الكهرباء ، يجب الاستفادة من هذه الفرصة لانهاء عصر العتمة في البلد والانتقال الى عصر البحبوحة الكهربائية كما كان الحال قبل الحرب الاهلية عام 1975.

والواقع ان لبنان ليس بحاجة لانتظار حزمة "سيدر" لاطلاق مشاريع تطوير الكهرباء ، انما يمكن الاستفادة من هذه الحزمة لاضافة مشاريع أخرى الى ما سبق وتم اقراره في الحكومة السابقة ، وأهمها مشروع توليد الطاقة من الرياح. فا ذا كانت مشاريع بناء معامل جديدة تعمل على الفيول والغاز ضرورة آنية ، فان المستقبل هو للطاقة المتجددة ، مثل الرياح والشمس والمياه ، فهي من العناصر الرئيسية للتنمية المستدامة.

الطاقة المتجددة أنظف وتحافظ على البيئة، وأرخص بكثير على المديين المتوسط والبعيد ، علما ان كلفتها في المدى المنظور والمباشر اقل من كلفة الانتاج بواسطة الفيول والغاز ، وخصوصا ان مصدرها لبناني وغير مستورد وغير خاضع لتقلبات سوق النفط والغاز في العالم.

لقد اتخذت الحكومة السابقة في العام 2017 قرارا استراتيجيا بالغ الاهمية للبدء بانتاج الطاقة من الرياح ، بقدرة 200 ميغاواط ، وعلى الرغم من ضآلة هذه الكمية نسبة الى حاجات لبنان ، الا انها خطوة جبارة على الطريق الصحيح ، اذ يمكن تطويرها للوصول الى انتاج 1000 ميغاواط بالاعتماد على الطبيعة.

الاعداد لهذا القرار بدأ منذ العام 2008، مع شروع شركات خاصة وبمبادرة منها لاجراء الدراسات اللازمة لانتاج الطاقة من الرياح في انحاء عدة من لبنان ، وخصوصا في محافظة ​عكار​ ، وقد تأخرت الدولة 9 سنوات لتتخذ القرار للاسباب السياسية المعروفة ، الان انها حزمت امرها في العام 2017 وانخرطت فعليا في تحويل السياسات الطاقوية في لبنان، نحو إنتاج طاقة متجددة نظيفة ومستدامة، بما يساهم في تحقيق أهداف لبنان عموماً، وفق مندرجات إتفاق ​باريس​ بشأن التغير المناخي. وتقضي هذه الأهداف بالتوصل إلى تقليص الإنبعاثات السامة بنسبة 30 في المائة، بحلول سنة 2030، شرط تلقي الدعم الدولي، مع تعهد لبنان الطوعي بالوصول إلى نسبة 12 في المئة من الطاقة المتجدّدة، من مزيج مصادر الطاقة، بحلول عام 2020.

وقد استندت الحكومة في هذا القرار، إلى مرجعية ورقة سياسة قطاع الكهرباء، الصادرة عن ​مجلس الوزراء​ في حزيران العام 2010، التي أفردت محورين كاملين لتنفيذ مشروعات تتعلق بكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة. وإلى الخطة الوطنية للطاقة المتجددة 2016- 2020، التي تبنتها وزارة الطاقة والمياه، التي أفردت محوراً كاملاً لإنتاج الطاقة من الرياح.

وهكذا شهدنا تجربة جديدة في الحكم مفادها ان الخطط الحكومية لا تبقى حبرا على ورق ، حتى لو تأخر التنفيذ. وكذلك بالنسبة للقوانين واهمها القانون رقم 288 الصادر في نيسان العام 2014،المذكور في البيان الوزاري الجديد كما أسلفنا ، والذي يسمح لمجلس الوزراء بمنح تراخيص الإنتاج للقطاع الخاص، بنصه التالي: "بصورة موقتة ولمدة سنتين ولحين تعيين أعضاء الهيئة (الناظمة) واضطلاعها بمهمتها، تمنحُ أذونات وتراخيص الإنتاج، بقرار من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمالية". وقد مدد العمل باحكام هذا القانون لمدة سنتين إضافيتين، انتهت في 30 نيسان 2018.

ماذا انجز في العام 2017 ؟

استفادت الحكومة من هذا القانون ووقعت عقدا لشراء الطاقة من القطاع الخاص بعد ان منحت أول 3 تراخيص لانتاج الطاقة بقدرة 200 ميغاوات الى 3 ​شركات لبنانية​ ، ستقيم مزارع لتوليد الطاقة من الرياح في منطقة عكار لان الدراسات التي تمّت هناك في العامين 2008-2009 اظهرت ان البيئة الملائمة لطاقة الرياح من حيث معدل الرياح ووجهتها.

كما اعلنت وزارة الطاقة في حينها انها تنوي اطلاق مناقصة جديدة لانتاج الطاقة من الرياح بقدرة 300 ميغاواط في مناطق لبنانية مختلفة.

الجدير بالذكر ان كلفة انتاج الطاقة من الرياح، وفقا لقرار مجلس الوزراء يومها، هو 11 سنتاً أميركياً (تقريبا ) مقارنة مع معدل يبلغ 16 سنتاً للكيلوواط ساعة تدفعه الدولة لانتاج الطاقة من المصادر المعتمدة حالياً . ولكن سعر طاقة الرياح في المشاريع الجديدة سيخضع لعوامل عديدة لتخفيضه ، مثل الدعم الحكومي عبر ​مصرف لبنان​ لهذه المشاريع ، او الدعم المنتظر من المؤسسات الدولية ، وخصوصا البنك الاوروبي للانشاء والتعمير ، الذي لم يكن حاضرا يومها ، ولكنه يدخل الان الى لبنان بقوة للمساعدة وتحديدا في تطوير قطاع الكهرباء .

في اي حال ، فان الاسعار المعروضة جيدة لشركات القطاع الخاص وللدولة معاً، وخصوصا للدولة لان مؤسسة كهرباء تتكلف اكثر حاليا، كما ان القطاع الخاص، وفقا للمناقصات التي تعدها وزارة الطاقة هو الذي يتحمل كل الأعباء من شراء أو اسئجار الاراضي، وتأمين الرخص اللازمة الى كلفة التمديد على الشبكة.

كيف تنتج الرياح الكهرباء؟

تثبت مراوح هواء عملاقة في أراضٍ مرتفعة او مسطحة ،وقطر كل شفرة في المروحة يصل إلى 130 متراً، وكل مروحة توضع على مساحة 2000 متر، عندما يهبّ الهواء تدور الشفرات، ما يؤدي إلى احتكاك الهواء بطبقة النحاس الموجودة في المروحة، عندها تنتج الطاقة الكهربائية في عمود الماكينة التي تذهب إما إلى محطة تبنى خصيصا او محطات ​كهرباء لبنان​ ، وتقدر قدرة كل مروحة الانتاجية نحو 4 ميغاوات، تكفي لحاجة 4000 منزل، لذا يحتاج مشروع عكار الى 50 مروحة، تمتد على 15000 متر مربع .

ويشكل المشروع فرصة اقتصادية ومالية مهمة للمنطقة التي يقام فيها ، فتتعزز مداخيل البلديات من تأجير الاراضي للشركات ، بالاضافة الى تأمين فرص عمل لابناء المنطقة .

لذا فان حكومة "الى العمل " كما سماها رئيسها ​سعد الحريري​ مدعوة الى استكمال جهود جبارة بذلت في السنوات الماضية لتطوير قطاع الكهرباء ، والمطلوب اطلاق المزيد من المناقصات لتوليد الطاقة من الرياح ، وكذلك من الشمس ، بالاضافة الى خطط بناء معامل جديدة ، وتحديث شبكات النقل والتوزيع .