بعد أكثر من ثمانية أشهر على تكليف الرئيس ​سعد الحريري​، ولدت الحكومة العتيدة في شهرها التاسع، لتلغي فراغاً كاد ان يصل بالبلد إلى الهاوية لو إستمر لأشهر أخرى.

وقد يكون ​الوضع الاقتصادي​ المتدهور أحد اهم الأسباب التي أدت إلى إنهاء الكباش السياسي الحاصل، والمضي قدما في تشكيل الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالانهيار بات وشيكاً ولم نعد نملك رفاهية الوقت، إضافة إلى انه لا مصلحة لأحد في حصول هذا الانهيار الذي سيطال الجميع دون إستثناء.

وبعد إعلان التشكيل، برزت بعض الوجوه الجديدة خاصة في الحقائب الإقتصادية، إذا تولى كل من وزارة الإقتصاد والصناعة و​الطاقة​ والعمل والإتصالات والصحة وزراء جدد، كما شهدت الحكومة الجديدة وجود 4 نساء للمرة الاولى في تاريخ ​لبنان​، وأبرزهم الوزيرة ​ريا الحسن​ التي إستلمت وزارة الداخلية والبلديات، لتكون المراة الاولى في العالم العربي التي تتولى حقيبة الداخلية.

وعلى الرغم من الظروف الإقتصادية والمالية والنقدية الصعبة التي وصل إليها البلد، إلا أن اللبنانيين يعقدون آمالاً كبيرة على هذه الحكومة لإنتشال البلد من محنته، والسير به إلى بر الأمان، خاصة ان هناك العديد من الملفات التي يجب العمل عليها وعلى رأسها ملفي ​النفط​ و​الكهرباء​، إضافة إلى إستغلال الأموال القادمة من "سيدر" بأفضل صورة ممكنة، لإعادة تاهيل البنى التحتية وجذب الإستثمارات.

فهل ستكون الحكومة الجديدة منتجة على عكس الحكومات السابقة ؟ وهل سينحّي الاطراف خلافاتهم السياسية جانباً من اجل إنقاذ السفينة قبل ان تغرق بنا جميعاً ؟ ما هي أبرز الملفات التي يجب البدء بالعمل عليها ؟ وماذا عن موازنة العام 2019 ؟ كيف يمكن إستغلال الصيف القادم بافضل طريقة ؟ وما هي نسب النمو المطلوبة للعودة إلى السكة الصحيحة ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي والمالي د. كامل وزنة في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

بداية، ما هي اهمية تشكيل الحكومة في الوقت الراهن، على الرغم من التأخير الذي حصل والمشاكل التي رافقت عملية التشكيل ؟؟

هناك اهمية كبيرة لتشكيل الحكومة في الوقت الحالي، بإعتبار أن الوضع الإقتصادي بحاجة ماسة لمتابعة دقيقة، حيث ان لبنان يحتاج إلى "جراحة إقتصادية" إذا صح التعبير، خاصة بعد تأزم ​الوضع المالي​ وإرتفاع نسب ​الدين العام​ بشكل كبير، وزيادة نسب ​البطالة​، وإرتفاع نسب الفوائد ... فالجمود السياسي ترك إنعكاس سلبي على الإقتصاد وأدى إلى تخفيض القيمة الإئتمانية للبنان، وهذا الامر أدى إلى تكلفة مالية باهظة.

من جهة أخرى المديونية العامة قاربت الخطوط الحمر، ويجب تدارك هذا الموضوع والعمل على تخفيض هذه المديونية، وإيجاد سياسة جديدة للتعاطي مع الأمور المالية.

ولكن السير بالإصلاح والعمل على خفض المدينوية، له ثمنٌ كبير، وتضحيات مؤلمة، والسؤال المطروح: هل يستطيع المواطن اللبناني الفقير تحمل هذا الثمن ؟

لذلك علينا العمل على وضع دراسة، لتحميل الطبقة القادرة على دفع الضرائب الجزء الأكبر من هذا الحمل. والعمل من جهة أخرى على تطبيق القوانين الموجودة، والحد من ​التهرب الضريبي​ الكبير الذي يحصل سنويا. فلبنان بات جنة ضريبية بسبب سهولة التهرب من الضرائب، وعدم الجدية في تطبيق القوانين الخاصة بهذا الموضوع، و​الفساد​ المستشري في كافة مرافق الدولة.

وإصلاح هذا الأمر يتطلب قرار موحد من كافة الأطراف الموجودة في الحكومة، للبدء بمرحلة جديدة وعنوان جديد وفتح ممر ومعبر جديد لإدارة الدولة بشفافية أكبر ومسؤولية أكبر ومحاسبة أكبر.

هل ستكون الحكومة الجديدة منتجة على عكس الحكومات السابقة ؟ وهل سينحّي الاطراف خلافاتهم السياسية جانباً من اجل إنقاذ السفينة قبل ان تغرق بنا جميعاً ؟

لا شك أن المشاذات والخلافات السياسية لا يمكن أن تؤدي إلى تحسن وضع البلد، والتشنجات بين الأفرقاء ستعطّل الرؤية المطلوبة للإصلاحات التي نحن بامس الحاجة إليها.

برأيي يجب على الجميع إعطاء فرصة لهذه الحكومة لكي تعمل، والمطلوب أيضا ان نعمل "بالإقتصاد" وليس "بالسياسة"، خاصة اننا لم نعد نمتلك رفاهية الوقت. ففي السابق هناك العديد من الملفات الإقتصادية التي تمت إدارتها من أجل منافع سياسية معينة، لكن اليوم يجب ان يتم العمل على الملفات من خلفية إقتصادية ومالية تخدم الإقتصاد الوطني على المدى الآني والطويل.

فالطريقة التي عملنا بها سابقا كان فيها حسابات طائفية وإنتخابية اوصلتنا إلى شفير الهاوية.

برأيك ما هي أبرز الملفات التي يجب البدء بالعمل عليها ؟

من أبرز الملفات التي يجب العمل عليها هي وضع خطة سريعة لوقف الهدر الحاصل والتخفيف من الفساد المستشري، وتطبيق القوانين لملىء الفراغات الموجودة في الدولة اليوم.

كما يجب تأمين الإستثمار بالبنى التحتية التي تخدم القطاعات الإقتصادية المنتجة. والسعي جدياً لحل ملف الكهرباء، الذي يمثل الجرح الاعمق في جسد ​الدولة اللبنانية​، والذي أهلك الخزينة على مر السنوات الماضية بأكثر من 40 مليار دولار.

وعلينا أيضا تعزيز المرافق التي تعنى بالأمن الإجتماعي، بدءا من الطبابة، مرورا بالتعليم، وصولا إلى ملف قروض ​الإسكان​ والسياسة الإسكانية المستدامة. هذه الامور تعتبر أولوية للمواطن الفقير ولذوي الدخل المحدود.

من ناحية أخرى علينا العمل سريعاً لإقرار موازنة 2019، ولكن الأهم من إقرار ​الموازنة​ هو تضمينها رؤية وخطة، وأن لا تكون فقط عملية حسابية، فالحساب لا ينفع بدون رؤية.

هناك أيضا ملف النفط و​الغاز​، حيث يعتبر عام 2019 هو عام بدء التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، وبالتالي يجب على الحكومة التعامل مع هذا الملف بالطريقة الصحيحة والمطلوبة.

كيف يمكن إستغلال الصيف القادم بافضل طريقة ممكنة ؟

القطاع السياحي​ هو مصدر أساسي لإدخال العملة الصعبة إلى لبنان، إلى جانب ​تحويلات المغتربين​. وبالتالي هذا القطاع يعد من اهم القطاعات. ويجب العمل على إعادة السائح الخليجي، والسعي لرفع الحظر عن السياح الخليجيين.

ولكن الأهم من إعادة السائح الخليجي هو التسويق للبنان كوجهة سياحية في دول جديدة وأسواقٍ جديدة، حيث بإمكاننا التواصل مع شركات عالمية لتوسيع دائرة السياح. فعلى سبيل المثال السوق الروسي يعد من أهم الأسواق، لذلك علينا العمل على جذب السائح الروسي، خاصة ان ​تركيا​ و​مصر​ تعتبر الروسي ركيزة مهمة بالنسبة لقطاعهم السياحي. فلماذا لا يتم الإتفاق على رفع التأشيرة بين البلدين ؟ ولماذا لا تتعاون المؤسسات السياحية اللبنانية فيما بينها لطرح أسعار تنافسية مع دول مثل تركيا ومصر وقبرص وغيرها؟

لبنان بحاجة لتفعيل هذا الأمر مع دول عديدة من أجل خدمة الإقتصاد بشكل عام و القطاع السياحي بشكل خاص.

ما هي نسب النمو المطلوبة للعودة إلى السكة الصحيحة ؟

أي نمو بين 2.5 و 3% في الوقت الراهن، يعتبر خطوة جيدة للبنان، على الرغم من حاجتنا إلى نسب نمو أعلى. ولكن لا يمكن ان نتغاضى عن الأوضاع الصعبة التي يعيش فيها لبنان في المنطقة، إضافة إلى نسب الفوائد المرتفعة جداً التي تؤثر سلبا على الإستثمارات، مما يشكل عائقا أمام تحقيق نسب نمو كبيرة.