خاص ــ الاقتصاد

بعد 42 عاماً على استحصال شخصين سوريين، على هويتي رجلين ​لبنان​يين متوفيين، وشرائهما بـ 13 ألف ليرة لبنانية، واستخدامهم هاتين الهويتين في تسجيل زواجهما وأولادهما في قيود الأحوال الشخصية اللبنانية، أصدرت ​محكمة​ الجنايات في بيروت حكمها في هذه القضية، فجرّمت المتورطين فيها، وشطبت قيود كل من جرى تسجيلهم وحصولهم على جوازات سفر ومستندات رسمية لبنانية عن طريق التزوير.

وفي تفاصيل هذه القضية المعقدة، فقد تعرّف المتهم "يوسف. م" في العام ١٩٧٦ على المتهمين "نايف. ق" و"محمد. ر" من التابعية ال​سورية​، ونشأت بينهم علاقة صداقة متينة، وكان ليوسف عدة أشقاء ذكوراً، من بينهم المرحومان أحمد مواليد ١٩٣٤ ومحمد مواليد ١٩٤٣، اللذين توفيا سابقاً ولم يقم أهلهما بشطب قيدهما لدى دائرة الأحوال الشخصية، وقد فاتح المتهمان نايف ومحمود المتهم يوسف برغبتهما بالحصول على ​الجنسية اللبنانية​ كونهما يقيمان ويعملان في لبنان.

وبالفعل تباحثوا بهذا الموضوع، ووافق ال​سوريا​ن على عرض قدمه يوسف بأن يتم تسجيل كلّ منهما على اسم أحد شقيقه المتوفيين أحمد ومحمد، وعلى هذا الأساس استلم المتهم ""نايف. م" من يوسف الهوية اللبنانية العائدة لشقيقه المتوفي "أحمد" مقابل مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية، قبضها منه يوسف، كما تعهد نايف برعاية والدته المسنّة وإعالتها حتى وفاتها، وبعد أن استحصل نايف على الهوية، عمد بمساعدة "يوسف" الى الاستحصال على حكم اثبات زواج من المحكمة الشرعية، اثبت بموجبه زواجه من اللبنانية "نايفة. ص"، كما استحصل على حكم آخر بإثبات زواجه من الفلسطينية "زهرة. س"، وقضى كل من الحكمين الشرعيين باعتباره زوجاً شرعياً لـ"نايفة" وبانتساب أولاده الخمسة اليها، بعد أن استحصل على وثائق ولادة مزورة لهم، علماً أن أحدهم هو نجله من أم سورية.

بموجب هذه الوثائق المزورة، استحصل "نايف" على حكم من المحكمة المدنية بإدراج أسماء أولاده المذكورين على سجل النفوس عن منطقة زقاق البلاط، كونه شخصياً مسجل فيه باسم "أحمد. م"، ولاحقاً استحصل على اخراجات قيد مع علمه أنها مزورة، واستعملوها بحيث استحصل نجله "مصطفى. ق" على ​جواز سفر​ لبناني له ولزوجته المصرية، وسجل على جواز سفر الأخيرة ولديه منها، كما قام المتهم "زكريا. ق" نجل "أحمد" بعد زواجه من تسجيل أولاده الأربعة واستحصل لهم على اخراجات قيد مزورة بأسمائهم.

وبالطريقة نفسها، استلم المتهم "محمد. ر" من المتهم "يوسف. م" هوية شقيقه المتوفي "محمد" لقاء مبلغ ثلاثة آلاف ليرة، واستحصل على حكم شرعي باثبات زواجه تحت اسم "محمد. م" من "نعمت. س" ونسب أولاده الخمسة اليها، واستحصل على وثائق ولادة مزورة لهؤلاء الأولاد بأسمائهم، كما أن نجله "عدنان" تزوج من المصرية "هنية. غ"، ورزق منها بخمسة أولاد أيضاً، كما تزوج من الفلسطينية "فاطمة. ح" ورزق منها بفتاتين، وسجل جميع أولاده على سجله، كما أن "يحيى. ر" نجل المتهم "محمد. ر" تزوج من "نجلاء. ق" ورزق منها أربعة أولاد وسجلهم على خانته في دائرة النفوس.

ظلّت الأمور تسير بشكل طبيعي، الى أن صدر في العام 1992 تعميم سرّي عن المديرية العامة لل​أمن​ العام، بناء على معلومات تفيد بأن المتهم "نايف. ق" استحصل على هوية اللبناني المتوفي "أحمد. م" وسجّل أولاده على سجله، وبناء على هذا التعميم جرى ​توقيف​ المتهم "خضر. ق"، من قبل مركز أمن عام القاع الحدودي لدى مغادرته الى سوريا، وضبط بحوزته جواز سفر لبناني، كما أوقف شقيقه "مصطفى. ق" من قبل مركز أمن عام ​العبودية​ لدى دخوله الأراضي اللبنانية عائداً من سوريا، وبحوزته هوية لبنانية، في حين أوقف المتهم "محمد. ر" في أواخر العام 1994 من قبل مفرزة بيروت القضائية بسبب استعماله بيان قيد مزور باسم "عدنان. م"، ثم أوقف والده "محمود. ر"، ثم المتهم "يوسف. م" لإقدامه على بيع هويتي شقيقيه المتوفيين، وخلال التحقيقات التي أجريت معهم اعترف كلّ منهم بوقائع مطابقة للوقائع لمذكورة أعلاه.

محكمة جنايات بيروت برئاسة القاضي سامي صدقي التي حاكمت المتهمين بهذه القضية، قضت بتجريم المتهمين الذين تورطوا بأعمال التزوير من المتهمين الأساسيين الذين استحصلوا هويات لبنانية بطريقة مزورة، وقضت بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات بحق كلّ منهم وتجريدهم من حقوقهم المدنية، ومنعتهم من التصرف بأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وشطب قيود المتوفيين "أحمد. م" و"محمد. م" وكافة القيود الواردة على سجلهما، بما فيها قيود المتهمين، وسطرت كتاباً الى المديرية العامة للأحوال الشخصية للتنفيذ، وإبلاغ من يلزم مضمون هذا الحكم. في حين أسقطت المحكمة دعوى الحق العام عن ثلاثة آخرين بسبب الوفاة.