بالامس القريب ، نجح ​لبنان​ في عقد القمة العربية في بيروت رغم اختلاف المواقف التقييمية بين السلبية والايجابية التي رافقتها. واذ يعوّل البعض على ان تكون المقرّرات التي صدرت في ختامها عاملاً في تعزيز العمل المشترك العربي، سيما وانها تعتبر خطوة متقدّمة على طريق تأمين ​اقتصاد​ عربي متكامل، فيما ان البعض الآخر يستبشر خيراً بالخطوة القطرية التي كانت الاهم فيها بالنسبة للبنان المضيف، بعد الاعلان عن مبادرة مالية تمثلت بشراء سندات الخزينة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار هناك شبه إجماع على ان انقاذ ​الوضع المالي​ والاقتصادي في لبنان يبدأ بالداخل .

وتتفق الآراء على ان هناك حاجة ماسة لاتخاذ القرار الحكيم والسليم بشأن الالتزام بالمواد القانونية لسلسلة الرتب و​الموازنة العامة​ والتي تتضمن سلسلة  اصلاحات، واهمها وقف ​التوظيف​ العشوائي، وقف عمليات الهدر و​الفساد​ . والاهم اتخاذ اجراءات حقيقية لتضييق الفجوة في ميزان المدفوعات و​الميزان التجاري​ التي تستنزف امكانيات لبنان بالعملات الاجنبية. ووفق وزير المال في حكومة تصريف الاعمال ​علي حسن خليل​، ثمة  18 مليار دولار خرجت من لبنان نتيجة ​العجز التجاري​ مقابل مبالغ قليلة تدخل خصوصا مع انحسار وتراجع التحويلات من الخارج الى الداخل.

أذاً، انها  مجموعة من الاجراءات التي لا تنفي ولا تلغي الحاجة السريعة لقيام حكومة تتقن حمل وطرح هذه المواضيع على طاولة البحث وتأخذ قرارات جذرية.

بدون شك، وبعيداً عن القراءات السياسية التي تضعه في خانة التحدي للملكة العربية ​السعودية​، فإن الإستثمار القطري سيعطي لبنان جرعة ماليّة، ولو كان من دون حكومة يحافظ على هذا الستاتيكو، وقد دخل الشهر التاسع، الا ان إحتواء العجز المالي المتصاعد والاقتصاد المتهاوي بعد كر سبحة إقفال المؤسسات وارتفاع نسب ​البطالة​ سيزيد الامور خطورة.

كما انه لا يمكن إغفال ما قد اعقب القمة والالتفاتة القطرية من خفض "​موديز​" تصنيف لبنان ليكون بمثابة إنذار الى الدولة اللبنانية على ضرورة تحسين وضع المالية العامة واحتواء نسب المديونية والعجز.

بعد مرور اسبوع على انعقاد القمة العربية هل بالامكان إجراء التقييم  المناسب للنتائج الاقتصادية على لبنان ؟

الحاج

الخبير الاقتصادي​ الدكتور رازي الحاج يلفت الى انه قبل كل شيء علينا فهم الهدف من القمة العربية ودورها قبل الاسترسال في التحليلات . فانعقادها يتم كل 4 سنوات، ومن شأنها البحث في قضايا مختلفة تلخص هواجس ​الدول العربية​ مثل ​الامن الغذائي​، ​التنمية المستدامة​ وسواها من المواضيع.

من هنا، لا يمكننا القول ان للقمة تأثيرات مباشرة على الوضع الاقتصادي في لبنان. فرغم كل التحديات التي رافقت انعقادها نجحت على صعيد التنظيم وقامت الدولة بدورها بواسطة مؤسساتها الدستورية.

ويعتبر الدكتور الحاج ان الخطوة القطرية في استثمار 500 مليون دولار في السندات الدولارية للحكومة اللبنانية ساهمت في رفع قيمة السندات اللبنانية وعززت من احتياط مصرف لبنان.

ولكن، بكل أسف، وضع هذه السندات يتأثر بالكلام الدولي وباللغط الحاصل حول موضوع إعادة هيكلة ​الدين العام​ او إعادة جدولته، كما حصل في المدة الأخيرة، هذا الى جانب ​التصنيف الائتماني​ للديون.

اما بالنسبة لتقرير مؤسسة ​التصنيف الإئتماني​ "موديز" الذي خفض تصنيف لبنان من "B-" مع رؤية سلبية إلى "Caa1" مع رؤية "مستقرّة" والذي تم الاعلان عنه بعد انتهاء اعمال  القمة العربية، يعتبر الدكتور الحاج ان نتيجة التقرير هي خلاصة مرحلة سابقة ، وبالتالي لا يتم اعداده في يوم واحد ، وانما يتطلب فترة زمنية تراقب المرحلة.

واذا لاحظنا فإن التصنيف قد خفّض ولكنه تحوّل من سلبي الى مستقر. وهو مرتبط بشكل واضح بالاوضاع المالية  والاقتصادية الصعبة ، بالازمة النقدية وبالفوائد المرتفعة .

على المدى الطويل ، لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع ؛ هناك مشاريع تم إقرارها خلال مؤتمر "سيدر" الذي عقد لاجل لبنان،  وهي مرفقة برزمة اصلاحات ضرورية وملحة الى جانب إطلاق وتطبيق خطة "​ماكنزي​" التي كلفت الدولة مليون و300 الف دولار.

لاشك ان التوصيف للواقع اصبح معروفاً. ولا نحتاج الى مزيد من التنظير. كذلك العلاج معروف، ولكن ما ينقصنا هو المباشرة بالتطبيق والتنفيذ .

وبالنسبة للصندوق العربي للتنمية والاعمار الذي دعا الى انشائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع افتتاح اعمال القمة العربية، قال الحاج انها مبادرة للرئيس لم تشملها التوصيات التي صدرت عن القمة .  وبالتالي ، على لبنان القيام بالاتصالات اللازمة مع الدول والاطراف المعنية لإنشاء هذا الصندوق.

في مطلق الاحوال ، الخطط الكفيلة بالنهوض بالاقتصاد اللبناني موجودة جميعها . ​العقبة​ الاساسية الواجب إزالتها هي امام إعادة الحياة الى السلطة التنفيذية والاسراع في تشكيل حكومة جديدة  مما سيسمح للسلطة التشريعية بتأدية الدور المطلوب منها في ​مجلس النواب​ .

هناك اولويات كثيرة اقتصادية يجب الإسراع في تنفيذها وإقرارها كموازنة ال 2019وإنجاز عملية قطع الحساب للعام 2017 . واذا قطعت المرحلة الاولى من العام ولم يتم تنفيذ اي من هذه الاجراءات الملحة فإن النظرة الدولية الى لبنان لن تكون بالتأكيد مطمئنة.

النهوض والنظام

يقول نائب رئيس دولة ​الإمارات العربية المتحدة​ ورئيس ​مجلس الوزراء​ بدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:

"اذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فيجب وضع الحصان أمام العربة."

اما بعد  ، فهناك جهات اقتصادية تعتبر انه بات من الصعب النهوض بالإقتصاد اللبناني بدون تغيير بنية النظام السياسي، والمرحلة الحالية هي  قريبة جداً من الانهيار الاقتصادي. آلاف المؤسسات والمعارض والشركات تقفل أبوابها، البطالة ترتفع والقوة الشرائية في هبوط مستمر، وحالات ​الجوع​ تنتشر بشكل دراماتيكي  في احياء عدة وفي معظم المناطق .

ودون تدابير فاعلة لوقف النزيف المالي،  فإن لبنان سيتجه الى الافلاس الذي سيضرب  حتما ًآخر مقومات العيش فيه من: ​الودائع​، الضمان الإجتماعي، و​القطاع المصرفي. المخاوف كثيرة ولكن الآمال ستبقى رغم كل شيء كبيرة على يقظة ضمير المسؤولين لمهمة الإنقاذ السريعة .